Culture Magazine Thursday  20/09/2012 G Issue 380
فضاءات
الخميس 4 ,ذو القعدة 1433   العدد  380
 
الثقافة السعودية
«تطرف شرعية الواقع وضعف ثقافة الإصلاح»
سهام القحطاني

 

ذكرت في موضوعي السابق بأن الثقافة السعودية لا تملك القدرة على فاعلية التنوير، ولعل من أسباب فقدانها القدرة على فاعلية التنوير إضافة إلى فقهنتها وقوعها بين فكيّ تطرف الواقع الثقافي وضعف ثقافة الإصلاح؛ فهي لا تستطيع التحرر من تطرف الواقع الثقافي لأنها لا تملك آليات بديلة لصناعة واقع ثقافي يتحقق وجودها من خلاله، كما أن أي ثقافة لا تتبع الواقع الثقافي هي ثقافة غير شرعية تتعرض للنبذ والمحاربة.

ولا تستطيع في ذات الوقت الجرأة على الثقة في ثقافة الإصلاح لأن تلك الثقافة ما لم تنل مباركة الواقع الثقافي تظل هي بدورها غير شرعية وما بُني على ما هو غير شرعي فهو بالتبعية غير شرعي.

إضافة إلى أن ثقافة الإصلاح لا تملك إجرائيات تنافس من خلالها الواقع الثقافي أو تفرض شرعية أي ثقافة تثور على شرعية ثقافة ذلك الواقع، وهو ما يجعل الثقافة تختار ثقافة الواقع الثقافي «اختيار المضطر» لا «اختيار المقتنِع».

فشرعية كل إصلاح ثقافي لابد أن تمر عبر موافقة واقتناع الواقع الثقافي وأي إصلاح ثقافي لا يمر عبر تلك الآليتين باعتبارهما عقل الواقع الثقافي لا يمكن أن يكتسب «شرعية سلمية».

وهو ما يقتضي وجود أكثر من علاقة تفاهمية بين الواقع والإصلاح الثقافيين تسهل على الإصلاح اكتساب شرعيته التخطيطية وقبل ذلك تسهل لعلاقة تأسيس شراكة ؛لأن الواقع الثقافي هو الممثل للتطبيق؛تطبيق ما تُنتجه الشرعية التخطيطية للإصلاح.

لذلك فإن تفكير ثقافة الإصلاح في تجاوز الواقع الثقافي الراهن من خلال «تصنيع واقع ثقافي» جديد بجوار القديم قد يضمن شرعية الإصلاح ليس منطقيا غالبا.

وهو ليس منطقيا؛لأن تصنيع «واقعا ثقافيا» هو إجراء لا يعتمد فقط على مجموعة من الأفكار الثقافية، بل يعتمد على أربعة أمور هي؛ تأسيس قاعدة الوعي الداعم لتلك الأفكار، وقاعدة الوعي الداعم لا أقصد بها أصحاب ثقافة الإصلاح بل «الجمهور» المؤمن بثقافة الإصلاح، والجمهور ليس مجرد سلة أرقام من أفراد بل هو تشكيل خلايا إنتمائية وهذا الأمر الثاني، ووظيفة تلك الخلايا الإنتمائية أنها تقوم بتطبيق إيمان تلك الأفكار، والأمر الثالث هو إنتاج خطط تشغيلية لتصبح الذراع الإجرائي للواقع الثقافي المصنع، والأمر الرابع توفير آليات تفعيل الإجراء التي تحقق شرعية تلك الأفكار وهي مجموع القنوات الإعلامية المختلفة التي تؤثر في صناعة انتماء الفرد وتصديقه وفاعليته.

لكن ما يجب ألا يُغفل هو أن تأسيس قاعدة الوعي وتجميع خلايا تزرع داخلها الانتماء لأفكار الثقافة الإصلاحية وتوفير قنوات تفعيل الإجراء ستُقتص بلاشك من الواقع الثقافي الراهن، وبذلك سيعود أصحاب الثقافة الإصلاحية إلى المربع الأول؛ أي العبور من خلال آليتي موافقة واقتناع العقل الثقافي بثقافة الإصلاح، فليس هناك تصنيع مستقل لواقع ثقافي جديد عن الواقع الراهن.

كما أن أي صراع ينفجر بينهما، أو يسعى الإصلاح إلى تفجيره على أساس التنازع على الاستحقاق الأجدر لصوت الوعي الثقافي أو على أساس أن البقاء للأقوى؛ غالبا ليس في مصلحة الإصلاح الثقافي لأن الوعي سيناصر ما اعتاد عليه وألفه وأدرك مقاصده وغاياته؛ ولذلك فدخول الإصلاح مع الواقع الثقافي أو إدخاله الواقع الثقافي في معركة كسر عظم لن تفيد الإصلاح الثقافي على الأرجح،بل سيُضيف مصدر آخر لتعثر شرعيته إلى مصدر الواقع الثقافي وهو مصدر الوعي الثقافي السائد.

ولذلك يمكننا القول بأن الواقع الثقافي هو مصدر تعثر للإصلاح، صحيح أنه ليس المصدر الوحيد لتعثر الإصلاح الثقافي أو ضعف ثقافة الإصلاح لكنه المصدر المهم.

وقد يرى البعض أن المصدر الأهم لتغيير الواقع وتقوية فاعلية ثقافة الإصلاح هو «ثقافة الإصلاح» ذاتها، التي تفتقد إلى ضبط الهدف والغاية وجدية التخطيط و مصداقية الفاعلية، وهو ما يشجع استمرار الواقع الثقافي على عدم الإيمان بثقافة الإصلاح أو التفكير في تأسيس شراكة تفاعلية أو التخلي عن إجرائياته المتوارثة من أجل إحداثيات يحيطها الغموض والتخبط، وقد يدفع إحساس الواقع الثقافي بذلك التخبط والغموض لثقافة الإصلاح إلى «التطرف» لحماية الوعي الثقافي من فوضى ثقافية.

أما مسألة ترتيب الأوليات في الإشكالية فالبدء بالواقع الثقافي لأنه يتصف بالحقيقي والمتكامل ومصدر التأثير،ووفق تلك السمات تتأخر ثقافة الإصلاح في تسويغ الإشكالية لأنها لا تمثل حقيقة ولا تحمل ما يدل على أنها متكامل أو مصدر تأثير،ولا تمثل واقعا،كما أن ما يدخل في اعتبار الثابت هو الذي يخضع للحكم،لا ما يدخل في اعتبار الافتراض.

يقصد بالواقع الثقافي ثلاثة أشياء الأفكار الثقافية والممارسات الثقافية والإجرائية الثقافية أو ما أسميها أنا « الكائنية الثقافية» أي مجموع الإمكانات الإجرائية التي تؤثر على تشكيل الواقع الثقافية على ما هو عليه،»دوافع الاقتضاء والمنحية» وتجبر كل جديد على الخضوع لقوانين تشكلاتها، وهكذا يصبح الواقع الثقافي تشريعا ثقافيا في ذاته،لا يكتسب أي تغيير ثقافي شرعيته إلا بمباركة العبور من خلال آليات عقله.

ولذلك لا بد أن يبدأ التخطيط لزرع أفكار ثقافة الإصلاح من نقطة تشخيص الواقع الثقافي لا هدمه فاختيار الهدم بدلا من التشخيص هو الاختيار الأسهل في العرض والأخطر لأنه فد يؤدي إلى تفجير المقاومة مما قد يسبب تطرف الواقع وبالتالي سيفقد الإصلاح كل طرائقه في بناء الثقة بينه وبين الواقع الثقافي التشريع الإجرائي لتنفيذ كل ثقافة جديدة.

إضافة إلى أن ليس كل ما في الواقع الثقافي قد يمثل مصدر تعثر للإصلاح ففي الواقع الثقافي إرهاصات قد تساعد إعادة تدويرها الثقافي إلى تمكينها لتصبح إحدى إحداثيات صناعة ثقافة الإصلاح وتقويتها.

وقفة:

ثقافة اليوم الوطني ليست كيف نعبر عن الوطن فقط بل هي وقبل ذلك كيف نحب الوطن «ازرع وطنك داخلك قبل أن تزرعه بجوار من يقف بجانبك» كل أيامك أيها الوطن الشامخ أمن وسلام في ظل قائد الإصلاح والتنوير خادم الحرمين الشريفين حفظه الله.

sehama71@gmail.com جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة