Culture Magazine Thursday  26/04/2012 G Issue 371
فضاءات
الخميس 5 ,جمادى الآخر 1433   العدد  371
 
فوضى المصطلحات!
عبدالله السعوي

 

لو تأملت في مصطلحات من قبيل الليبرالية، السلفية، الوسطية، الثوابت، المتغيرات، الإرهاب؛ ونحوها لو تمعنت لألفيت أن المدلول كثيرا ما يتم تغييبه فهو مؤجل لا يَمثل أمام نفسه إلا نزرا مما جعل معالم المفردة تعيش حالة من التيه فهي متشظية وسط زحام الفوضى المصطلحية إذ كثيرا ما يجري إسقاطها من قبل المخيال العام على سياقات لا تمثلها بالضرورة لتجد ذاتها في نهاية المطاف مسكونة بانعدام جزئي أوكلي للأساس الجوهري الذي تحتضنه من الداخل. وفي ظل ذلك فأنّى للفرقاء تعزيز أفق مشترك فهذا شأن متاخم لأفق الاستحالة في ظل تفجر المشهد المصطلحي وتناثر مكوناته.

كثير من المساجلات الثقافية تتخلق لحظات استهلالاتها الأولى عطفا على عدم التقاطع - كحاجة معرفية ملحة - على تكريس فهومات مشتركة يتحدد جراءها كنه البعد الدلالي للمصطلحات - بحسبها الوعاء الذي تسبك فيه المعاني - على نحو يدرأ شساعة التباين ويحجم بالتالي من تصاعد حدة تدفق المدّ التجاذبي.

كثير من بواعث الاحتراب الحاد ناتجة عن ذلك اللبس المعيب وتجاهل الثقل المركزي للتفكيك الواعي للمصطلحات الحمالة وفك الاشتباك بين مستوياتها ورصد ما بينها من ضروب الفروق الدلالية تجاهل هذا الأمر آل - ولا يزال - إلى تصاعد وتيرة المماحكات البينية والإسقاط المتبادل للأدبيات والجناية على الحقائق.

عدم تحرير المصطلحات فضلا عن أنه أفسح في المجال لتمرير ما يتعذر تمريره إبان تحريرها فإنه أيضا آل إلى إشكاليات تصنيفية مغايرة لملامح الحقيقة، ثمة أحكام خالية من التجرد، بل لم تتجرد إلا من التجرد!. ولو تأملنا في راهننا المحلي لوجدنا حمى التصنيفات اللا موضوعية قائمة على قدم وساق وفي حالة من الدوران بين الفعل ورد الفعل على نحو لا يقود إلا إلى زعزعة الحالة الأمنية المعرفية! ودونكم تلك الأمثلة. هناك من يصف غيره بالليبرالية ثم يحاكمه بموجب هذا المصطلح مع أن هذا الواصف غالبا ما يكون محدودة القدرات، بسيط الأدوات لم يبلغ سن النضج الفكري بعد، ولا يعي معنى الليبرالية ولا يدرك حيثيات هذا المصطلح ومتى يطلق وعلى من؟! كل ما في الأمر أنه رأى من عنده بعض الرؤى الانفتاحية والمرونة في التفاعل فخال أنه خليق بأن يخلع عليه هذا الوصف مع أن ذلك الموصوف قد يكون أكثر التصاقا منه بالتدين! بل قد يكون مفكراً إسلاميا له حضوره الثقافي المشرق على نحو يتلاءم ومقتضى شرط اللحظة المعرفية!

خذ أيضاً في المقابل مصطلح السلفية فهناك من يتعاطى معه بلغة تعميمية لا تتجاوز الفهم التبسيطي فهو يفهم السلفية بسذاجة متناهية ولذلك يمارس ألوانا من المزج الفوضوي بين عدد من التوجهات المتباينة التي لا يجمعها سوى رفع هذا الشعار ويلصق بها منظومة من النعوت المفتقرة إلى ما يمنطقها، ثمة شطط هنا حيث يتم التعاطي مع تلك التيارات - المتعارضة أحيانا! - بحسبها كتلة متجانسة ذات صبغة واحدة وكيانا منسجما قائما على الانصهار في بوتقة واحدة! مع أن الحقيقة أن هذا المصطلح ينضوي تحت لوائه سيلان من الاحتمالات المتلونة فهو منفلت باستمرار، بل ويستفيض في انفلاته من قبضة الوصف التعريفي الذي يختزل تكوثره المسترسل إلى حد الاستعصاء على الضبط!

أما النتيجة في النهاية فهي الخلط بين سلفية ناصعة وأخرى قد تمثل الوجه النقيض لها وبالتالي تحميل المنهج الواحد مسؤولية الأخطاء الصادرة عن الأتباع المتعددين الذين تم القبض عليهم على حين غرة وإيداعهم في قفص الاتهام!..

ودونك مثلاً طبيعة العلاقة بين الثابت والمتغير، فثمة لعب على هذه المصطلحات بشكل تتوه فيه الحقيقة بين الفعل ونقيضه. فهناك من يضاعف مساحة الثوابت ويُلحق بها ما اعتاده من أدبيات وما ألفه من مناشط وتقاليد فرضت نفسها لا لأنها مفعمة بروح الدينونة وإنما لطول الإلف ومعاودة التكرار، الثوابت هنا تتدفق، تتكاثر، تتوالد بشكل تناسلي على نحو يحدوها للتمرد على إمكانية الحصر!؛ وفي المقابل هناك من يُبلي بلاء سيئا وينفق طاقة لاهثة لتقليص الكمّ الثوابتي وتغذية العناصر المجففة لمنابعه المعتبرة. الثوابت هنا تُحجّم، تقلص، تحاصر، تُباغت بالهجوم السافر الناشئ عن ردود أفعال عكسية تتغيا رد الاعتبار للمتغيرات التي تعصف بها رياح التغيير فور استهلال نُذرها بالتشكل!.

خذ أيضا مصطلح الإرهاب فهناك من يتعاطى معه بطريقة أيديولوجية ماكرة وبمهارة فائقة في القفز واللعب على الحبال حيث يتم إطلاق هذا اللقب على كافة حركات المقاومة المشروعة أو على كل تمظهر يشي بوجود- ولو مجرد الحد الأدنى من الوجود- الروح الدينية، وهكذا الأمثلة تعز على الحصر في هذا السياق. وحاصل القول: إنه لابد وخصوصا لصناع الخطاب الثقافي من تحرير محل النزاع وإسقاط المصطلحات على وقائعها الثقافية المعتبرة حتى لا تتضاعف الهوة ولئلا تتأجج شرارة الاحتقان.

Abdalla_2015@hotmail.com بريدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة