Culture Magazine Thursday  12/04/2012 G Issue 369
فضاءات
الخميس 20 ,جمادى الاولى 1433   العدد  369
 
(التلقي).. وفضاءات (التأويل) (1)
عمر بن عبد العزيز المحمود

 

حين يتحدَّث الدارس عن (تأويل) النصوص الأدبية فلا يُمكن أن يفعل ذلك دون أن يشير إلى (نظرية التلقي) التي تُعدُّ من أبرز النظريات التي أولت عناية بالغة ب(التأويل)، فقد اتَّخذت هذه النظرية صيغتها النسقية في ألمانيا، وتَحديدًا في مدرسة (كونستانس)، وكان حضورها في مُحاولة إلى وضع نَموذجٍ استبدالي جديد يتجاوز النماذج السابقة، على أن يكون ذا طابعٍ تركيبي يسعى إلى تَجاوز النزعة (البنائية) و(الشكلانية) المعتمدة على الوصف، وتَجاوز (التاريخانية) التي تعتمد على تفسير الحدث، في مُحاولة جادَّةٍ إلى تركيب هذين التوجهين بفتحها على (القارئ) وعلى (الهرمنيوطيقا)، بغية أحداث (بلاغةٍ جديدة) تكسر الحدود ما بين ما اُصطلح عليه ب(الأدب الراقي) و(الأدب الشعبي).

والحق أن انطلاق جَماعة konstans (كونستانس) لَم يكن إلا من خلال (علم التأويل الحديث) الذي عملت الجماعة على الإفادة منه، وتطبيقه في تفسير النصوص الأدبية، وقد أثمر هذا العمل عن كثير من النتائج التي عُدَّت فيما بعد فتحًا في (نظرية الأدب)، وتحولاً للأنموذج في (النقد الأدبي)، وهو ما بات يُعرف ب(نظرية التلقي) أو (جَمالية التلقي).

فقد تطوَّر (التأويل) في أحد أبعاده واتِّجاهاته ذات (النزعة الإنسانية) إلى أحدث نظرية في (القراءة) و(النقد)، وهي (نظرية التلقي) عند أبرز مُمثِّليها Jauss (ياوس) وiser (إيزر)، وأصبح (التأويل) يُمثِّل جوهر هذه النظرية، وعاملاً مؤثرًا وفاعلاً فيها؛ ولذلك يرى Terry Eagleton (تيري إيغلتون) أن تطوُّر (التأويلية) الأقرب عهدًا في ألمانيا يُعرف باسم (جَمالية الاستقبال) أو (نظرية الاستقبال).

ولذلك فإن النقاد يرون أن (نظرية التلقي) تطبيقٌ للمقولة الرئيسة ل(علم التأويل) التي تذهب إلى أنه لا يكفي لفهم (النص) أن ينظر المرء إلى (النص) وحده، بل لا بُدَّ من أن يفهم الفاهم أيضًا، ففهم (النص) لا يتوقَّف على ما ينطوي عليه ذلك (النص) من (دلالات)، بل يتوقَّف أيضًا على ما يدور في (الذات) الفاهِمة، ويرى النقاد في هذا السياق أنه إذا لَم تُؤخذ هذه الحقيقة في الحسبان فإننا لا نستطيع أن نُفسِّر هذا (التعدُّد) و(التنوُّع) و(الاختلاف) في فهم (النصوص)، ولِماذا كانت هذه (التفسيرات) الكثيرة للنص الواحد، فالاختلاف في فهم (النص) عينه هو أمر لا يُمكن تفسيره إلا بالرجوع إلى اختلاف (آفاق توقعات) المتلقين.

ولِهذا فليس غريبًا أن يرى بعض النقاد المعاصرين أن (علم التأويل) المفضي إلى (جَماليات التلقي) و(نظريات القراءة) ما هو إلا (كسرٌ حادٌّ) لطوق المشروع (البنيوي) و(اللساني) (المغلق)؛ ليعيد إلى (الظاهرة الأدبية) أسس (انسجامها) الكلي، (المنفتح) على (الآفاق المتعددة).

وإذا حاولنا أن نرجع إلى الوراء قليلاً سعيًا إلى البحث في الجذور التاريخية للتأويل فينبغي أن نذكر هنا أن هذا العلم كان آلية لتفسير (النص الديني)، وقد تغذَّى هذا المفهوم بِ(معانٍ) و(مضامين) طيلة مسيرته التاريخية، إلى أن أصبح آليةً لتفسير (النصوص الإنسانية)، بِما فيها (النصوص الأدبية)، ف(التأويلية) مفهومٌ إجرائي عرف (تقنيات) (القراءة)، و(أدوات) (فهم النص) و(آليات) (إفهامه)، و(بيان) (معانيه) منذ العصور الموغلة في القدم، وتَحديدًا منذ عصر Socrates (سقراط) وAristotle (أرسطو)، وهو مفهومٌ يَجب أن يندرج ضمن (الإجرائية) و(الآلية)، لا ضمن (المذهبية).

ومهما يكن من أمر فإن الخوض في موضوع (التأويلية) ليس أمرًا جديدًا، بل هو حقلٌ خاض الناس فيه خوضًا كثيرًا منذ عهد (سقراط) إلى عهد Heidegger (هيدجر)، وjadamr (جادامر)، وPaul Ricoeur (بول ريكور)، وUmberto Eco (إمبرتو إيكو)، غير أن الجديد في هذا السياق هو في (بلورة) المفهوم، و(تطويعه) ل(فهم النصوص) على اختلاف (أشكالِها) و(أجناسها)، من (التوراة) إلى (النصوص) (الفلسفية) (المعقدة)، إلى (النصوص الشعرية) المتناهية في (الشفافية) و(الجمال).

Omar1401@gmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة