Culture Magazine Thursday  07/06/2012 G Issue 376
فضاءات
الخميس 17 ,رجب 1433   العدد  376
 
رؤية
لا بد من الانحياز.. ولكن لأي شيء؟
فالح العجمي

 

كانت «منظمة دول عدم الانحياز» قد أشغلت العالم خلال فترة الحرب الباردة بكثرة بياناتها ومؤتمراتها وادعاءاتها، بأنها مظلة للدول التي لا تريد الانحياز إلى أي من المعسكرين المتنافسين الرأسمالي (الغربي) والشيوعي (الشرقي الاتحاد السوفييتي على وجه الخصوص).

وكل كان يعرف - بما فيهم المدّعون أنفسهم - أن تلك المنظمة في الأساس حلقة من حلقات المعسكر الشرقي، وأن أقطاب ذلك التيار السياسي (الرئيس اليوغسلافي تيتو، والرئيس الهندي نهرو، وانضم إليهما لاحقاً الرئيس المصري جمال عبد الناصر) هم شيوعيو الهوى، أو اشتراكيو الفكر على أقل تقدير.

فمقولة التجرُّد وعدم الانحياز ما هي إلا جسر لتمرير الأفكار المتحيزة، بوصفها وصفة موضوعية.

أخذنا الحديث في هذا الموضوع بالذات مع واحد كان من أقطاب صنَّاع السياسة في العالم، ومن أقطاب الفكر لاحقاً.

فعندما تشعبت الموضوعات، وأردت اقتناص الفرصة منه لجره إلى الإدلاء برأيه في معضلة الفكر السياسي العربية؛ بادرني بمقولة مفاجئة، ولم أكن أتوقع إطلاقها منه في تلك المرحلة من مراحل الحوار: انظر يا صديقي! لا بد لصاحب القرار، إذا كان مخلصاً للمهمة التي يتصدى لها، أن ينحاز، لكن السؤال هو: إلى أي شيء ينحاز؟ هنا أعطيك تجربة أربعين سنة من العمل السياسي، وعشرين سنة بعدها في التنظير: على صاحب القرار أن يحيط نفسه بمجموعة متجانسة، وقادرة على أن تضع له الأولويات، التي تحتم أمانة العمل عليه مراعاتها.

وإذا كان قائداً، فعليه أن يزاوج مع تلك الأولويات قائمة بالمصالح العليا للبلاد، التي تنتجها مجموعة متجانسة أخرى (بعد تساؤل عن إمكان التعارُّض بين عمل المجموعتين، أجاب بأن تعارُّضهما في حالة القيادة السياسية غير ممكن - طبعاً هو يتكلم عن قيادات فعلية ومخلصة لأوطانها - فتلك القائمة الإستراتيجية لا يختلف عليها أي من الساسة المتصارعين للوصول إلى السلطة.

أما أولوية السلطة التنفيذية، التي تضعها مجموعة من الحزب الحاكم، فهي ذات مدى وقتي وأبعاد إجرائية وقابلة للتباين من حزب إلى آخر).

عدَّل جلسته، وتوجه إلينا بعينين حادتين رغم تقدمه في السن، وأضاف: عندما كنت أمسك بالقرار، كنت أختار من أولويات المجموعة السلطوية (التي تصنع سياسات الحزب في الحكومة) ما يتماشى، بل ما ينحاز (وكررها ثلاث مرات) مع فئتين: الفئة الأولى المفضلة لدي كانت «الشباب»؛ فإذا كان القرار لا ينحاز إليهم، ويكون في مصلحتهم على المدى الطويل، تخليت عنه، أو لم أتحمس له.

أما الفئة الثانية، فكانت «التقنية»؛ فكل ما يصب في مجال توسعة العمل التقني، وتحديث آلياته، كنت أرحب به باستمرار.

وانظر الآن الوضع الذي صنعته سياسات تلك الحقبة! أين وصلت جحافل الشباب، وماذا صنعت في هذا العالم؟.

وأردف: أنت عرفت بلدنا في الحقبة التي كنت أحكم فيها البلد، فهل كانت التقنيات المتقدمة تُطبق لدينا، أم نستوردها من اليابان أو أميركا؟ وهل كان الشباب واثقاً بنفسه كما هي الحال الآن؟ لم يكن لي إلا أن أوافقه، بعد أن استعرضت في مخيلتي الشباب في حقبته تلك وهم غير واثقين بأنفسهم، ويجفلون من مستجدات التقنية؛ رغم اعتقادي أن تلك القناعات التي تكونت عندي عن جيله والجيل الحالي كانت انطباعات شخصية.

لكن كون شخص من هذا الوزن يقتنع بها، جعلني أعيد تقويم تلك الانطباعات، بأنها ليست كما تصورت.

فعلّقت على تلك المقارنة بقولي: والآن خلفكم تتحكم في أوربا، وتحبس أنفاس العالم في كل قرار تتخذه، بعد أن ظل العالم لفترة طويلة يظن أنكم لن تتجاوزوا متابعة الأمريكيين في قراراتهم السياسية والاقتصادية.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة