Culture Magazine Thursday  26/04/2012 G Issue 371
فضاءات
الخميس 5 ,جمادى الآخر 1433   العدد  371
 
قراءة في مآزق الثقافة العربية.. من فواصل د. إبراهيم التركي
بدر التيهاني

 

عند قراءتي لمؤلف الدكتور المبدع إبراهيم التركي بعنوان (فواصل في مآزق الثقافة العربية) وجدت نفسي أقف على خريطة محكمة التفاصيل لواقعنا المرير تتجلى في فواصلها كل سطر من أسطر هذا الكتاب ووجدت أن هذا الكتاب يحتم على القارئ الشعور بأنها ليست فواصل بل وقفات ومنعطفات حقيقة وتصورات ومرئيات جلية تحكي الصراع الثقافي العربي والمحلي على وجه الخصوص ولعل المؤلف أورد في مقدمته «بأن التقسيم الافتراضي ماهو إلا تسهيل للاستقراء فالكتاب يقرأ دون فواصل وإن وشى اسمه بها».

وأزيد على ذلك بقولي بأنه زخم كبير من المحكات المهمة التي لن يتوانى أي قارئ ولو للحظة في قراءة سيرة المؤلف في نهاية الكتاب.

لعل مايتسم به الكتاب من طرح علمي موسع وشواهد واقعية حتمية توحي للقارئ بالكثير من الاشياء التي تلامس حقيقة واقعه ولجمال هذا الكتاب لن استطيع أن اقدم دراسة تفصيلية في حيز مقالي ولكن سأستقرئ مأزقين من مآزق المؤلف وأطرحها بإبداع صاحبها.

أولا (مآزق الأبوية) يسرد المؤلف حديثه ويقول (ليست المرأة هي القضية «هنا» بل الشاهد على السلطة الأبوية امتدت لتشمل الطفل والبالغ والرجل والمرأة والمتعلم والعالم وبات الجميع على قلق فالحديث بحدود، والحوار بقيود، والكلمات محسوبة مكتوبة، والخروج عن النص معضلة قد تقود صاحبها إلى النفي من عالم التاثير وربما مجرد التقرير.

وإذ لكل امة ثوابت يلتزم بها الجميع فإن الأبوين لاتعنيهم تلك، بل يبحثون دون كلل عن الأمور الظنية المختلفة حولها ليزعموا رأيا جازما حاسما لا يجوز الخروج عليه أو النقاش حوله ) ص 24

لعل هذا المآزق من أهمها ملامسة لمايدور في مجتمعنا من خلاف وتسلط فكري بين الآباء والأجيال الذين أصبحوا فئران تجارب لهم ليطبقوا عليهم ثقافة سنين من حياتهم لم تتسم بالبحث العلمي الصحيح لأساليب التربية التي تلعب دورا مهما في تكوين شخصياتهم ومن خلالها يستطيعون التعامل مع البشر وفق حيثيات الواقع وليس هجير الأمس، وإنما اكتفوا فقط برسم خارطة طريق بطلها الآباء وماضيهم العتيد وبالتالي أصبح نتاجه شنيعا حيث ألغيت الثوابت وتم الإيمان بعادات، وتركت الحقائق ونفذت الأهواء، ومن هذا المنطلق أصبح جليا أن نشاهد المرأة وهي أكثر الحالات تأثرا بهذا المآزق الخطير حيث تلفظ أنفاسها من هذه الأساليب التي وإن أسميتها كما أسماها المؤلف (وصاية) وكأنها ليست من جنس البشر.

وكما أورد الباحثون بأن أشرس الكائنات الحية لاتهاجم وتنتهك الحقوق إلا عند الجوع ولكن البشر يحلو لها انتهاك الحقوق بعد شباعها وقبله.

فهذا مآزق قد لا يعيه الكثير ولا نقول الكل فالعموم يلغي مصداقية أي بحث ولكن ظهور رائحة الجهل توحي بوجود منظرين لهذه المازق.

ومن ثم يورد المؤلف في ذات السياق مثالا على نتاج هذا المآزق ويقول (عانى الكثير من الكتاب والكاتبات من معضلة الفهم أو التفاهم مع بعض قرائهم ممن يجيدون لغة الاعتراض والاتهامات.وفوجيء عدد منهم برسائل ساخطة تصل إلى درجة التهديد لمجرد أن صاحب المقال قد تجاوز ماأيقنوه حقا من دون أن يدركوا أن في الأمر سعة ثم يسترسل ويقول (مشكلة هؤلاء أنهم يظلمون أنفسهم حين يلغون هامش النقاش العلمي المفتوح على مختلف الأوجه وقد يمتد بهم الأمر إلى الإصرار على صوابهم وخطأ سواهم حتى تقفل لديهم منافذ التفكير).

لذا أجد أنه أصاب كبد الحقيقة وهو يطلق سهامه القوية على صدر المعضلة المخضرم لأن هذا مانواجهه سواء على الصعيد الشخصي أو على العموم بين البشر فكم من فكرة عضلت بسبب مخالفتها لقيود الفكر القديم دون أي نقاش يسمح له بالتراجع إن كان مخطئا أو أن يسمح لهم بفهمه ويقتنعوا ليغيروا، وهذا نتيجة لغرس ثقافة عدم التفكير في مجتمعنا والذي سبق أن أوردته في إحدى مقالاتي، نحن نريد وبرغبتنا كمجتمع أن نسير على وتيرة من الجمود والتبلد الفكري دون تفكير وتغيير ونختزن بعضا من القواعد المهترئة التي لم تمر عليها أي من مراحل التغيير أو التنقيب لعزل الفاسد منها عن الصحيح، وهذا يدعوني لطرح سؤال مهم على كل من يهيمن عليه هذا الفكر. لم لاتفتش في أغوار عقلك وخبايا قناعاتك الشخصية وماتحمل من قواعد ضمنية بجهلها وتعيد ترتيبها من جديد؟ فلو أنهم لم ينقبوا عن النفط ذي الرائحة النتنة واستخدموا طرقا حديثة لتطويره لما خرج لنا منه أزكى وأرقى الروائح العطرية التي تشمها الآن.

* يقول المؤلف (الحديث لاينتهي، ولنتوجه إلى المسكونين بحب الحقيقة، بأن يحسنوا الظن بغيرهم، وألا ياخذهم التصنيف في غلوائه، فالاحتفاء بالإبداع لايعني الإتباع، والإعجاب بالنص لا يستلزم الاقتناع) وبالتالي لو رسمت هذه العبارة بماء الذهب على أبواب مشارف العقول وحفرت بمعاول على تلك الأحجار المتبلدة التي لاتتغير لكيلا يقف الحائر بلا منهج وبدون قناعة وليغيروا من تفكيرهم.

فنحن نرى عدوى تصنيفية غير واعية وواهية الملامح لايقودها سوى رموز التبعية وهدفها النيل من أي فكر يقارع -هواها – وبالتالي لو سلط هذا الكتاب على كل عقل فارغ لا يحمل فيه سوى براثن من بيوت العنكبوت لأصبحنا نناهض في ثقافتنا وحضارتنا الأمم المتطورة فكرا وصناعة وتعايشا.

إن هذا الكتاب لهو مرجع قيم وتصوير مدهش بعبارات سهلة يسيرة ونخبوية عالية يفهمها العموم بشتى أفكارهم فلقد أبدع المؤلف في سرد مآزقنا وطرح قضايانا بأسلوب علمي لغوي جميل، فهو يزخم بالكثير من المحكات التي تدل على هوان تفكيرنا واتكائنا على منابر الوصف والتصنيف والتشدد والإشاعة والرموز والادعاء والتزييف والخلاف والكثير التي توشحت بها صحفة فهرس كتاب مؤلفنا، لاضير في أن أؤكد بأنني لست أنا من يقدم هذا الكتاب فهو يقدم نفسه بعيدا عن مقالي ولكن استقرأت ماسبق لجمال هذا الكتاب.

ولعلي أنهي مقالي بما أنهاه المؤلف (هكذا تبلغ الرحلة منتهاها مؤذنة بأوقات قد تطول لتتأمل استفهامات الرحلة والمرحلة والهدف والجدوى ولتتزود بالقراءة والاستقراء وترقب الأنواء والأجواء، ربما يأذن الله بإجابات ولقاء).

دمتم بلا مآزق....

أكاديمي وكاتب صحفي - جدة @BTIHANI

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة