Culture Magazine Thursday  07/06/2012 G Issue 376
أوراق
الخميس 17 ,رجب 1433   العدد  376
 
مشاعرهم وهم يركبون الطائرة لأول مرة 3-3
محمد عبدالرزاق القشعمي

 

فسألتني ماذا أريد أن أشرب. فقلت لها ماذا عندك فطفقت تعدد الأصناف فاخترت منها صنفاً وأنا لا أعرفه وانحلت أول مشكلة.. وشعرت أن الكابوس الذي كان جاثماً على جسمي بدأ ينقشع قليلاً قليلاً وبدأت أستعيد ثقتي بنفسي وأشعر بشيء من الراحة والاطمئنان..

وبعد قيامنا من بيروت بساعة ونصف الساعة - تقريباً رأينا سواد مصر وعمرانها ورأينا نهر النيل وبدأت الطائرة تهبط حتى نزلت في مطار القاهرة الدولي ورأيت الركاب ينزلون من الطائرة فنزلت معهم ثم توجهوا إلى أحد المطاعم في المطار فسعيت في زمرتهم وصرت أُقلِّد الركاب في حركاتهم وسكناتهم تقليداً أعمى وذلك خوفاً من أن آتي عملاً يلفت نظر الركاب إلى جهلي وغباوتي.

وقد بقينا في مطار القاهرة ما يقرب من ساعة تمت في خلالها إجراءات ركاب القاهرة إلى باريس وفي تمام الساعة الثانية عشرة والنصف كان الركاب - جميعاً - قد تكاملوا في الطائرة.

استقللت الطائرة من مطار القاهرة متجهة إلى باريس عن طريق نيس، وبقينا ما يقرب من ساعة ونصف الساعة ونحن فوق الأراضي المصرية نرى مروجها ومزارعها ونرى نهر النيل يلتوي خلال تلك الأراضي ويتفرع منه جداول صغيرة - في نظر ركاب الطائرة - تذهب يمنة ويسرة لري الأراضي البعيدة عن مجرى النيل.

وجاء وقت الغذاء وكان من لطف الله بي أن غذاء كل راكب مقرر لا يحتاج فيه إلى سؤال ولا جواب، وصارت مضيفة الطائرة تدور على الركاب وتعطي كل إنسان غذاءه وكانت الطائرة سائرة فوق البحر الأبيض المتوسط فاعتدل طيرانها وصار لا يزعجنا منها إلا دوي صوتها.

ولما قربنا من إيطاليا تكاثرت السحب. وحالت بيننا وبين الأرض وصرنا نرى السحب يعلو بعضها بعضاً ونشاهدها في أشكال متباينة منها ما هو عال كالجبل ومنها ما هو هابط كالوهاد وأقبل علينا الليل فلفّنا في غلالته السوداء وأحسسنا ببرد قارص، وكان كل راكب مزوداً ببطانية - غطاء - ووسادتين.. فكان فينا النائم وفينا اليقظان. وكان من جملة الركاب شخص مضحك يقضي معظم الوقت يغني ويهز رقبته وبعض أعضاء جسمه ويأتي بنكت ومضحكات كانت سلوة الركاب ومبعثاً لمرحهم وسرورهم طيلة ساعات الطريق)).

3- أما الأستاذ عبد الله بن خميس فنجده يصف رحلته بالطائرة من أبها إلى الرياض قائلاً: ((وعندما هممت بالعودة من رحلة إلى أبها إلى الرياض حجزت في الطائرة وكان موعد إقلاعها بعد العصر، والوقت ربيعاً وهي من نوع (الداكوتا) فحلَّقت بنا الطائرة، ولما أقبلنا على بيشة، وإذا بعارض كثيف من السحاب المتراكم يملأ الأفق، من الغرب إلى الشرق لا أرى له طرفاً، يكاد يلامس الأرض، ولا أرى أعلاه، وكان سحاباً كثيفاً أرى البرق يشتعل فيه من كل ناحية، ونحن لا نزال قبيل الغروب، فشعرت بالطائرة قد هدأت سرعتها كثيراً، ولعل قائدها يفكر ماذا يصنع ولكنه دخل في أطراف الغيم، وعزم على اقتحامه، فأخذت الطائرة تئز أزيزاً منكراً، وبدأت تضطرب وتعلو وتسفل وتتأرجح، وكلما زاد تقدمها كلما زاد اضطرابها، وأصبحنا نعيش في شعلة ملتهبة من البروق، وأصبحت الصواعق تتجاوب من فوق رؤوسنا، وكلما انطلقت صاعقة هوت الطائرة بنا حتى قلنا إنها القاضية، ولكنها تستأنف ارتفاعها لتسد أحشاؤنا حناجرنا، وإذا مالت ذات اليمين أو ذات الشمال قلنا إنها انكفأت بنا، وهكذا نحن حتى تحوَّل الركاب من كراسيهم إلى بطن الطائرة، وأخذوا يقرأون ويستشهدون (ويتشهدون).. وبينما نحن كذلك إذا بها تهوي هوياً مقبولاً حتى قالوا: إن (كابتن) الطائرة تلقى إشارة لاسلكية من مطار القاهرة ان حاول الانحدار كذا مئة قدم، ولم نلبث أن شاهدنا النجوم وخف اضطراب الطائرة، وبعد قليل ظهر لنا مطار الرياض، وبعد أن هبط وجدنا سيارات الإطفاء والاستعدادات).

وللطائرة حديث آخر في رحلة ابن خميس إلى دمشق عام 1374هـ - 1954م، وإن اختلف نوع الطارىء الذي حدّثنا عنه في رحلة أبها، فلربما كان مجرد مطبات هوائية كما يسميها المختصون وسحب متراكمة أثّرت على توازن الطائرة.

يقول: (في الطائرة نشاهد الفضاء الواسع، والبيد المترامية الأطراف من نافذة الطائرة إذا مضى علم منها بدا علم، ثم تتغير معالم الأرض، وتبدو مخضرة وبدأت ألمح فيها علامات الحرث، وتتخللها طرق السيارات عبر القرى والمزارع، وعرفت من المضيف أننا فوق سماء دمشق، والتي تبدو في حلتها الخضراء، وقد كساها فصل الربيع جلالاً وجمالاً، وفجأة يتغير الجو، ويتعكر صفو الركاب، وينقلب ذلك الطيران الهادىء المريح إلى شكل آخر مرعب، فقد علا هزيم الطائرة, وولّى النوم هارباً عن ركاب الطائرة، وإذا بالأرض قد احتجبت عنا سهلها وحزنها - بحجاب كثيف من السحب، والطائرة تشق طريقها في العالم العلوي المتكاثف بعنف وشدة، وتصارعه مصارعة المستميت على اتجاه واحد).

وقال: (والحق أنني حيال هذا المشهد الرهيب في أجواء الفضاء وفي عنفوان هذه المصارعة بين الطائرة والمؤثرات الجوية قد أكبرت من قدر هؤلاء الذين خدموا الإنسانية إلى هذا الحد، وسمت بهم أفكارهم ومداركهم إلى منزلة ما كان يدور في الخلد أن ينالها إنسان ولكنه العلم).

كما نجد في كتابه: (شهر في دمشق) رؤى وأفكاراً حول الطائرة والطيارين، ووصف أحاديثه معهم.. ومما يدلل على قوة الرصد والتصوير لدى أديبنا: موقف حدث في الطائرة عندما قال: (أخذت الطائرة طريقها في جو هادىء، وسماء صافية، وبعد أن توسطت فوق سلسلة جبال مستوردة. خرج علينا الطيار ومساعده من غرفة القيادة، وجعلوا ينظرون جميعاً إلى قمة جبل، تركته الطائرة شمالها، وكانت القمة جميعها بيضاء يققة (شديدة البياض). فدفعني حب الاستطلاع إلى سؤالهم عن هذا الذي لفت أنظارهم، فأجاب قائد الطائرة وكان أمريكياً ينطق العربية بصعوبة: إنه ثلج هبط على قمة الجبل، ولم تجر العادة أن يهبط الثلج على هذه الجبال ؛ والحق أنه ليس ثلجاً بالمعنى الذي يفهمونه، والذي يتساقط على جبال أوروبا، وأحياناً على جبال الشام على شكل العهن المنفوش، ولكنه برد (بفتح الباء والراء) نزل من سحابة سارية على هذه الأرض، فذاب منه ما كان في بطون الأودية، وما عمرته الجبال، وبقي ما طوق هذه القمة، كأنه عمامة شيخ من الزنج ليذوب عندما ترسل الشمس أشعتها).

Abo-yarob.kashami@hotmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة