Culture Magazine Thursday  15/03/2012 G Issue 367
قراءات
الخميس 22 ,ربيع الآخر 1433   العدد  367
 
معرض جدة للكتاب
سيمون نصار*

 

كما في كل عام، ما إن تنطلق فعالية معرض الرياض الدولي للكتاب، حتى تبدأ نقاشات، حامية، تدور في مجملها حول أمور هامشية، إن أمعنا النظر ملياً فيها، نجدها بعيدة بُعد القمر عن الأرض عن الكتاب وأهميته وجدواه وطرق الاستفادة منه وتكريسه كأداة ووسيلة للمعرفة رغم أنه، لم يعد كما سابق عهده، وسيلة وحيدة لتلقي المعارف وقراءة الأفكار.

ورغم المنافسة المستجدة بين الكتاب الكلاسيكي وبين وسائل المعرفة الحديثة من إنترنت وكتاب إلكتروني وصحف... إلخ إلا أن معارض الكتب تثبت يوماً بعد يوم أن لا شيء قادر على إزاحة الكتاب من السباق الذي يتصدره، دوماً. ذلك أن الكتاب في وجه آخر من وجوهه، كان خيار الله في مخاطبة البشر. وحيث هو كذلك، لا أعتقد، يوماً، أن يُوجد ما ينافسه بحق.

أما النقاشات التي دارت وما زالت تدور حول معرض الرياض الدولي للكتاب، فليست أكثر من حراك ثقافي ومعرفي بين فئة تدعي المعرفة وتسعى حثيثاً لاحتكارها، وفئة ثانية، أنا منها، تؤمن بأن الكتاب هو الطريق الوحيد والأصيل للمعرفة دون وسائط ودون وكلاء ودون ممثلين.

غير أن ما برز مؤخراً، سواء عبر تويتر والتغريد المفتوح على كافة الألوان والأشكال والمشارب. أو من خلال بعض المقالات المتفرقة في الصحف والمجلات. وما جاءت به توصيات الملتقى الثاني للمثقفين الذي سبق المعرض بأسابيع. جميعها اجترحت أفكاراً حول ضرورة إلغاء العمل الاحتكاري للثقافة والكتاب معاً وسوياً. كما كشفت، تلك الدراسات التي أجريت أن منسوب القراءة في المملكة ذاهب إلى تزايد، وأن معشر القراء تتزايد أعدادهم بشكل ملحوظ. وقد كشفت واحدة من هذه الدراسات، أن معدل القراءة في المملكة العربية السعودية هو الأعلى عربياً. ما يعني، فعلياً، أن النقاش الذي جرى قبل وأثناء المعرض، هو نقاش غير ذي جدوى على أهميته.

لكن ولضرورات تكريس المعرفة والسعي في خطة التنمية الثقافية والفكرية والتربوية التي تسير كسفينة في الصحراء. خلت الاقتراحات التي جاءت بها توصيات الملتقى الثاني للمثقفين من أي اقتراح لإنشاء معرض دولي آخر للكتاب في ثاني المدن السعودية جدة. ذلك أن المملكة التي مساحتها الجغرافية تفوق مساحة عدد من الدول الأوروبية مجتمعة، تطرح هذا الاقتراح على بساط التنفيذ السريع. على أن لا تكون المنافسة بين المعرضين كبيرة إن تم وضع تاريخ بعيد لكل معرض عن الآخر.

لكن لماذا معرض آخر في جدة إن كان السفر منها إلى الرياض سهلاً ومتوفراً. وإن كانت جدة كما الرياض تحوي عدة مكتبات لعرض وبيع الكتب؟

لا بد من القول إن جدة، تعيش حراكاً ثقافياً مميزاً منذ سنوات، وإنها، إضافة لذلك، تمثل الواجهة الاجتماعية الكوسموبوليتية للمملكة، بفضل التنوع البشري والثقافي الذي تمتاز به، بفعل حركة الحجيج المستمرة من مئات السنين. صحيح أن للعاصمة الأولوية وأن لها الفعل الجاذب لأي نشاط ثقافي وسياسي. لكن جدة لا تقل أهمية من حيث، كونها، البوابة الرئيسية لمكة المكرمة. وأن الأعداد البشرية التي تزور المدينة، من خارج المملكة، بهدف الحج، تفوق بكثير الأعداد التي تزور الرياض العاصمة. وأن الحراك التجاري في جدة حراك كبير ومؤثر على حركة الأسواق التجارية، دون أن نستثني المشروع الكبير، الذي تسعى شركة المملكة القابضة لإنشائه في المدينة، حيث ستضم بعد ارتفاع البنيان أعلى مبنى في العالم قاطبة. ذلك إلى جانب أن خطة التنمية الثقافية، في بلد كبير، لا يمكن لها أن تكتفي بمعرض واحد ووحيد للكتاب وحرمان بقية المناطق من هذا الفعل الثقافي المميز. وإنشاء معرض للكتاب اليوم في جدة، بات حاجة ملحة لا تضاهيها حاجة أخرى، إن كان لترسيخ الفعل الثقافي أو لإيصال المعرفة إلى كل مكان في المملكة. وتكمن هذه الضرورة في عدة نقاط هي التالية:

أولاً: لا يخفي على أحد من العاملين في القطاع الثقافي أن لمعارض الكتاب أهمية تفوق كونها مكاناً يجتمع فيه المنتج والمستهلك لبيع وشراء الكتب، بل الأمر يتعدى ذلك ليصل الى تكريس مفهوم الكتاب في المجتمع وتكريس حضوره. الأمر الذي يرسخ وجوده كأداة معرفية تؤسس لحراك ثقافي يفوق بكثير الحراك الثقافي المحلي لأي مدينة ويعزز مفاهيم الحوار والتواصل.

ثانياً: إنشاء معرض آخر مواز لمعرض الرياض، يزيد من الإنتاج الثقافي، بما يعني تحفيز دور النشر المحلية (أخص المحلية دون غيرها) على زيادة إنتاجها والتعاون مع كُتّاب ومؤلفين من خارج المملكة، ما يؤسس بدوره لانفتاح ثقافي بوجه تجاري، يمنح المملكة دوراً جديداً يضاف إلى أدوارها الكثيرة في خدمة الثقافة العربية والإسلامية. كما ويثري العمل في تجارة المعرفة داخلياً ويمنح دور النشر أكثر من فرصة لعرض الإنتاج الثقافي على مدار العام.

ثالثاً: سيمكن هذا المعرض عشاق الكتاب من سكان الحجاز الذين لا قدرة لهم على السفر الى الرياض وتكبد مصاريفه المالية، سيمكنهم من الحصول على الكتاب في مكان إقامتهم بشكل يجعل من خطة التنمية الثقافية خطة حقيقة تسير على قدمين ثابتتين.

رابعاً: سيتيح وجود هذا المعرض في جدة لمديري المدارس والجامعات والمعلمين تنظيم رحلات معرفية للطلاب في السنوات الدراسية المختلفة لتعريفهم بالكتاب وأهميته كما وأهمية العلم كعنصر أساس في تقدم الأمم والمجتمعات وتطورها من خلال الاتكال على المعرفة التي تتكيء عليها أي عملية تطوير اجتماعي وجهوي.

ليس ما طرحته هنا فكرة عصية على التنفيذ، بل على العكس، إذ إضافة الى الإمكانات التي تمتلكها جدة. والتوصيات التي صدرت عن لقاء المثقفين بإنشاء هيئة عامة للكتاب، وكذلك رغبة الملك عبد الله في تمكين كل طالب علم من تلقي العلم وتخصيصه لأكبر ميزانية، ربما على مستوى العالم، للتعليم، وحثه الطلاب لتلقي العلم دون النظر للصعاب التي تواجههم. كل هذا يجعلني أطمئن وكل من يفكر بهذا الاقتراح إلى أن إمكانية إنشائه مسألة وقت أتمنى أن لا يطول كثيراً.

*باريس s.m1888@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة