Culture Magazine Thursday  15/03/2012 G Issue 367
تشكيل
الخميس 22 ,ربيع الآخر 1433   العدد  367
 
محطات تشكيلية
جمع فيها بين الشكل الصامت والجملة ذات المعنى
توظيف الفنان السليم (الآفاقية)لمواضيع إبداعه الفني جعل منها مدرسة
إعداد: محمد المنيف

 

استعرضنا بعضاً من تجربة الراحل الفنان السليم في حلقاتنا السابقة وأخذنا بيانه حول (الآفاقية) مرتكزاً للحلقة الثالثة، ومع ذلك فالحديث عن هذا الفن لا ينتهي، وإن كان هناك عتب فهو على الأقربين من أبناء الفنانين خصوصاً من رحلوا عنا منهم أبناء الفنانين الراحلين، الرضوي، والغامدي والعمير، وغيرهم، وبما أننا نتحدث عن الراحل السليم ولكون ابنه الأستاذ طارق من حملة درجة علمية عالية في مجال الحاسب الآلي من جامعة أمريكية، إضافة إلى ما يتمتع به من علاقة قريبة جداً بوالده، فإن بإمكانه إنجاح أي مشروع كتاب عن الراحل لتوثيق مسيرته العملية والاجتماعية التي كان رحمه الله يتمتع بها مع كثير من التشكيليين والأدباء والمسئولين، من خلال جمع لكثير من المعلومات والمواقف والتجارب التي تحتاجها الساحة التشكيلية خصوصاً لمن هم في مستوى وقيمة وقدرات الفنان محمد السليم، كما لا ننسي ابنته نجلاء التي تولّت توثيق مدرسة والدها عبر اللوحة والندوات.

هذا الأسبوع نختتم حلقاتنا المتواضعة التي كنا نطمع أن نقدم فيها الكثير لولا ضيق المساحة، وأملنا في أن نقدم مستقبلاً لهذا الفنان ما يوازي ما قدمه من جهود لهذا الوطن، ممثلاً في إبداعاته وبما تجاوز به من جهوده خاصة الى خدمة الساحة والفنانين، وسوف يكون ختامنا للحلقات باستعراض ما استطاع أن يوظف له تجربته الآفاقية من مواضيع مختلفة شملت أشكال البيئة والإنسان وكتابة بعض الآيات والحديث والحكمة الى آخر المنظومة.

عشق الصحراء والبحث في الآفاق

لم يكن الفنان الراحل محمد السليم ينظر إلى التعامل مع الصحراء كشكل يمثله الجبال أو الرمال أو المجتمع بكل تفاصيله بشكل تسجيلي بالنقل الفوتوغرافي، بقدر ما كان أكثر عمقاً بحثاً في تفاصيل الجمال فيها وفي كل ما تحتويه. ولهذا شاهدنا خلال الحلقات السابقة العديد من الأعمال التي لامس فيها الفنان السليم جماليات الشكل المباشر، بطريقته وأسلوبه الانطباعي الذي أبدع فيها استخدام سكين التلوين، أعادتني تلك الصور الى معرضه الأول في الرياض والذي كانت فيه اللوحات تنضح جمالاً وشعوراً بالدفء من خلال ما توحي به اللوحات من ملامح الصحراء بتكنيك عالمي الانتشار صحراوي المصدر والاستلهام.

لقد اكتشف الفنان محمد السليم أنّ في الأفق ما يمكن أن يعبر به عن كل المشاعر والمواقف كونه مساحة، ولو افتراضية للتحرك بحرية ودون توقف، كما أشار في بيانه إلى أنّ (الآفاقية) تشعرنا بأننا نمتد بالنظر إلى الشكل الذي تحويه اللوحة إلى خارج الإطار تبعاً لاتجاه خطوط اللوحة التي تتخذ من الأفق مسرحاً لها، فكان للفنان أن جعل من هذا المسرح قاعدة لطرح أفكاره، فأبدع في الرمز كما في اللوحة المسمّاة (تلة) صحراوية وفي اللوحة بعنوان خطوط على الأرض، واستحضر الإنسان في لوحة الإنسان والآلة ولوحة حركات إنسانية، كما وظف الحروف لتصبح جُملاً تحمل المعنى وشكلاً يجذب البصر والبصيرة، كما في لوحة بسم الله ولوحة أسماء الله الحسنى ولوحة لا إله إلاّ الله ولوحة آمنت بالله.

هكذا ومن خلال العديد من اللوحات الأخرى، استطاع الراحل أن يجعل من أفق الصحراء منطلقاً لحالات كثيرة لا تنتهي من التفكير في موضوع اللوحة دون تردد أو تخوف من أن لا يستوعبها هذا العالم المليء بكل ما يخطر على البال، فقد وجد فيه الفنان السليم ملاذاً لهروبه من عالم الزحام والكتل الأسمنتية ليطلق عنان التأمل واستجلاب ملامح الجمال وتشكيلها، فأبدع في أن يجعل الأسلوب أكثر مرونة وتحرك في كل اتجاه كما أشار إليها في وصفه لتجربة (الآفاقية) التي استشهدنا بها في الحلقة الثانية من هذه الحلقات.

وإذا كان الراحل السليم قد استخلص واقع الأفق كمسار أو اتجاه من اليمين إلى الشمال دون حدود، فإنه أيضا لم يغفل الأفق عمقاً لأبعد نقطة للرائي والتي يتشكّل فيها الأفق ويتغيّر وتتبدل ألوان الطبيعة فيه، مما جعله أيضا يوظف هذا التغيّر في تدريجات اللون وتنويع درجاته وفقاً لتلك المؤثرات ليس بالمطابقة وإنما بالإيحاء، فالعمق الطبيعي للبيئة يتأثر بالهواء والرطوبة وبخار الماء وتتغير ملامحه من فصل إلى آخر.

رسالة السليم لأجيال الوطن

مع أنّ هذه الكلمة قد جعل منها الفنان الراحل محمد السليم مقدمة لأحد معارضه التي لم يكن على الإصدار المتضمن لها أي تاريخ يوثق الفترة أو السنة التي أقام فيها معرضه، مع ما أجزم به أنها في زمن متقدم من مسيرته، فقد حملت في ثناياها وصية لأبناء الوطن من الشباب التشكيليين أجد فيها ختاماً لهذه الإطلالة القصيرة من تاريخ الفنان الراحل الذي كان بمثابة الأب الروحي الموجه بهدوئه المعهود وصبره، حيث يقول في كلمته ( إن الفنون التشكيلية في أي مكان على سطح الأرض. تعطي صورة حقيقية وصادقة لمستوى الثقافة التي تعيشها الأمم، ومعروف أن الثقافة تعتمد على أسس عقائدية وفكرية والتي تظهر غالباً في عادات وتقاليد الأمم، وبقدر ما تحتضنه من خبرات متوارثة لإدراك القيم المثالية للحياة الأفضل.

ونحن هنا بين عادات وتقاليد مستمدة من عقيدتنا الإسلامية وعاداتنا العربية.. وبين الفنون التشكيلية على هذا الجزء من العالم، يجب أن تأخذ صبغتها ومميزاتها من تلك الثقافة كأي جزء آخر، وكما أن الطبيعة والبيئة تساعد في تكوين الذّوق عند الإنسان في أي مكان، فإن الإنسان السعودي يتميز ببيئة وطبيعة غنية بالعناصر الجمالية المميزة في الشكل واللون والكتلة والخط.

وهنا أحب أن أشير إلى شبابنا وفنانينا الناشئين، ان ليس كلما قيل أو كتب عن الفنون التشكيلية ينطبق على ثقافتنا وبيئتنا، ان كل من قال أو كتب عن الفن التشكيلي حتى يومنا هذا، إنما قال وكتب حسب إحساسه بثقافة مجتمعه وطبيعة بيئته، وليس عن إحساس بثقافتنا وبيئتنا، ولا أنكر بل أقدر أصالة كل فنان حسب ثقافته وبيئته، فالفن منهج عالمي يستطيع أن يعبر به كل إنسان في أي مكان لكن لن يستطيع أي إنسان أن يبدع بإيمان مطلق عن ثقافتك وإدراكك لقيمك المثالية للحياة.. ومن هذا نفهم أو يجب أن ندرك بأننا مطالبون بإنتاج أصيل مستمد من الأصالة المحلية.

ويختم الفنان الراحل كلمته قائلاً: (أعود فأقول لأن الفنون التشكيلية هي التي تعطي الصورة الحقيقية والصادقة لأية أمة، في مستوى إدراكها لقيمها الجمالية، موضوعاً وشكلاً، في لوحة في بناء أو في تصميم أثاث أو أزياء أو أوان.

فآمل من شبابنا الناشئ التزامهم بثقافتهم، فكم يكون فخر الواحد منا أن يرى العالم يسيد بالفن السعودي الأصيل، كما نشيد نحن بفن الآخرين، وأرجو ان نرى فناً أصيلاً كأصالة الإنسان السعودي المتطلع دائماً إلى الأمام .

هكذا كان هاجس الفنان السليم وهذه توجهاته الوطنية بأن يرى الفن السعودي قد وصل الى العالم باحتفاظ بالهوية الانتماء، وصية مخلص لأبنائه الشباب.

أخيرا نذكر بأن الفنان محمد السليم ولد في مرات في السعودية، عام 1938)

تخرج من معهد المعلمين وكان من أوائل من قام بتدريس التربية الفنية وفي عام 1388هـ/1968م، تم ابتعاثه للدراسة في إيطاليا في أكاديمية الفنون الجميلة في فلورنسا، بعد التحاقه بالتلفزيون مهندساً للديكور. ساهم بشكل فاعل في الفن التشكيلي السعودي من خلال توليه العديد من المهام منها رئاسته للجنة الفنون التشكيلية في أول مراحل تأسيس الجمعية السعودية للثقافة والفنون مثل خلالها المملكة في الكثير من المؤتمرات والمناسبات التشكيلية الدولية، وتأسيسه لأول مؤسسة تعنى بالفن التشكيلي وتأمين أدواته بشكل متخصص. أقام العديد من المعارض الشخصية.

monif@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة