Culture Magazine Thursday  15/03/2012 G Issue 367
قراءات
الخميس 22 ,ربيع الآخر 1433   العدد  367
 
عولمة الإبداع المعرفي.. ضرورة أم اختيار؟!
د. أسامة غازي زين المدني

 

ابتكار المعرفة وإنتاجها وتصديرها والاستثمار في الموارد البشرية والعلم والبحث العلمي من أجل تحديث وتطوير المواطن السعودي والارتقاء به لمواكبة المستجدات والتطورات المتسقة مع التطور العلمي والتقني الحاصل إقليمياً وعالمياً والنهوض بمستوى الأداء والإدارة والتكنولوجيا والمعارف المطلوبة والارتقاء بنوعية العنصر البشري تعد أحد أهم سمات عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - لتعزيز قدرات المملكة التنافسية للوصول إلى العالمية وتنويع موارد الدولة وللتقليص من الاعتماد على الموارد البترولية إذ إن الإبداع المعرفي حاضنته الأساسية الرأسمال البشري.

أطلق عالم الاجتماع الأمريكي دانيل بيل Daniel Bell مفهوم أو مصطلح مجتمع المعرفة Knowledge society عام 1973 واصفاً التحول الاقتصادي من اقتصاد صناعي قائم على الصناعة يركز على إنتاج السلع وتسويقها إلى اقتصاد معرفي قائم على المعرفة يركز على تطبيقها وإنتاجها وفي عام 1993 طوير بيتر دروكر Peter Drucker مؤسس علم الإدارة الحديثة مفهوم مجتمع المعرفة بصورة أوسع واصفاً فئة جديدة في المجتمع سماها (موظفي المعرفة ).

أثبتت الدراسات والتجارب العالمية المعاصرة التي تؤكد أن الثورة المعرفية التي يشهدها العالم أبرز ما يميز هذا العصر وأن الاقتصاد العالمي الذي كان يعتمد على الموارد الطبيعية التقليدية قد تحول إلى اقتصاد معرفي يعمل على إتناج المعرفة وتوليدها وتصديرها ونتيجة لذلك سمى هذا العصر بعصر (اقتصاد المعرفة) Knowledge Knowledge) والذي يعد التحدي الحقيقي أمام بقاء وتطور ونجاح المجتمعات اقتصادياً واجتماعياً.

الدول المتقدمة أصبحت تتسابق نحو استثمار رأس المال البشري وإعداده بالشكل السليم والمطابق لمتطلبات سوق العمل وذلك يحتاج إلى توفير بيئة وتمكينية وتحفيزية جاذبة لصناعة معرفية تقوم على الإبداع والتي تعد أهم أبعاد التنمية البشرية والنهوض بالفرد والمجتمع من خلال إطلاق العنان للفكر الابداعي، ومن خلال رسم الإستراتيجيات ووضع الخطط والبرامج لتنمية واستثمار رأس المال البشري والفكري في إبداع حلول مبتكرة ومنتجات جديدة وخدمات متميزة تحقق قدرات تنافسية أعلى ووصولاً أسرع إلى المستهلكين في شتى بقاع العالم.

وأصبحت هذه الأمم تعي أن التوجه نحو اقتصاد المعرفة يعد صناعة الحاضر الذي تعيشه والمستقبل الذي تتنافس لإثبات الذات به وخير برهان على ذلك أن دولة مثل اليابان ليست من الدول الغنية بالموارد الطبيعية الهائلة، ومع ذلك نجحت أن تصبح من أكثر دول العالم تقدماً؛ حيث أدركت منذ الأزل أن الاستثمار في مناجم العقول أفضل استثمار في نهضة الأمم وتقدمها، وأن ثروة العقول لا تعدلها أي ثروة أخرى إذا ما تم استثمارها وإعدداها بالشكل السليم والمدروس لكي تصبح هذه الثروة البشرية قادرة على البناء والرقي والتقدم والريادة.

تسابق الدول العظمى نحو الاستثمار في المعرفة وإنتاجها وتصديرها قد يتمخض عن ذلك هيمنة اقتصادية وسياسية وأن استمرار الهوة المعرفية ستضمن استمرار تفوق الغرب وهمينته على اقتصاديات العالم، والأخطر والأدهى من ذلك هو قيام الكثير من الهيئات والمنظمات الغربية المعنية بتنمية دول العالم الثالث تحصل أثناء تنفيذها لمشروعاتها التنموية في تلك الدول على معلومات كثيرة ومتنوعة تستغلها وتحقق مكاسب وأرباح خيالية من جراء بيعها إلى هيئات ومؤسسات التي تقوم بتحويلها إلى سلع؛ فالمعرفة تكتسب قيمة مضافة من إمكانات تسويقها.

إن تقرير التنمية الإنسانية العربية الأول أكد (أن اكتساب المعرفة يعد سبيل التنمية الإنسانية في جميع مجالاتها، ويقصد بمجتمع المعرفة ذلك المجتمع الذي يقوم أساساً على نشر المعرفة عبر التعليم ووسائل الإعلام (وإنتاجها) من خلال مؤسسات البحوث والتطوير (وناتجها) من نشر علمي وبراءات اختراع وإصدار كتب وغير ذلك من صنوف التعبير الأدبي والفني (وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي)، الاقتصاد، السياسة، المجتمع المدني، الحياة الخاصة (وما يتطلبه ذلك من بنية أساسية لرأس المال المعرفي) تكنولوجيا المعلوماتية والاتصال ومؤسسات دعم البحث والتطوير والمؤسسات المهنية للعاملين بالمعرفة (وذلك بهدف الوصول إلى ترقية الحالة الإنسانية باطراد في المعرفة الإنسانية فالمعرفة في العصر الراهن هي سبيل بلوغ الغايات الإنسانية: الحرية، العدالة، الكرامة الإنسانية، وهي أداه لتوسيع خيارات البشر وقدراتهم للتغلب على الحرمان المادي ولبناء مجتمع مزدهر).

الجدير بالذكر أن جميع الاستقراءات والدارسات والتجارب العالمية تؤكد أن تأسيس الواحات العلمية هي البداية والأداة المثالية لتحول الدول نحو اقتصاد المعرفة خاصة تلك التي تحتوي على تكتلات صناعية ذات تقنية عالية لما لهذه الواحات من دور رئيسي في النهوض بالبحث العلمي ودعم الباحثين من أجل الريادة والتنافس عالمياً من أجل تحقيق تنمية شاملة ومستدامة للأجيال القادمة. قيام مجتمع المعرفة يعد مقياس تقدم وتخلف الأمم، والسؤال الذي يجب أن يشغلنا هو: أين تقف مؤسساتنا التعليمية ومخرجاتها من هذه الثورة المعرفية؟ وهل ستستطيع مواكبة واستيعاب والتجاوب والإسهام في هذه الثورة المعرفية؟ خاصة أن عملية إنتاج المعرفة واستخدامها وتسويقها تعتبر مقياسا وخطوة أساسية في طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ووسيلة للحاق بالمجتمعات المتقدمة ومجتمعات العالم الأول.. وحتى نلتقي..

(ملخص القول: لدى كل شخص القابلية لأن يصبح مبدعاً إذا توافرت له البيئة المناسبة).

أستاذ الاعلام الجديد المساعد قسم الإعلام جامعة أم القرى profalmadani@gmail.com مكة المكرمة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة