Culture Magazine Thursday  12/04/2012 G Issue 369
فضاءات
الخميس 20 ,جمادى الاولى 1433   العدد  369
 
السينما التسجيلية والمملكة العربية السعودية
قاسم حول

 

مرة كنت أصور فيلماً تسجيلياً في باخرة تمخر عباب البحار وكنت سعيداً بموضوع الفيلم الذي أصوره وكان عنوانه «لماذا نزرع الورد». وكان معي في الباخرة وفود عربية فلسطينية ومصرية ولبنانية. الباخرة عملاقة والزوارق الحربية الإسرائيلية ترصدنا وتهددنا وغواصة روسية لم نكن نعرف أنها تسير تحت الماء لمواكبة الباخرة الروسية العملاقة التي تنقلنا عبر البحار. جاءتني فتاة لبنانية وسألتني ما هو الفيلم الذي تصوره؟ قلت لها أني أصور فيلماً تسجيلياً عنوانه «لماذا نزرع الورد» قالت لي « باردون، كنت أتصور أنك بتعمل فلومه عالمزبوط» تقصد بذلك الأفلام الروائية!

يعاني الوطن العربي من جفاف في ثقافة الفيلم التسجيلي، الفيلم السينمائي التسجيلي وحتى الفيلم التلفزيوني التسجيلي.. بالنهاية فهو فيلم تسجيلي. وهذا النوع من الأفلام في حقيقته مدهش وجميل. هو ليس الريبورتاج ولا هو مظاهرات الربيع العربي والطلقات والمظاهرات. الفيلم التسجيلي هو الحياة. هو الواقع بعين ساحرة تدرك معنى القيمة الجمالية وتدرك اللحظة الإنسانية وتبني الفيلم بناءً محكماً وتلتقط الصوت برنينه الصافي والمؤثر مضافاً إليه همسات الطبيعة في الحياة. ومن يشاهد فيلم «المطر» لرائد السينما التسجيلية، الهولندي «يورس أيفنز» يدرك شاعرية السينما في تسجيليتها.

أخرجت فيلماً تسجيلياً عام 1975 في العراق وبصعوبة بالغة بسبب الأوضاع السياسية والفكر الشمولي السائد لكنني عملته وهو فلم «الأهوار». لا أظن أن نادياً للسينما في مصر لم يتعبه من كثرة العروض وعرض عروضاً تجارية وتم تدريسه في الكثير من معاهد العالم وكتبت عنه دراسات كثيرة وحتى قبل أيام تلقيت رسالة من مخرج أمريكي معروف هو Zach Arnold الذي يترأس قسماً متخصصاً للسينما التسجيلية في إحدى شركات الإنتاج السينمائية في أمريكا، يطلب مني نسخة من فيلم «الأهوار» لأنه قرأ عنه الكثير ولم يشاهده فأهديته نسخة من الفيلم.

المخرج الروسي «ديزيغا فيرتوف» لا يعترف بالفيلم الروائي أصلاً ويعتبر الفيلم التسجيلي هو السينما والسينما هي الفيلم التسجيلي!

في المملكة العربية السعودية التي تولي الثقافة اهتماماً في مجالات عدة وبسبب نمط الحياة الاجتماعية تتحفظ نسبياً على الفيلم الروائي لأسباب كثيرة وهي في ذات الوقت تفتقر إلى الثقافة السينمائية وإلى حضور في مهرجانات السينما العربية والعالمية.. السؤال ما الذي يمنع الدولة في المملكة العربية السعودية ممثلة بوزارة الثقافة والإعلام من إنشاء معهد لدارسة السينما التسجيلية بمفهومها العلمي، الفكري، الجمالي لتصبح مركزاً هاماً للفيلم التسجيلي الذي يؤسس ذاكرة الحياة في المملكة وينظم مهرجاناً دولياً للسينما التسجيلية مستقبلاً؟! ويمكن أن ينظّم هذا الاتجاه على أسس متعددة الجوانب في تسجيل الحياة في المملكة ويؤسس ذاكرتها على مر التاريخ والأزمان.. أضرب على سبيل المثال لا الحصر. موضوع المياه وهو أخطر موضوع حيث يعتقد أن الحروب القادمة ستكون حروب المياه وليست حروب النفط.. كم من الأفلام التسجيلية الجميلة أنتجت عن الماء إضافة إلى الأفلام الروائية التي موضوعاتها الماء مثل الشيخ والبحر وموبي ديك وغيرها من الأفلام، وكم من الأفلام الجميلة العلمية والشاعرية والكبيرة يمكن إنتاجها عن المياه في المملكة العربية السعودية!؟ لماذا لا نثقف الشباب ثقافة الصورة وهي السائدة اليوم من خلال الفيلم التسجيلي بمعناه العلمي، الفكري، الجمالي ويتم تعليمهم طريقة بناء هذا النوع من الأفلام وطريقة تصويرها وطريقة توليفها وقيمة الصوت فيها لكي تؤسس ثقافية سينمائية وجدانية مادية وروحية وبذلك تتميز المملكة العربية السعودية وبإمكاناتها التي وهبها الله سبحانه إليها فتصبح الدولة الأولى في العالم التي تنتج سينما من نوع خاص ومتميز. وهي السينما التسجيلية؟! وفي ذات الوقت تؤسس ذاكرتها وتؤرشفها وفق أسس علمية.

ليس الفيلم الروائي وحده هو السينما كما يفهمها بعض البسطاء «فلومه علمزبوط» بل السينما التسجيلية هي عالم زاخر من الجمال وعالم ساحر من كشف الحقيقة الموضوعية. الفيلم التسجيلي لا يحتاج إلى ممثلين ولا إلى ديكور. يحتاج إلى عين واعية وثقافة حياتية أدبية وفنية ونهج إنساني في التفكير. وأما الميزانيات فهي بسيطة لأنها كاميرا مضافاً إليها الواقع. وهذا الواقع زاخر بالحياة والحياة المتنوّعة والمثيرة سيما ونحن أمام أرض بكر غير مكتشفة سينمائياً. أنا عندما أتحدث عن الفيلم التسجيلي إنما أتحدث عن الثقافة ولا أتحدث عن الإعلام. فمهمة الإعلام في مجال الفيلم التسجيلي هي مهمة إعلامية سياسية أكثر منها ثقافية. من الممكن أن تصبح المملكة العربية السعودية أهم بلد في العالم في الإنتاج السينمائي لو اعتمدت السينما التسجيلية هدفا لثقافة الصورة، ويكون لها حضور دائم في مهرجانات السينما في العالم لتقدم سينما مختلفة متميزة قائمة على علاقة الكاميرا بالواقع وتحويل المملكة العربية السعودية إلى أهم مركز ثقافي في مجال الفيلم التسجيلي الذي يمكن أن يستقطب العالم لأن الفيلم التسجيلي هو فسحة رحبة للثقافة المتميزة. بالإمكان إنشاء معهد للسينما التسجيلية وإنشاء القاعدة المادية للثقافة السينمائية التسجيلية وإقامة المهرجانات السينمائية للفيلم التسجيلي والمشاركة في مهرجانات السينما في العالم. وبذلك تكون المملكة مركز استقطاب العالم في ثقافة جميلة وإنسانية هي ثقافة السينما التسجيلية.

* سينمائي عراقي مقيم في هولندا - هولندا sununu@ziggo.nl

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة