Culture Magazine Thursday  07/06/2012 G Issue 376
فضاءات
الخميس 17 ,رجب 1433   العدد  376
 
أدونيس: رائد الثورة، ينكص عن ثورة شعبه
د. دوش بنت فلاح الدوسري

 

لعلي لا أغالي حين أقول :إن الشاعر السوري أدونيس (علي أحمد سعيد) هو رائد الثورة في الشعر العربي المعاصر، إذ تبرز كثيراً في كتاباته، ما يجعلها تشكل ظاهرة واضحة في شخصيته الفكرية والأدبية والنقدية.

وهو لا يقصر الثورة على القيم الأدبية فقط، بل إنه يريد ثورة عارمة شاملة لا تستثني شيئاً، حتى الدين وثوابته وتعاليم الشريعة. يقول: «إن القصيدة أو المسرحية أو القصة التي يحتاج إليها الجمهور العربي ليست تلك التي تسليه أو تقدم له مادة استهلاكية، ليست تلك التي تسايره في حياته الجارية، وإنما هي التي تعارض هذه الحياة؛ أي تصدمه، تخرجه من سباته، تفرغه من موروثه وتقذفه خارج نفسه، إنها التي تجابه السياسة ومؤسساتها، الدين ومؤسساته، العائلة ومؤسساتها، التراث ومؤسساته، وبنية المجتمع القائم كلها، بجميع مظاهرها ومؤسساتها، وذلك من أجل تهديمها كلها، أي من أجل خلق الإنسان العربي الجديد» زمن الشعر 567 .

والثورة عنده ثورة سرمدية مستمرة لا هدف لها سوى الثورة: «الشاعر ثائر بالطبيعة؛ فليس شاعراً من ليس ثائراً، لا الثورة النظام التي تأسر الواقع وتحكمه، بل الثورة الرؤيا التي تحرك الواقع وتغيره، ثم تعود فتحرك ما حركته، وتغير ما غيرته أبدياً، بحيث يصبح الشعر عملاً آخر والعمل شعراً آخر» مجلة الآداب ع 7-8 ص 12

وحين نأتي إلى اختيارات «أدونيس» التراثية، ونظرته للشعر العربي القديم، سنجد ما يتماهى وينسجم مع هذه النظرة الثائرة. إنه في تعامله مع التراث الشعري يركز على إبراز جانب التمرد والثورة فيه؛ وذلك في جانب الخروج الديني، والتمرد على التعاليم بصفته نموذج التحول والتمرد، لا الثبات والقبول. ومن هذا: حديثه عن تمرد أبي نواس، ويمثل هذا التمرد إصراره على الخطيئة «الخطيئة بالنسبة إليه في إطار الحياة التي كان يحياها، ضرورة كيانية؛ لأنها رمز الحرية، رمز التمرد والخلاص» مقدمة للشعر العربي ص 52

إن موضوعي هنا ليس مناقشة فكره الثائر،فقد سبق لي البحث والنشر والنقاش حوله كثيراً، وخصوصا فيما يتعلق بتجاوزاته العقدية.

وإنما أنا هنا لأسجل موقفاً متعجباً من تناقض هذا الفكر الثائر مع الواقع،حين عُرض هذا الفكر على المحك.فمن الغريب أن الثورة عندما خرجت من سوريا بلده،نكص عنها.وكان من البديهي بناء على رؤاه حول التمرد والثورة والخروج أن يدافع عنها، أو على الأقل أن يسجل حولها موقفاً إيجابياً. أليس هو الداعي لثورة شاملة لا تستثني شيئاً،أم أنه يرى أن السوريين يحيون في يوتوبيا استثنائية لا يجوز الخروج عليها!! فقد تناقلت مواقع الإنترنت تصريح أدونيس بأنه يرفض الثورة السورية لأنها تخرج من الجامع!(ولنلحظ هنا الأدلجة في التعامل مع الثورة). وقد تأخر في نقد النظام السوري ودعوته الأسد للتنحي..وتم هذا بأسلوب ناعم لا يتفق مع ما عرف به أدونيس من حدة ثورية، ولا يتفق مع ما نراه من الأوضاع الإنسانية في سوريا وتفاقمها من مآس تعاطف معها القاصي والداني من عرب وغرب، من مسلمين وكفار، في شكل لا يقبل التأخير ولا التأويل حتى. وقد قوبل رأيه حول الثورة السورية بهجوم كبير من الأدباء والمثقفين السوريين ، كما جاء هذا في تحقيق صحفي على موقع العربية نت. حيث يوجه الروائي خالد خليفة السؤال: هل على المتظاهرين أن يتجمعوا في دار الأوبرا؟ فمن المعروف أن الجوامع هي الأماكن الوحيدة في سوريا التي يمكن لأكثر من خمسين شخصاً التواجد فيها. ويرد الصحافي إياد عيسى بسخرية لا تخلو من منطقية ،إذ يقول: إن أدونيس لا يقف مع الثورة لأنه يؤمن بأنها يجب أن تبدأ في صالة الرقص الكلاسيكي وأن تُستوحى من أشعاره النخبوية، التي لا يفهمها غيره، لكن هذه الثورة هي ثورة شعب. وفي محاولة لستر سقوطه المريع إزاء جرائم النظام السوري ونكوصه عن ثورة شعبه يقول أدونيس في مثالية زائفة: إنه يرفض الاستعانة بقوى أجنبية خارجية لمساعدة السوريين. كما جاء في مقابلة مع مجلة بروفايل النمساوية :»كيف يمكن بناء أسس دولة بمساعدة نفس الأشخاص الذي استعمروا هذا البلد؟» وهو يشير هنا إلى الاحتلال الفرنسي لسوريا.علماً أنه يقيم ويعيش في فرنسا،بل ويحمل الجنسية الفرنسية! ويقول في تبرير آخر واه:إن عمل الشاعر يختلف عن عمل الثائر.

ليس هذا وقت التنظير يا أدونيس.

إن ما يحصل في سوريا ، يجعلنا نقفز فوق الحواجز كلها، ونزلزل كل المفاهيم الثقافية والأدبية حول المثقف ودوره،وكيف يمثل هذا الدور! وكيف يتشكل دور المبدع الواعي شعرياً!

ولا وقت للخلاف هنا حتى لتلك القضية الأزلية: هل الفن للحياة أم الفن للفن!

هو الفن هنا للحياة، للوجع، للألم، للمآسي، للفواجع التي عايشناها وشاهدناها، لأن نقول: لا للظلم، لا للقتل، هي الثورة الإبداعية الحقيقية هنا، بل هي أضعف الإيمان.

إننا إزاء فواجع تجعلنا نرمي كل أوراقنا ونتحد بإخوتنا في الدين ثم نستشعر الإنسانية التي رباها الإسلام في أرواحنا، الذي يرفض الظلم، فما بالنا بالوحشية والهمجية!

لا وقت للتنظير يا أدونيس، ولا مساحة للتبرير، ولا حواجز تعيق ما نراه من تناقضات لا يبررها إلا طائفية مقيتة.

فإذا عرفنا أن أدونيس كان من مؤيدي الثورة الخمينية (ج الشرق الأوسط ع 12065) وأنه نصيري الأصل،ربما يجعلنا هذا نطرح الأسئلة في فضاء أكثر بياضاً.،ثم نتلقى إجاباتها الحقيقية.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة