Culture Magazine Thursday  07/06/2012 G Issue 376
فضاءات
الخميس 17 ,رجب 1433   العدد  376
 
الزواج السريع
وائل القاسم

 

إننا نعيش في عصر السرعة التي شملت جميع مناحي حياتنا دون استثناء، فلماذا لا يكون الزواج سريعاً أيضاً؛ أي لماذا لا تتم الخطوبة وعقد النكاح وحفل الزواج دفعة واحدة، وبشكل فوري سريع لا يتجاوز الساعة من الزمن، كبقية الأمور السريعة اليوم؟

إذا اقتنعت فتاةٌ بأخلاق شابٍ معيّن، وأعجبت بشخصيته ووجدتْ فيه المواصفات التي وضعتها لفارس أحلامها، ووجد الشاب أيضاً في تلك الفتاة ما يناسبه ويعجبه ويقنعه ويتمناه في نصفه الآخر، بغض النظر عن آلية التواصل والوسائل التي أوجدت ذلك التوافق والرضا المتبادل من الطرفين، فلماذا لا تتوجه الفتاة إلى أهلها مباشرة وتخبرهم برغبتها في الزواج من هذا الشاب الذي يرغب الاقتران بها، فيتوجّه الشاب فوراً لطلبها من وليها؟!

ويتم - بناء على ذلك- الترتيب مع الشاب والمأذون وتتم الخطبة و»الملكة» والفرح في جلسة واحدة سريعة، يخرج بعدها الشاب من منزل الفتاة وزوجته بصحبته، دون هذا الكم الرهيب من العادات والتقاليد والمصاريف ومضيعة الوقت في المجاملات والنفاق الاجتماعي الذي يضر بالزواج أكثر مما ينفع في نظري، بل يساهم في صعوبة الارتباط وتعقيده أيضاً.

إن الزواج لا يتم في بعض الحالات بسبب ظهور عددٍ من العقبات الكأداء الناتجة عن كثير من العادات والأعراف البالية التي يمكننا الاستغناء عنها، أو التخفيف منها.

أنا لا أطرح هذا الموضوع مازحاً أو عابثاً، بل أتكلم بكلِّ جديّة؛ فقد زادت أعداد الشباب والشابات الراغبين والراغبات في الزواج، بسبب هذا التكاثر البشري الهائل في المملكة، وأصبح من الصعب، بل من شبه المستحيل أن يتم تزويجهم جميعاً بالصورة التقليدية القديمة المُكلِفة المرهقة، التي لا تتوافق مع روح العصر الحديث في رأيي، وهذا هو سبب تكدّس الأعداد الكبيرة من العوانس والأرامل والمطلقات في منازل أهلهن متحسرات على فوات قطار الزواج، وهو سبب عزوف كثير من الشباب عن الزواج كلياً، أو تأجيله إلى أوقات متأخرة، خصوصاً في هذا العصر الذي أصبح قضاء الشاب لوطره الجنسي بالطرق الأخرى أسهل من شرب كأس ماء.

باختصار شديد أقول: شابٌ يريد فتاة أعجبته وأقنعته، وتريده هي أيضاً وأعجبها واقتنعت به.. يتوجّه لأهلها ويتم استدعاء المأذون ويُكتب العقد، ويدفع الشاب ما يستطيع دفعه مهما قلَّ أو كثر، ويتناول الجميع ما يتوفر من الطعام والشراب في احتفال بسيط سريع مختصر، ثم يخرج الشاب بزوجته إلى بيته، وانتهى الموضوع.

أليس ذلك أفضل من دخول الشاب أو الشابة إلى موقع إلكتروني معيّن، أو الذهاب لمكان ما، بحثاً عن علاقة عابرة تُشبع الغرائز والرغبات العاطفية والجنسية الفطرية؟!

لوتم الموضوع بهذه السلاسة التي شرحتها، واستطاع المجتمع تنفيذ ذلك بهذه البساطة، فستنتهي في ظني كثيرٌ من الإشكالات، وستزول غالب العقبات التي تعترض طريق الراغب أو الراغبة في إكمال نصف الدين، ولن تكون منازل كثير من الآباء -كما هي اليوم- سجوناً للمحرومات من الزواج وغيره من حقوقهن الطبيعية المشروعة في هذه الحياة.

وبما أن الحديث عن الزواج السريع وضرورته، فمن المناسب أن أتطرق لأبغض الحلال وخطورته، وما ينتج عن التسرّع فيه من ألم وندم شديدين في كثير من الحالات، ويظهر ذلك جلياً عند الحديث مثلاً عن (حنين المطلقين لمطلقاتهم) والعكس، فقد ربطتني علاقات صداقة ببعض المطلِّقين خلال سنوات عمري الماضية، وبلغتْ الصداقة مرحلة «الميانة» في نسبة من تلك العلاقات، مما جعلني أستمع لكثير من تجاربهم ومشاعرهم الخاصة في هذا الموضوع. وقد أجمع جميع أولئك المطلقين - تقريباً- على أنهم يحنّون لطليقاتهم، بعد الانفصال الذي حصل لأسباب تافهة كان بالإمكان تفاديها، وهذا ما أذهلني حقاً.. لقد شعرتُ بقوة الحنين وشدة الندم في كلِّ حرفٍ من حروف كلماتهم.

إن حنينَ المطلقين لمطلقاتهم وشوقهم لأيامهم الجميلة معهن، وكذلك حنين بعض المطلقات لأزواجهن السابقين عبرة وتحذيرٌ وتنبيه لكل زوجين بضرورة إغلاق جميع الأبواب في وجه قرار الانفصال، الذي يتندم عليه غالب الأزواج بعد هدوء العاصفة واستقرار الأمور، ولاتَ ساعة مَنْدَم.

وختاماً أقول مداعباً: أتمنى أن لا يفهم أصدقائي من هذا الموضوع أني أفكّر بالزواج، فقناعاتي الخاصة حوله - في مجتمع كمجتمعنا- ما زالت مستمرة كما هي، وما زلتُ أفضل العزوبية عليه، ولكنها وجهة نظر أقدّمها لمجتمعي الذي يؤلمني ما أشاهده فيه من التخلف والفوضى والتناقضات التي لا تنتهي في هذا الموضوع وفي غيره من المواضيع الكثيرة الأخرى.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة