Culture Magazine Thursday  12/04/2012 G Issue 369
شعر
الخميس 20 ,جمادى الاولى 1433   العدد  369
 
رحيلُ الليل*
سليمان عبد العزيز العتيق

 

أمنياتي هبطتْ من بُرجها العاجي

وحطّتْ من فضاء المستحيلْ

واستقالتْ من خنوع ِالصمتْ

ومن رجع التشظي والعَويلْ

ثم ألقتْ في ارتياحات عناها

كلَ مخزون ِالسنين

وبكائيات ِ أصفاد ِ السجون

خرجت من خوفها المرتابْ

إلى برد ِ اليقينْ

أمنياتي انتفضتْ فجراً ونادتْ بالرحيلْ

ثم غنت وسط َ الساحاتْ

وفوق َ الشرفاتْ

بالصبر ِ الجميلْ

أيها الليل ُ الطويلْ

* * *

ارتحل قد حان ميعادُ الرحيلْ

ارتحل عنّا وعن حُلو ِرُبانا

عن فضاءاتِ سمانا

عن ممراتِ خُطانا

عن مدائِنّا وعن كل قُرانا

ارتحل عن شجر التينْ

والزيتونْ

وعن قامات النخيلْ

عن منارات الجوامعْ

عن مسارات الشوارع

عن دواليب المصانع

عن محاريث المزارع

ارتحل عن كل صبح ٍ وأصيلْ

* * *

نحن جئنا من غياباتِ العدمْ

نحملُ الوعد َ وميثاق َ العهود

وركبنا زورقاً منذ ُ القِدم

يذرع ُ الآفاق َ في هذا الوجودْ

لم نكن زلة َقول ٍ أو قلم

أو خطاة ً مثل عاد ٍ أو ثمود

ولنا حرية ُ الله ِ كرم

لا تكبلها طغاةٌ أو سدود

قد عشِقناها إباءاً وشيم

وجلالاً وحياة ً وخلود

بظلام الليل يسْتشري الألم

بالإرادات وتشتدُ القيودْ

تستبيحُ المنهل َ الحرَ الأشم

ومضتْ تفعل ُ فينا ماتريد

فتجرعنا مرارات ِالندم

وانكسرنا كانكسارات ِ العبيد

* * *

ارتحل ياأيها الليلُ الطويل

ارتحل قد حان ميعاد ُ الرحيل

قد سئمنا قلبَكَ المسكون َ خوفاً وارتيابْ

وسئمنا وجهَك َ الفظ َّ كسُحنات الذئاب

وسئمنا صوتَك المعجونَ عُهْرا ًوكِذ َاب

وسئمنا خُطب َ الزيفِ وتمجيدَ اليَباب

وسئمنا الزمنَ الأغبرَ والعيشَ الذليلْ

طالما ألقيتَنا نهباً لأسقام الركونْ

طالما أغريتَ فينا

هاجسَ الخوفِ وروعاتِ الظنون

ودواعي العجزْ

وانحناءات ِ السكون

طالما أقسمتَ أنَّا قاصرون

طالما قلتَ بأن الزمنَ الحرَمتاهاتٌ

وبدرب التيهِ يحتارُ الدليل

* * *

أيها الزيفُ الذي

قد شربناه كؤساً من كدرْ

والذي قال بأنّا بشرٌ دون البشر

والذي قد لفنا في بُردة ِ القهر ِ وجِلباب ِ الخدر

فنسينا حمحمات ِ الخيل

وأصواتَ الصهيل

طالما أسقيتَنا كأسَ التأسي في دَهَاليز ِ السياسه

طالما أرخصْتَنا زُهداً وبَخساً

في مزادات النَخاسه

قلتَ هذا الشعبُ لايفْقهَُ علماً أو كََياسَه

قلتَ هذا الشعبُ لايعرفُ معنى للحياةْ

أبصَرَتْنا أممُ الأرض ِ حفاة ً وعُراة

ورأت خيرات ِ هذا الوطن المعطاء

نهباً للبغاة

وسياج َ الأمن ِ درعاً للطغاة

* * *

آه من طول الليالي

كيف أنستْنا تباشيرَ الصباحْ

كيف أنستْنا قيودُ الليلْ

أبجديات ِ الكفاح

واستطالَ الجُرحُ فينا

فتعودنا الجراح

أجدبتْ صحراؤنا حتى نسينا

ومضة َ البرق ِ ورجفات ِ المطرْ

أظلمت أبعادُنا حتى رأينا

ظلمة ً فوق جبين الشمسْ

واسوداداً في القمرْ

ونسينا هاجس القدس ِ

ومفتاحَ عمر

فارتحلْ ياأيها الليلُ الطويلْ

ارتحل قد حان ميعادُ الرحيل

* * *

حينما يندلقُ الليلُ كئيباً

في تفاصيل المدينه ْ

عندما ينشقُ قلبُ الآه

في التباريح الحزينه ْ

عندما نُشعلُ في ظلمةِ ذاكَ الليل ِعوداً من ثقابْ

يصبحُ الأحرارُ فينا

للكوابيس ِرهينه ْ

شِعرُنا في هَجعة ِالليل بكاءُ المتعبين

والرواياتُ حكايا لكآبات ِالسنين

والأحاديثُ تراجيعُ حلوق ِالخائفين

فلماذا أيها الليلُ غُنانا كبُكانا

نشربُ الدمعَ كؤساً من سهادٍ وسهـرْ

ولماذا تَنعقدْ فوقَ سَمانا

ظلمة ُ الليل ِ وآهاتُ القهر

* * *

ولماذا نرهفُ السمعَ ويحتدُ البصَر

لبكاء ِ الأرضْ

ولأنات ِ الحجرْ

لنضوب ِ الماءْ

وحريق ٍ في الشجرْ

كيف هذا الليلُ قد أوقف دولاب الزمنْ

ومضى يزرعُ فينا

كلَ أسباب الوهَن

من قماط المهدِ خوفاً

وإلى خِرقة ِ ميت ٍفي الكفن

من ثرى تطوان غرباً

وإلى الشرق لبغداد الشجن

وشمالاً من أقاصي الشام

وجنوباً عند أبواب عدنْ

فارتحل يا أيها الليل الطويل

ارتحل قد حان ميعاد الرحيل

* من ديوان رسالة إلى عمر الخيام (تحت الطبع).

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة