Culture Magazine Thursday  20/12/2012 G Issue 390
ترجمات
الخميس 7 ,صفر 1434   العدد  390
 
أزمة الشعر والشعراء 1-6
لماذا تراجع الشعر عن مركزه على عرش الأجناس الأدبية..؟

 

الشعر الآن لا يقرأه سوى الشعراء، والشاعر الشهير يعني الآن شخصاً مشهوراً عند شعراء آخرين فقط، وجمهور الرواية الكبير بالكاد يلاحظ وجود الشعر

تقديم المترجم: مايكل دانا جويه هو مواطن أمريكي يحمل عدة ألقاب هامة، فهو كاتب، وناقد، وشاعر، ومدير شركة تنفيذي سابق، وهو من أصل إيطالي وولد عام 1950.. بعد تخرجه من الجامعة بتخصص إدارة الأعمال، التحق بالشركة العامة للأغذية (جنرال فود كوربوريشن وهي جزء من شركة كرافت العالمية الضخمة) وبرز في مجال التسويق حتى شغل منصباً تنفيذيا رفيعاً كنائب لرئيس الشركة لقطاع التسويق من عام 1977 حتى عام 1992، حيث استقال من منصبه ليتفرغ لكتابة الشعر والنقد. جويه متزوج ولديه 3 أولاد.

اختاره الرئيس الأمريكي عام 2003، كرئيس لمجلس إدارة مؤسسة «الوقف الوطني للفنون» التابعة لحكومة الولايات المتحدة وهي مؤسسة متخصصة في «دعم التميز في الفنون الجديدة والقديمة، وإيصال كيفية تذوق الفنون لجميع الأميركيين، وإعداد القادة في مجال تعليم ونشر الفنون».. انتهت فترة رئاسته عام 2009، وبلغت ميزانية مؤسسة الوقف الوطني للفنون عندما غادرها ما يقارب 155 مليون دولار.

أصدر جويه 4 مجموعات شعرية و8 كتب جيب شعرية و3 كتب نقدية و3 كتب مختارات (شعر وقصة)، كما ترجم كتابين من الشعر الإيطالي.. وفازت مجموعته الشعرية «استجوابات عند الظهيرة» عام 2002، بجائزة الكتاب الوطني الأمريكي.

وكان جويه قد كتب مقالة مهمة عام 1991، في مجلة النخبة الأمريكية (ذا أتلانتك The Atlantic) الفكرية المرموقة بعنوان «أزمة الشعر والشعراء» عن تراجع الشعر كجنس أدبي في أمريكا. وأثارت المقالة عاصفة من الجدل والنقاش الحيوي الذي يهدف إلى إرجاع الشعر ليتربع على عرش الأجناس الأدبية. وهنا ترجمة لتلك المقالة المهمة:

***

أزمة الشعر والشعراء

تمهيد: نحن نشهد زوال قيمة الشعر كقوة ثقافية في أمريكا، ولكن إذا غامر الشعراء بالخروج عن عالمهم المقيد والمحصور، فسوف يستطيعون جعل الشعر ضرورياً ومهماً مرة أخرى.....

الشعر الأمريكي ينتمي الآن إلى ثقافة فرعية؛ فلم يعد جزءاً من التيار الرئيسي للحياة الفنية والثقافية، فقد أصبح مهنة متخصصة لمجموعة صغيرة نسبياً ومعزولة. القليل فقط من النشاط المهتاج والمحموم الذي يولده يصل إلى خارج تلك المجموعة المغلقة. وكطبقة، الشعراء ليسوا من دون منزلة ثقافية.. ومثل كهنة في بلدة يسكنها ملحدون، فإنهم لا يزالون يملكون بعض الهيبة المتبقية، ولكن كمبدعين بصورة فردية، فإنهم غير مرئيين تقريباً.

ما يجعل وضع الشعراء المعاصرين مستغرباً بصورة خاصة، هو أنه يأتي في لحظة لم يسبق لها مثيل لتوسع هذا الفن.. لم يسبق مطلقاً أن كان هناك العديد من الكتب الجديدة للشعر أو عن الشعر، أو العديد من كتب الأنطولوجيا (المختارات) الشعرية والكثير من المجلات الأدبية. ولم يسبق أبداً أنه كان من السهل جداً لكسب لقمة العيش أن تكون شاعراً؛ فهناك الآن آلاف من الوظائف الجامعية لتدريس الكتابة الإبداعية (للشعر والنثر)، وكثير غيرها في المرحلتين الابتدائية والثانوية. كما أسس الكونغرس لقب «شاعر أمريكا» (أي ما يعادل «أمير الشعراء»)، وكذلك أسست 25 ولاية لقب «شاعر الولاية». وأيضاً لم يكن هناك قط كتب نقدية بمثل هذا الكم حول الشعر المعاصر والتي تملأ العشرات من المطبوعات الأدبية والمجلات العلمية.

انتشار الشعر الجديد والبرامج الشعرية هو أمر مذهل بكل المقاييس التاريخية. ينشر سنوياً ما ينقص قليلاً عن 1.000 مجموعة شعرية، إضافة إلى عدد لا يحصى من القصائد الجديدة المطبوعة في المجلات الصغيرة والكبيرة على حد سواء. لا أحد يعرف كم عدد الحفلات الشعرية التي تجري كل عام، ولكن من المؤكد أن المجوع الكلي يصل إلى عشرات الآلاف. وهناك الآن حوالي 200 برنامج دراسات عليا للكتابة الإبداعية في الولايات المتحدة، وأكثر من ألف برنامج في المرحلة الجامعية. ولو فرضنا متوسط عشرة طلاب يتعلمون الشعر في كل قسم دراسات عليا، فإن هذه البرامج وحدها ستنتج حوالى 20.000 شاعراً «معتمداً» على مدى العقد المقبل. ومن هذه الإحصاءات، «قد» يستنتج مراقب بسهولة أننا نعيش في العصر الذهبي للشعر الأمريكي.

ولكن ازدهار الشعر هذا هو ظاهرة مقيدة بصورة مقلقة. لقد خلقت عقود من التمويل العام والخاص طبقة مهنية كبيرة لإنتاج واستقبال الشعر الجديد تضم فيالق من المعلمين وطلاب الدراسات العليا والمحررين والنا شرين والإداريين. وأصبحت تدريجياً هذه الجماعات التي يتمركز معظمها في الجامعات، الجمهور الأساسي للشعر المعاصر. وبالتالي، أصبحت طاقة الشعر الأمريكي المعاصر التي كانت سابقاً موجهة إلى خارج دائرته، تركز بشكل متزايد على داخله. الشهرة تُصنع والمكافآت تُوزع داخل ثقافة الشعر الفرعية. وللتكيف مع تعريف البروفيسور راسل جاكوبي، لـ «الشهرة الأكاديمية المعاصرة» كما في كتابه المهم «آخر المثقفين»، فإن الشاعر «الشهير» يعني «الآن» بالفعل شخصاً مشهوراً فقط عند «شعراء آخرين». ولكن هناك ما يكفي من الشعراء لجعل تلك الشهرة المحلية الضيقة نسبياً ذات معنى؛ فمنذ وقت ليس ببعيد، كان شعار «الشعر لا يقرأه سوى الشعراء» يقصد به القدح والتشهير. ولكن الآن أصبح الشعار ذاته هو إستراتيجية التسويق الثابتة عملياً.

لقد أصبحت هذه الحالة مفارقة، كلغز من ألغاز طائفة الزن البوذية في علم الاجتماع الثقافي. على مدى نصف القرن الماضي، ومع توسع جمهور الشعر الأمريكي بشكل مطرد، انخفضت نسب القراءة العامة للشعر. وعلاوة على ذلك، فإن المحفزات التي دفعت إلى نجاح المؤسسات الشعرية -مثل توسع برامج الكتابة الأكاديمية؛ وانتشار المجلات ودور النشر المدعومة؛ وظهور مهنة التدريب على الكتابة الإبداعية؛ وهجرة الثقافة الأدبية الأميركية إلى الجامعات- ساهمت عن غير قصد في اختفائها من المشهد العام.

عالمه الخاص

بالنسبة إلى القارئ العادي، فإن الافتراض القائل إن جمهور الشعر قد تضاءل يبدو بدهياً. ومن أعراض أزمة «عزلة» فن الشعر الحالي أنه ضمن هذه الثقافة الفرعية غالباً ما يتم رفض واستنكار مثل هذا الافتراض. وكما لو كانوا ممثلين لغرفة التجارة من جبل برنسوس (موطن الشعر والأدب والتعلم عند الإغريق)، يقدم مناصرو الشعر خطباً مثيرة عن النمو العددي للمطبوعات، والبرامج، ومناصب الأستاذية. وإذا أخذنا في عين الاعتبار وجود إحصاءات متفائلة عن توسع فن الشعر، فكيف يمكن للمرء أن يثبت تآكل النفوذ الثقافي والروحي له؟ لا يمكن للمرء تجميع الأرقام بسهولة، ولكن بالنسبة إلى أي مراقب محايد ونزيه فإن الدليل على انحدار قيمة الشعر في عالم الفكر والأدب يبدو لا مفر منه.

الصحف اليومية لم تعد تنشر مقالات عن صدور كتب الشعر وعروض لنقده. هناك، في الواقع، تغطية قليلة للشعر والشعراء في الصحافة العامة غير المتخصصة. ومنذ عام 1984 حتى هذا العام 1991، حذفت الجائزة الوطنية للكتاب فئة الشعر من المنافسة. والنقاد البارزون نادراً ما يعرضون دواوين الشعر؛ في الواقع، لا أحد تقريباً يقدم عروضاً نقدية لكتب الشعر سوى شعراء آخرين. وتقريباً لا توجد مختارات (أنطولوجيا) رائجة للشعر المعاصر متوافرة ما عدا البعض، مثل «مختارات نورتون للأدب الإنكليزي»، التي تخاطب جمهوراً أكاديمياً. على ما يبدو، وباختصار، لقد أصبح الوضع كما لو أن الجمهور الكبير الذي لا يزال موجوداً للرواية الجيدة بالكاد يلاحظ وجود الشعر. ومن المحزن أن القارئ الملم بروايات جويس كارول أوتس وجون أبدايك وجون بارث، قد لا يعرف مجرد أسماء شعراء بارزين مثل غويندولين بروكس (شاعرة ولاية إلينوي)، وغاري سنايدر (الحائز على جائزة بوليتزر للشعر عام 1975)، ووليام سنودغراس (الحائز على جائزة بوليتزر للشعر عام 1960).

يمكن للمرء أن يرى نموذجاً مصغراً للموقف الحالي من الشعر من خلال دراسة تغطيته في أهم صحيفة يومية عامة: «نيويورك تايمز» التي تقريباً لا تنشر قصائد أو عروض لدواوين شعرية في الطبعة اليومية، ويتم عرض الكتب الشعرية الجديدة «أحياناً» وبشكل «غير ثابت» في ملحق مراجعة الكتب يوم الأحد، ولكن دائماً يتم هذا العرض «بالجملة» لثلاثة كتب شعرية تراجع «بسرعة» معاً. وبينما يتم عرض الرواية أو السيرة الذاتية الجديدة فور صدورهما، فإن مجموعة شعرية جديدة لشاعر بارز مثل دونالد هول أو ديفيد إيغناتو، يجب أن تنتظر لمدة قد تصل إلى عام كامل لكي تتم ملاحظتها. أو قد لا يتم عرضها مطلقاً.

عرض ونقد كتب الشعر في الصحف الأخرى ليس أفضل من نيويورك تايمز، بل هو أسوأ من ذلك بكثير. موقف صحيفة نيويورك تايمز من الشعر يعكس الرأي القائل إنه بالرغم من أن هناك قدراً كبيراً من الإنتاج الشعري حولنا، فإن لا شيء منه «يهم» حقاً القراء أو الناشرين أو المعلنين أو أي أحد بخلاف الشعراء الآخرين. وبالنسبة إلى معظم الصحف والمجلات، فقد أصبح الشعر مادة ليست للقراءة فحسب، بقدر كونها مجرد «تذكير» للقارئ بسلعة أدبية كانت قيمة. معظم المحررين ينشرون القصائد والعروض النقدية للشعر بالطريقة نفسها التي يقوم بها رجل كاوبوي ماهر من ولاية مونتانا برعي بعض الجواميس بحنكة نحو الحظيرة ليس بغرض تربية وأكل لحم هذه المخلوقات المهددة بالانقراض، ولكن لمجرد عرضها كتراث شعبي ينبغي أن لا يندثر.

كيف تقهقر الشعر؟

الجدل حول تراجع أهمية الشعر الثقافية ليس جديداً. إنه يع ود في الأدب الأمريكي إلى القرن التاسع عشر. ولكن يمكن أن نقول إن الجدل الحديث حوله بدأ في عام 1934، عندما نشر الناقد إدموند ويلسون، النسخة الأولى من مقالته المثيرة للجدل «هل الشعر أسلوب ينقرض؟». وبعد مراجعة لتاريخ الأدب، أشار ويلسون إلى أن دور الشعر بدأ يضيق منذ القرن الثامن عشر. وعلى وجه الخصوص، أدى تركيز الحركة الرومانتيكية على «العاطفة المتقدة» لجعل الشعر يبدو «عابراً ومثالياً» ما أدى إلى تضاؤله في النهاية إلى وسيلة غنائية في المقام الأول. وبينما تراجع الشعر إلى وسيلة غنائية -وهو الذي كان سابقاً وسيلة شعبية لسرد الحكايات والسخرية والدراما وحتى التاريخ والتكهنات العلمية- نما وتمدد السرد ليستولي على معظم فروعه الثقافية. وفي نهاية المطاف لم يكن أمام الكتاب الطموحين حقاً أي خيار سوى أن يكتبوا النثر. وهكذا - يقول ويلسون- أصبح المستقبل العظيم للأدب ينتمي تقريباً بالكامل إلى النثر.

نواصل الأسبوع القادم بحول الله،،،

hamad.aleisa@gmail.com - المغرب

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة