Culture Magazine Thursday  15/11/2012 G Issue 385
عدد خاص
الخميس 01 ,محرم 1434   العدد  385
 
الإنسان في فكره وعمله
د. محمد الرميحي*

 

(لدي إحساس متقد بشرف الانتساب للإسلام ديناً، ولهذه البلاد وطناً، ولمليكي قائداً، ثم بشرف الخدمة في «عسير».. هذه المنطقة التي وقعت في أسر هواها منذ النظرة الأولى) هكذا كتب سمو الأمير خالد الفيصل في مقال بعنوان من غيب البسمة! ينعى فيه التغيير الذي تم في تعامل الناس في المنطقة التي أحبها، في عام 2004 قبل أن ينتقل بأمر ملكي إلى أن يكون أميرا لمنطقة مكة عام 2007، فهو الرجل المحارب الذي ينتقل من مكان إلى آخر يسعى لخدمة (الإنسان) في ذلك المقال المعبر تحدث خالد الفيصل (مع حفظ الألقاب) عن الإنسان في عسير. وللإنسان في فكر وعمل خالد الفيصل المكان المعلى، لأنه يرى ان الإنسان هو صانع الحضارة و محقق التنمية وهو العامل الأول في عز الأوطان، فالعناية به - من كل الوجوه - عناية بالوطن.

صحبت الأمير خالد الفيصل لأكثر من عشر سنوات حتى الآن في إطار مؤسسة الفكر العربي التي بكل تواضع ودون أي مزايدة - لو لا إصراره على السير في إكمال خطوات المؤسسة - لما رأت النور كما هي عليه الآن. الفكرة جاءت حتى قبل ان يدخل العالم ومعه العرب فوضى ما بعد 11 سبتمبر عام 2001 الحادث الجلل الذي غير مسار تاريخ العالم بشكل ما. كان خالد الفيصل لديه إحساس ان هناك الكثير مما يجب عمله في قطاع الثقافة العربية حتى - على الأقل - نوقف هذا التدهور في الفضاء الثقافي العربي ان لم نغيره جذريا من (التعصب) إلى (التسامح) ومن (كره الآخر) إلى (تفهم الآخر).

ذلك الإحساس الذي حمله خالد الفيصل وطاف عواصم العالم العربي يدعو إليه دون كلل، هو الذي خلق ديناميكية تسمى الآن (مؤسسة الفكر العربي) التي بدورها أثرت في مجرى الثقافة وأكاد أقول السياسة العربية جراء عملها وإنتاجها الغزير والمتجدد. كان خالد الفيصل هو الدينامو خلف كل هذا الإنجاز . أين ما يذهب خالد الفيصل تحضر الثقافة سواء في جائزة الملك فيصل التي وضعت اسمها في مصافي الجوائز العالمية الكبرى أو في سوق عكاظ، المهرجان الأشهر أو في مؤسسة الفكر العربي، على أصعدة هي العالمية والعربية والمحلية . لديه إيمان لا يتزعزع بأهمية الثقافة كقاطرة للتنمية الشاملة . الفكرة التي أشاركه فيها بتواضع من خلال قراءتي للكثير من المؤلفات التي أثبتت ان الثقافة هي احد الأركان المهمة، ان لم تكن الركن الركين لتقدم الشعوب.

خالد الفيصل حتى يحقق ما حقق أطال الله في عمره كان لا بد ان يحمل ذخيرة وسلاح فعال، وكانت تلك الذخيرة والسلاح الفعال هي قدرته في التنظيم والإدارة ومن بينها اختيار الرجال الذين يرى فيهم القدرة على التنفيذ الواعي. لقد شهدت الكثير من اجتماعات مجلس إدارة مؤسسة الفكر العربي، وشهدت بإعجاب ليس فقط إلمام سمو الأمير بتفاصيل المشروعات وبحرص على دقة تنفيذها، ولكن شهدت ما هو أعمق من ذلك ديمقراطية المناقشة للموضوعات والتقاطه السريع للفكرة اللماعة اللماحة التي تساعد على دفع المشروع المطروح إلى أفضل طريق للتنفيذ.

قد يرى البعض المتسرع ان الحديث عن الرجل ربما يحمل شيئا من التزلف وهو ابعد من أن يقبل من خالد الفيصل حيث يعرف ببصيرته أن التزلف لا يقوى على تغيير الصورة مهما بلغت الكلمات من عمق، خالد الفيصل يحمل في شخصه الكثير من المزايا،فهو شاعر مرهف وصادق الشعور، بدليل ان شعره الجميل يحمل في عقول وقلوب الناس ويبقى صامدا، لا زلنا نتغنى بأكثر ما أعجبني من شعره - وهو كثير - قصيدته الرائعة التي نشرتها في صوت الكويت إبان الغزو العراقي عليها في الجريدة التي كنت ارأس تحريرها وقت ذاك (حنا العرب يا مدعين العروبة) يا الله ما أجمل تلك القصيدة التي أرى أنها سوف تبقى من عيون الشعر الشعبي، اما أشعاره الأخرى فهي مزيج بين أصالة العربي وعمق الشعور الإنساني. يحمل الأمير خالد الفيصل من روح والده المرحوم فيصل بن عبد العزيز الكثير، وهو في مجالسة يستذكر مواقف رجل الدولة الفذ،وحري بنا القول ان فيصل هو الابن و التلميذ للرجل الكبير المؤسس رحمه الله. فأنت إذا أمام قامة رجل نهل من مدرسة سياسية اعترف بها العدو قبل الصديق في عمقها وصواب قراراتها، وأمام رجل يتكيف مع العصر دون إفراط أو تفريط. ينهل من ما يقدمه العصر من إمكانيات ويحافظ على ما خلفه السلف من قيم إنسانية.

في مناقشاته أقول له يا سمو الأمير أنت أكثر ديمقراطية منا! لأنه يستمع إلى القول فيتبع أحسنه دون تشبث بما رآه في أول الأمر، وبصبر وجلد للاستماع قل نظيره بوعي كامل للاستفادة من رأي الآخر مهما كان، لعل بصيص من الإضافة يزيد الأمر المطروح نضجا. في مؤتمرات فكر تراه - ان لم يكن مشغولا باجتماع له علاقة بالمؤسسة - أول الحاضرين وآخر المغادرين، يستمع في صمت لما يقال، يلاحظ و يختزن ما يجب ان يحسن في المؤتمرات القادمة. يهتم بأمور الشباب ولعلني ادعى ان مؤسسة الفكر انتبهت لموضوع الشاب العربي، وأهمية الإصغاء إليه ومعرفة هواجسه وتحسس مطالبه، قبل فترة طويلة من زحف هؤلاء الشباب في زرافات إلى قلب مدنهم من صنعاء إلى تونس إلى القاهرة مطالبين بالتغيير.!

لم يكن خالد الفيصل فقط مثقفا ولكنه أيضا قائدا ثقافيا آمن بإنشاء المؤسسات الثقافية غير المترابطة بشخص ما، بل مؤسسة تستطيع ان تقف مستقلة على أسس من الإدارة الحديثة. وارى ان ما قام به في الجنوب السعودي الذي أحبه ونقل المنطقة تلك بإصرار من إلى سوية عالية من التنمية، تعود سيرتها الأولى من مدن وقرى إمارة مكة المكرمة من عروس الثغر جدة إلى اصغر قرية. فقد أعطته ثقافته الواسعة والمتجددة بعدا وظفه في الإدارة التي هي أيضا بمثابة الوقود للعربة، فالإدارة الجيدة هي التي تتيح أفضل النتائج لصالح المواطنين. لدى قناعة ان النهضة الإدارية التي يتبناها الأمير خالد الفيصل اليوم في المنطقة التي أنيط به بإدارتها وتدبير شؤونها ما هي إلا سنوات قلائل كي نرى نتائجها منعكسة على خدمة المنطقة للمواطنين، لان إحساس الأمير خالد الفيصل هو بالإنسان وللإنسان الذي ذكره في مقاله من غيب البسمة انه هدفه الأساس حيث ان إيمانه العميق بقوله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم).

* مفكر كويتي

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة