Culture Magazine Thursday  12/04/2012 G Issue 369
فضاءات
الخميس 20 ,جمادى الاولى 1433   العدد  369
 
رؤية
الرأي والمشورة.. تداعيات الاستشارات الأكاديمية
د.فالح العجمي

 

لمن لا يعرف من القراء نوع الاستشارات الأكاديمية، التي يقدمها أعضاء هيئة التدريس بالجامعات إلى جهات عامة وخاصة؛ هي دراسات يقوم بها الأساتذة لمن يرغب في الاستفادة من خبرات أولئك الأكاديميين في مجال تخصصاتهم، أو للحصول منهم على دراسة جدوى لمشاريع أو وجهات نظر في توجهات واستراتيجيات مستقبلية.

لكن آلياتها، وطرق تنفيذها، والنظرة إليها أيضاً، تختلف عن بساطة ماهيتها. فما يجري في الواقع يسير بعيداً عما يراد له في إطار التعاون بين تلك المؤسسات الأكاديمية، ممثلة في خبرات أعضاء هيئة التدريس فيها من جهة، ومؤسسات حكومية أو خاصة من جهة أخرى. ويبتعد أيضاً عما يجري في كثير من دول العالم، ومنظماته الدولية والإقليمية.

أول هنات هذه الممارسة في واقعنا المحلي أن الاختيار يتم - إذا كانت الاستشارات ذات نفع للمستشار - على أسس المعرفة الشخصية، والثقة لدى الأفراد الذين يسمون المرشحين للقيام بأي من تلك الاستشارات. وفي كثير من الحالات، التي يعرفها منسوبو أغلب الجامعات السعودية الكبيرة، تقوم الإدارات بتفريغ أقسامها الأكاديمية من أعضاء هيئة التدريس فيها؛ إلى درجة وصلت في بعض الأقسام إلى ما يقارب 20% من منسوبيها. ولا يعرف بعض المنسوبين أن أولئك المفرغين أو المعارين لاستشارات قد تكون رغبة المرشح الشخصية، أو علاقته برأس الجهاز الذي ينتقل إليه مستشاراً، هو الفيصل في الاختيار، وليس الكفاءة، أو كونه الأصلح من بين منسوبي المؤسسة الأكاديمية للقيام بذلك الدور.

ذلك فيما فيه نفع من الاستشارات، فماذا عن النوع الآخر منها؟ هناك نوع آخر: يتم فيه استغلال بعض الأقسام الأكاديمية بطلب الرأي في قضايا تهم بعض المؤسسات العامة أو الخاصة، التي تتقدم بالاستشارة. وتحال تلك المعاملات - عادة - إلى أناس يعتقد فيهم الكفاءة، لأن عامل النفع غير مستشعر في مثل تلك الحالات؛ فلا تكون الحاجة موجودة إلى إحالتها إلى من يراد نفعهم من ذوي القربى والعلاقة.. ثم تغيب القضية بعد أن يرفعها القسم المختص، ولا يظهر لها - غالباً - أي أثر. ما الذي حصل لتلك الاستشارة؟ وما رأي الجهة التي طلبتها؟ وما مدى المردود المادي - أو المعنوي - على أقل تقدير، الذي يعود على الأكاديمي، إذا كان قام به شخص واحد، أو يعود على اللجنة، التي قامت بالدراسة؟ لا أحد يعلم! صمت مطبق، أو تواطؤ مشين بين المؤسسة المستفيدة من الاستشارة والجهة الأكاديمية التي يفترض فيها أن تحافظ على حقوق منسوبيها وبراءات أفكارهم.

لا أقوم بهذا التصنيف من واقع نظري، بل إن حالتين على الأقل قد أثبتتا سذاجة حسن الظن؛ ففي الحالة الأولى بذلت جهداً كبيراً في وضع تصور لمشروع تعليمي بكامل تفصيلاته، ودعينا إلى اجتماع شكلي بوصفنا خبراء في الموضوع (لكن خبراء من الصنف الوطني، الذي تعرفون نوعية التعامل معه). ثم تمت صياغة المشروع بمعزل عمن قام بإعداده، ووضع عليه اسم الشخص الذي أدار ذلك الاجتماع الشكلي، ليحصل به على دعم خليجي كبير، وتبناه أحد بنوكنا المحلية بتمويل يصل إلى عشرة ملايين ريال لم نعرف عنها، إلا من خلال الإعلام.

أما الحالة الثانية، فكانت تخص منظمة إقليمية. واتصل بي العميد في إجازة مستفزعاً بأن أقدم تصوراً عن المشروع، لأن اللجنة الموكل إليها، وهم وكلاء وزارات لا يعرفون كيف يتصرفون. وبعد أن قمت بما طلب مني، فوجئت بعد أشهر بأن المشروع قد أسند إلى جامعة أخرى، مع سرقة الأفكار الرئيسة التي قدمناها. فأين مصدر فقدان الثقة بين طالب الاستشارة ومقدمها؟

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة