لا ينسى الشابُ لقاءه الأول برئيس التحرير المعينِ حديثًا خلفًا للأستاذ خالد المالك الذي استقال قبلأ، وبالرغم من أن دعوته للكتابة قد تمت في آخر أيام « أبي بشار الأولى « إلا أن عالمَ الصِّحافة - بكل ما فيه ومن فيه - لم يكن مغريًا له، وما غيّر اقتناعاته ظروفٌ حكى عنها سابقًا، وكانت نقطةُ التحولِ زيارتَه وصديقِه» المعهداري» الأستاذ عبد الرحمن اليوسف لتهنئة أستاذهم وزميلهم» محمد بن ناصر بن عباس « الذي عين رئيسًا للتحرير، وكان مديرًا عامًا للعلاقات العامة والإعلام في معهد الإدارة.
كان الوقتُ بعد عيدِ الفطر المبارك، وكانت الزيارةُ للمجاملةِ لا أكثر، وقابل - لأول مرةٍ في حياته أستاذه « راشد الفهد الراشد»، وكان الاثنان منهمكين في وضع خارطةٍ تنظيميةٍ للتحرير والإدارة؛ فلم يطل مُكثًا، غير أن الأستاذ « ابن عباس « استبقاه قليلا وطلب الأستاذَ محمد الوعيل « وهو الشخص الثاني الذي يراه أول مرة» ولم يدرِ لماذا كما لم يناقشْ صاحبكم في قراره حين أكد على حبيبنا « أبي نايف « وضع صاحبكم في جدول كتاب زاوية « هوامش صحفية « - وهي الزاويةُ الأهمُّ في الجريدة آنذاك التي يتعاقب عليها الكبار -، وبحسم ابن عباس ولطف الوعيل وجد نفسه ملتزمًا بما لم يكن قد قدّره أو قرّره.
مضى الأمر كما رسمته مشيئةُ الله، والتزم بالزاويةِ مرةً كل أسبوعين، وتناوب في يومه المحدد مع عددٍ من الكُتّاب والمحررين ؛ وفيهم - كما يذكر - الأساتذة : راشد الحمدان وحمد القاضي ومحمد الوعيل وسليمان العقيلي ومحمد العتيق وحسن التركي وآخرون، وقابل - في مدخل الجريدة وسلالمها- عددًا من الأسماء المعروفة، لكنها بقيت علاقةً عابرةً ؛ فهو - إن انتمى للوسط مِهْنيًا - فقد احتفظ بصداقاته وارتباطاته الأولى فلم تتغير حتى يومه هذا.
الجريدةُ - لا ريب - هي موئل النجوم الذين سعى لرؤيتهم على الطبيعة بعدما امتلأ برؤية صورهم، ولا ينسى لقاءه بالأديب الكبير الأستاذ محمد حسين زيدان ؛ فبهره لطفه وكياسته وتدفقه وتواضعه وحديثه العفوي معه، ولم يهب فتى العشرين قامة ذي السبعين بل أحس بقربه ودفئه، وحكى الشيخ عن علاقته ببعض أقاربه من عائلتي « العمرو والتركي» وكأنهما صديقان لا شيخٌ ومريد، وكذا هم الكبار لا يعترفون بمسافات العمر والعلم والشهرة، كما يذكر - بحميميةٍ نادرةٍ - لقاءه بالشاعر الكبير مقبل العيسى وكيف كانت ذكرياته المتدفقةُ حول الشعر والمكان والزمان تملأ فراغات ذات الشاب المتعطشةَ للاستزادة، ولم يجرؤْ على سؤاله عن صحة نسبة النص الجهير الذي منه : « قريتي وصمةُ عارٍ في جبين القدرِ» ؛ فمَن قابله شخصٌ رزينٌ متدينٌ يمشي الهوينى ولم يجد لائقًا في دقائق جمعتهما إثارةَ استفهامٍ قد يفهمه الشاعر بشكلٍ مسيء، ولو رجع به الزمن لسأله غيرَ وجل، وما يزال لقاؤه بالمفكر اللبناني الدكتور حسن صعب 1922- 1990 م» الذي يسمى « مفكر الإنماء في لبنان» وصاحب التآليف الذائعة في علم السياسة والدراسات المستقبلية والتنموية ماثلًا في ذهنه حين زاره في فندق قصر الرياض وأجرى معه حوارًا يحسبه ثريًا.
ثلاثةٌ لم يبارحوا ذهنه ؛ فقد عرفهم في « أَلفه» الصحفية فاختلفوا عمن وعاهم في «بائه وتائه وهائه»، ويضمُّ إليهم من استضافهم ل» قراءة في مكتبة» وبخاصةٍ « الجاسر وابن خميس وابن عقيل وابن إدريس « كما لا ينسى لقاءه بالشاعر العربي «محمد الفيتوري» الذي قام بزيارة عاجلةٍ للجريدة بدعوةٍ من صديقه الأستاذ الطيب شبشة الذي عمل زمنًا طويلا في « الدسك السياسي « ،لكنه لم يتجاوز السلام العابر؛ إذ لم يسعف الوقتُ لاستضافته في حديثٍ أشمل، ومع مثله قد تكفي التحية والمصافحة إذا لم تأذن الظروفُ بما هو أشمل.
خارج الوطن قابل كثيرين ؛ وبقيت في ذاكرته ملامحُ اللقاء الأول ؛ وفيهم من الرموز العربية الكبيرة- مع حفظ الألقاب- : عبد السلام العجيلي ومحمود درويش وسميح القاسم وناصر الدين الأسد وسليمان العيسى ومحمد الماغوط ومظفر النواب وصباح قباني وغيرهم، ولكلٍّ منهم حكايةٌ تستحق الرواية لتبقى الصورة الأولى هي التي تخلق الانطباعاتِ الراسخة التي تستحق التوقف وتستدعي التسجيل، أما ما بعدها فربما ملّ كما أملّ، واصطفى أحبته النائين عن الأضواء؛ فهم أغلى وأبقى وربما أنقى..
وفي السيرة التالية حكاية.
Ibrturkia@gmail.com
@abohtoon