Culture Magazine Thursday  12/04/2012 G Issue 369
فضاءات
الخميس 20 ,جمادى الاولى 1433   العدد  369
 
ثقافة عدم التفكير في مجتمعنا
بدر التيهاني

 

ما بين ظهور العلوم في العصور الذهبية الإسلامية وما بين حالنا الآن نفس التفكير خصوصاً فيما يخصنا نحن من ناحية الثقافة العامة وتقبُّل الرأي والتعرف على شتى العلوم والنظر إلى باقي البشر بأنهم يسبحون في بحر لجي لن يجنوا من ضياعهم سوى النار. لماذا نسعى دوماً إلى إيجاد نظرة سلبية لأي شخص يخالف فكرنا؟ ولماذا نتوشح بالتهجم وطريقة الدفاع بالقتل والسفك والسب والشتم وإيقاع التهم وكأن لسان حالنا يقول بأننا نحن مصطفون عما نمارسه في حياتنا أو أننا نستقي من علم الرسل وغيرنا يستقي علمه من علم سائر البشر. جميعنا خطاؤون وخير الخطائين التوابون لذا فإنه لا بد على المجتمع المسلم أن يرتقي بردود أفعاله إلى ما هو أسمى وأنفع وأصلح للإسلام وليس أن نتبوأ مقعد الفتيا ونبدأ بتحديد الحكم على من يخالفنا بالقتل والتهديد والتنكيل. والغريب في الأمر بأنه عند هدوء الأوضاع في مجتمعنا فلتنظر إلى حالنا.. هل تجدنا نسعى جاهدين إلى الرقي بوطننا بتأليف كتب تدل على علم ودهاء وفطنة وثقافة مجتمع.. أم أننا نقوم بالتحاور والنقاش في مواضيع أجلّ وأسمى للبشرية من أن نظل نتصارع على (قال وقلت). والذي يدعوني للمقارنة بين السنين الماضية والآن نفس المشاهد ولكن بفارق الزمن. عندما ظهر أفلاطون وأرسطو في أوروبا الغربية وظهر فكر الفلسفة في حينه واهتمامه بأحد فروع الفلسفة وهي الميتافيزيقا والتي تهتم بعلم الكون والطبيعة والوجود وغيرها.. قابلها في العصر الإسلامي ظهور كل من الكندي وابن رشد والغزالي والذين بعد ترجمتهم لكتب أرسطو وأفلاطون استطاعوا أن يهتموا بفكره للرد عليه بالحجة في حين أنه ظهرت فرق تتبع أفكار أرسطو وأفلاطون فكان منهم الرد بعلم الكلام الذي بدا واضحاً على الكندي اهتمامه بهذا العلم الذي يهدف إلى نقل المسلم من التقليد إلى الإيمان واليقين ويُقال بأن هذا العلم نشأ أساساً منذ عهد التابعين.. المهم في الموضوع بأنهم لم يوردوا كتاباً اسمه (علم قص الرقاب) ولكن فضّلوا المخاطبة بالحسنى، وفي المقابل في نفس تلك الفترة خرج القاضي لمدينة إشبيلية في ذلك الزمان ابن خلدون بالاقتناع فأحرقت كتبه نفس التفكير بينه هو وأفلاطون والتنفيذ للرغبات كان مخالفاً فهذا رد عليه بعلم الكلام والآخر رد عليه بالنار.

أليس الأجدر أن نكون أكثر رفقاً بالمسلم من غيره عند خروجه عن جادة الصواب.. هل هذا يمثّل قلة وعي وثقافة مجتمع إسلامي لا يعترف إلا بالقتل فقط فلماذا لا يعترف بالحوار؟.

لاحظوا عندما ظهر علم الكيمياء ماذا تردد على لسان مشايخ الدين في ذلك الزمان بأنه علم السحر والكهنة وذلك لقصور النظريات أو القرائن التي تثبت هذا العلم ولكن مع ضياع هذا العلم وعدم تقبلنا له سلب من مصر في القرن الثالث الميلادي واتجه إلى أوروبا وإلى أبو الكيمياء لافوازييه وأصبحنا لا نستغني عن الكيمياء في حياتنا فلولا حكمة الله وقدرة العقل البشري على التفكير لما وجدتم من ورق هذه الصحيفة شيئاً يُكتب عليه فيما يُسمى بالحبر أو جلوسكم على تلك المقاعد البلاستيكية والجلدية الصناعية.

لأنه عند امتناعنا عن التفكير والتطوير وتغيير ثقافتنا فإن الوقت يسير وسوف نعود نحن إلى الوراء لعل هذا الكلام قد يصبح تاريخاً لا يود الكثير سماعه ولكن من ربط تاريخه وتفكّر للخروج من أي مأزق وأفكار سلبية فلنحيي بهذا الربط.

وفي وقتنا الحاضر نجد ردودنا ليست سوى العنف لا يكاد يبدأ النقاش حتى ترتفع الأصوات وبالتالي لم يفقه أحد إلى أن صاحب الحجة القوية يخفض صوته إيماناً منه بما يحمله. ولعل ما ظهر على الساحة في الفترة القليلة الماضية دليل على عجزنا لتلقي الحوار.

ماذا أُسمي ذلك الشيخ الذي يتجه إلى ذلك المسيحي ويقول له بكل أدب: لماذا صُلب المسيح؟ فيرد المسيحي:

ليكفّر خطايا آدم. فيرد الشيخ بسؤال آخر أليس لدى الله أسلوب غير الصلب لتكفير ذنوبه؟

كلام مرتب وأسلوب محترم ولكن لماذا لم يكن لدى الشيخ أسلوب في الحوار مع أخيه المسلم وهو خارج عن جادة الصواب الذي لم يستطع تحمله لساعات قلائل حتى بدأ بالدعاء عليه وسفكه والاستهزاء به. أين الخلق الكريم في تعامله مع المسيحي وتنازل مباشرة عن مبادئه في حوار مع إحدى لبنات مجتمعه.

لماذا عندما ورد خطأ في حديثه عن أحد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم واستغفر واعتذر فقوبل اعتذاره بترحاب جزاه الله خيراً بينما ورد من طرف آخر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم اتخذ في أحد الأحاديث أسلوباً وحشياً كما يقول فهاجت ثائرة المجتمع وتم نسفه والمطالبة بمحاكمته والنيل منه؟

لماذا عندما أورد أحد المشايخ بأن سماع الأغاني حلال فتمت مقاطعته ونددوا بعدم الصلاة خلفه من باب الاتباع وليس من باب التفكّر؟

كل الأقوال السابقة تمثل رأيهم وأوردتها لكي نعرف مدى ثقافتنا التي لم نغيرها على مدى القرون الماضية كيف لا ونحن ما زلنا ننظر إلى التطور بصناعة أكبر طبق من الكبسة بينما اليابان تفتخر بصناعة أسرع باخرة في العالم كيف لم نتغير ونحن ما زلنا نفخر بافتتاح أكبر المطاعم وأكبر المأكولات ونستورد حتى الحمص من الخارج بينما هم يستوردون ثرواتنا النفطية ليصنعوا أقماراً صناعية.

نحن أولى أن نبدع فبلدنا من أثرى بلاد العالم وديننا هو دين الإسلام فماذا ينقصنا؟ ينقصنا تغيير جذري وليس تحسيناً شكلياً، بل تغييراً ننتقل به إلى مصاف الأمم فلقد أعجبتني مقولة الأمير خالد الفيصل حينما قال: (لقد مللنا المكوث في دول العالم الثالث). لذا أنتم من يجعل الاستحالة موجودة ويجعلها تحيط بنا فإذا قررنا وخططنا وقمنا بالفعل فليس هناك مستحيل.

أكاديمي وكاتب صحفي - جدة B.TIHANI@HOTMAIL.COM

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة