Culture Magazine Thursday  12/04/2012 G Issue 369
فضاءات
الخميس 20 ,جمادى الاولى 1433   العدد  369
 
في معرض الكتاب: حين يؤخذ التكريم غلابا
د. لمياء باعشن

 

تميز معرض الكتاب في دورته الحالية 2012 بحزمة رائعة من التكريمات عكست اهتمام وزارة الثقافة بكل عمل استثنائي يستحق الإضاءة والتحفيز والدعم المادي والمعنوي. وفي حين استمر تكريم الرواد بإطلاق أسمائهم على ممرات المعرض، فقد بدأت مسيرة التكريم من حفل الافتتاح حيث جاء تكريم سبعة من أهم الباحثين في الآثار، ثم مرت على الفائزين بجائزة الوزارة للكتاب لمؤلفي وناشري أفضل عشرة كتب في شتى الحقول المعرفية. وبالإضافة إلى تكريم أعضاء اللجان العلمية لهذه الجائزة، فقد تم تكريم ضيوف المعرض والجهات المختلفة المشاركة تقديراً لجهودهم في حفل غداء فاخر. وانتهت المسيرة بتكريم الفائزين بأفضل خمسة تصاميم لأغلفة الكتب المشاركة في المعرض، كما تم تكريم خمسة من أبرز رواد الأدب والفكر السعودي بإعادة طبع كتبهم القيمة من خلال مشروع «الكتاب للجميع».

كل هذه التكريمات محمودة ولا شك فهي داعمة للتميز وفاعلة في نشر المعرفة وتفعيل العمل الثقافي الرصين ومحفزة للجهود المستقبلية. وهي تكريمات مستحقة إذ تقوم على معايير محددة تضعها لجان مهيأة للانتقاء والتمحيص والحكم، لذلك يشعر المُكرًّم بالفخر كونه لم يسع بذاته للفوز ولم يستخدم ضغوطاً شخصية ليصل، وإنما اختير عمله ونجح دون علمه بطرق حيادية وممنهجة. وعندما تكرم الوزارة كمؤسسة رسمية جهوداً بارزة فإنها تضفي عليها قيمة جديدة تشكل بها اعترافاً جاداً بقيمتها وتميزها. الأعمال والأفراد المكرمين يشتركون في صفة الاستثناء، أي أنهم استثنائيون يتوجب شكرهم.

لكن حين يسعى المرء إلى تكريم نفسه فهو يخرج بها عن قاعدة الاستثناء بمعنى التميز ليكون بذلك مستثنى وليس استثنائياً، وهذا النوع من التكريم كان حاضراً بقوة في معرض الكتاب الأخير. في آخر يومين من فعاليات المعرض كان التكريم الذاتي صادماً في موقعين، بدأته شاعرة مستضافة ميزت نفسها بقوة حين رفضت المشاركة في الأمسية الشعرية مع أربعة من الشعراء والشاعرات، وقد كانت حجتها هي نقل الأمسية من منصة قاعة المعرض إلى قاعة المقهى الثقافي في مقر سكن ضيوف المعرض.

حين بلغ خبر النقل الشاعرة غضبت غضباً شديداً، وباءت بالفشل كل المحاولات التي بذلها مدير المعرض لإقناعها بالعدول عن قرار انسحابها من الأمسية. وظلت الشاعرة تعبر عن استيائها من نقل الأمسية بلا انقطاع، وعللت رفضها أحياناً بعدم إبلاغها بوقت كاف، وأحياناً باحترامها لجمهورها العريض والبسيط العاشق للشعر الذي ينتظرها في المعرض، وأحياناً أخرى بأنها إنما جاءت لتمثل وطنها على المنصة الرئيسية، أو بأن إقامة الأمسية في قاعة الفندق في الدور الأرضي يوحي بأن الشعر دنساً يجب تخبئته في السراديب. واستمر غضب الشاعرة في تصاعد حتى راحت تهدد بترك الفندق والعودة إلى بلدها في أقرب وقت.

وكان لا بد إزاء ارتفاع أصداء الموقف الرافض من وصوله لمعالي الوزير نفسه، وهو لخلقه الرفيع وتفهمه للموقف فقد اتصل بالشاعرة الضيفة وخفف من حدة غضبها قائلاً - حسب روايتها-: «لن تعودي إلى بلدك وأنت زعلانة، أنت ضيفتنا، وحقك علينا». وكان للشاعرة ما ميزت به نفسها بالتفصيل، فقد انفردت دون مشاركيها في الأمسية باعتلاء المنصة الرئيسية في المعرض بينما امتثل غيرها لترتيبات اللجنة المنظمة واحترم تعليماتها وقدر الظروف التي دعتهم للتغيير، فخسروا بانصياعهم وكسبت هي باحتجاجاتها الضاجة الانفراد بأمسية وبوهج صحفي.

في صحف وطنها الأول نُقل الخبر بشكل حوّل إكرام الضيف إلى تكريم المتميز، وقد وصف المانشيت أمسيتها التي أقميت لها على سبيل الترضية بالاستثنائية في تاريخ أمسيات الشعر السعودية: « اعتذر لها وزير الثقافة.. وكسرت حاجز عدم الاختلاط». وتفاخرت الصحيفة بأنها « أول شاعرة تقام لها أمسية مستقلة في المملكة من دون مشاركة أحد من الشعراء والشاعرات ومن دون وسيط تقني.. وهكذا كان لها ما أرادت». http://www.alkuwaitiah.com/ArticleDetail.aspx?id=10351 ها قد صنعت الشاعرة الضيفة تكريمها غلاباً ولا بد أنها انتشت وهي تصدح بقصيدة لها أهدتها لأم كلثوم بعنوان: (هو صحيح الهوى غلاب)، فهوى الذات واصطناع المجد لها فعلاً غلاب.

هذا الذي فعلته الشاعرة الضيفة، أما الذي فعلته الشاعرة ابنة البلد فأدهى وأمر، وهي وإن كانت ممن رضخ لتعليمات اللجنة المنظمة لفعاليات المعرض وقبلت بالمشاركة في الأمسية الشعرية المشتركة في قاعة الفندق، إلا أنها كانت قد أعدت العدة لتفجير مفاجأة من العيار الثقيل. في الحقيقة كان الإعلان عن المفاجأة يتصدر مدخل الفندق، فالبوستر البمبي الأنثوي كان يندس بين بوسترات الوزارة الإعلانية الزرقاء، لكنه لم يلفت أحد بشكل كاف ليتأهب للآتي في تلك الأمسية. كانت اجتماعات المقهى الثقافي تقام كل مساء في قاعة الفندق، لذلك لم يستغرب أحد من الضيوف أن يحضر ختامها سعادة وكيل الوزارة الذي تقاطر من أجله المثقفون من كل جانب ليستمعوا له ويناقشوا معه شئونهم الثقافية.

بعد خمس دقائق من الجلوس اكتشف الحضور أن الأمسية الختامية لم تكن سوى احتفاء بالشاعرة السعودية جاءت على شكل ندوة أدبية تناقش الظلال الوطنية وحب الوطن والأرض في ديوانها الأخير يتحدث فيها مدير دار النشر التي أصدرت ديوانها وضيف آخر من بلد عربي حضر خصيصاً لها. وتعجب الحضور من هذه الاحتفالية التي لم تدرج أصلاً ضمن فعاليات المعرض المعلنة، وتعجب أكثر من الحديث الدائر عن شاعرة الوطن التي عنونت ديوانها باسم آلاسكا وقصائد ديوانها المذكور بأسماء أماكن خارج حدود الوطن: فمن ضفاف التايمز إلى أتلاتنس الغارقة، بل وخارج حدود الأرض فمن حب على سطح القمر إلى حب فوق السحاب ومدن السماء.

جاءت الوطنية وظلالها دعائية باهتة ومحشوة حشواً دون ارتكاز على دليل واحد، ولو تصفحنا قصائد الديوان لصادفتنا مفردات كثيفة بعيدة جداً عن الوطن وظلاله من مثل : ( البيانو والباليه وبلاد الأقحوان وشجرة البلوط والسنونوات والسنديانات والبجع وأجراس الكنائس وروميو وجولييت وقبائل الشركس والأهرامات وأبو الهول وكليوباترا والمطر اللندني ومقاهي الهايدبارك والخبز الفرنسي وبيتهوفن وبيكاسو والسلمون المقدد وأسراب البطارق وأغاني البوليرو والرانشيرا وغابات الخيزران والناسك الهندوسي ورقصة السندباد ومايكل أنجلو وزرادشت...). أين الوطن وظلاله في ديوان شاعرة الوطن؟ حسناً لن أظلمها، فهناك سطر واحد في الديوان ظهرت فيه كلمة وطن: «عندما أحبك يصبح لكل فصيلة حق مشروع في امتلاك وطن خاص».

من محفل رسمي مهيب دعت إليه الشاعرة بنفسها واستفردت به ووضعت لنفسها بوسترا في مدخل الفندق وجلست في صدر المجلس تستمع لكلمات المديح التي أسبغها عليها متحدثان حضرا من الخارج خصيصاً من أجلها، خرج المثقفون في دهشة رافضين استغلال وجودهم كضيوف في المعرض لحضور احتفالية تصادق على تميز شاعرة غير معروفة فرضت تكريمها فرضاً.

وبعيداً عن تقييم الديوان نقدياً، فإن إقحام هذه الصيغة الغلابية ضمن سياق التكريم ممقوتة ومذمومة، بل هي تتواطأ بشكل مريع على إفراغ التكريم من محتواه الرفيع فيتحول إلى مغنم يخطفه المغالبون دون حق أو خجل.

lamiabaeshen@gmail.com جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة