Culture Magazine Thursday  07/06/2012 G Issue 376
فضاءات
الخميس 17 ,رجب 1433   العدد  376
 
مداخلات لغوية
شخبط شخابيط
أبو أوس إبراهيم الشمسان

 

تضم لهجاتنا طائفة من الألفاظ المعبّرة عن دقائق في الاستعمال، قد لا نجدها مدوّنة في معاجمنا التراثية: إما لقصور في الجمع، وإما لحداثة في وضع اللفظ وضعًا جديدًا، وإما لأخذ لفظ من أصل من الأصول ولكن بشيء من التغيّر في لفظه وربما دلالته، وهذه الألفاظ وإن لم نجدها في المعاجم هي عربية الجذور والأبنية، وما وافق قول العرب القدماء في طريقته هو من قول العرب؛ إذ اللهجة مستوى من مستويات العربية، وإنْ وجب التوقف في بعض تراكيب العامية النحوية وطرائق تنغيمها ومجافاة بعض أصواتها لطريقة اللغة الفصيحة فإنّه لا توقف في الألفاظ المعجمية؛ لأنها تنتزع من سياقاتها ولا تستعمل إن أريد استعمالها في فصيح إلاّ مفصّحة. ومن ذلك أنك تسمع في لهجاتنا الفعل (شخَط) إذا أجرى يده بقلم أو آلة حادة فأحدث أثرًا قد يكون خطًّا أو خدشًا، ومن المجاز استعماله للسرعة في الانطلاق بالسيارة (شخط بالسيارة) كأنه فعل بها فعل الشاخط بالقلم، ومن ذلك استعمالهم الشخط للذبح (شخط الكبش: ذبحه) وقد يكون من الإبدال جاء في (لسان العرب): «وشَحَطَه يَشْحطُه شَحْطًا وسَحَطَه ذبَحه». ويقال في بعض البيئات العربية كمصر (شخط فيه) أي صرخ في وجهه، ولعل ذلك للسرعة والأثر النفسي القاسي الذي يحدثه.

وأما الفعل (شخط) فلعله مأخوذ من الفعل (خطَّ)، قال ابن فارس في معجم (مقاييس اللغة): «الخاء والطاء أصلٌ واحد؛ وهو أثَرٌ يمتدُّ امتدادًا فمن ذلك الخطُّ الذي يخطُّه الكاتب. ومنه الخطّ الذي يخطُّه الزَّاجر»، وجاء (شخط) بإبدال إحدى الطائين من (خطَّ) شينًا. ويضعّف الفعل (شخط) للمبالغة أو التكثير فيقال (شخّط) ومن هذا الفعل اشتقت اسم الآلة (شَخَط/ شخّاط) أي عود ثقاب؛ لأنه يشخط بها لتشتعل، ومن هذا الفعل المضعّف (شخّط) جاء الفعل (شخبط يشخبط) إبدلت بالخاء الثانية منه الباء، ومنهم من يبدل بالخاء الميم التي هي شفوية كالباء يقول: (شخمط يشخمط). والمصدر من شخبط هو (شخبطة)، وجمع (شخبطة) هو (شخابط) ولم أسمعه منهم؛ ولكن المستعمل جمع الجمع (شخابيط). والشخبطة أن تمر بالقلم أو نحوه فتحدث خطوطًا متقطعة أو متصلة، مائلة أو دائرية؛ ولكنها غير منتظمة ولا مستقيمة.

وقد يكون (الشخط) مأخوذًا من أصل عربي آخر وهو (الشخت) بأن ناله في اللهجة بعض التغير وليس هذا بغريب. جاء في معجم العين «الشَّخْتُ الدَّقيقُ من كلّ شيء ويقال للدّقيق العُنُق والقوائم : شَخْتٌ وقد شَخَتَ شُخُوتةً، وجمع الشخت: الشِخات». وجاء في مقاييس اللغة «(شخت) الشين والخاء والتاء كلمةٌ واحدة، وهو الشيء الشّخْت، وهو الدقيقُ من خشبٍ وغيره». وأما التغير الذي أشرت إليه فهو إبدال التاء طاء، إذ تأثرت التاء من (شخت) بالخاء الطبقية المستعلية فوهبها هذا صفة الإطباق فصارت تسمع طاءًا. وأما من جهة الدلالة فنالها تخصيص في الدلالة فاقتصر بها على الأثر الدقيق.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة