كتب -إبراهيم التركي :
كان ملء السمع والبصر؛ فمن زاويةٍ هنا إلى نصوصٍ موسميةٍ هناك إلى حضورٍ منبري بينهما إلى برنامجٍ إذاعيٍّ معها إلى تآليفَ علميةٍ ومدرسية وإشراف بحثي ومشاركاتٍ مجتمعية وندوة شهرية، وكما كل حيٍ يذبل وكل قوي يضعف وكل متحرك يسكن، وكما نحكي اليوم فنصمت غدًا، ونتصدر زمنًا فنهمش أزمنة اختفى بصورةٍ شبه سريعة شيخنا الأديب الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين لأسباب المرض؛ فانحسر وجوده في مسجده» إن استطاع» ومنزله «لمن تمكن من تنسيق موعدٍ لزيارته» وكدنا لا نعلم عنه شيئًا إلا إن سألنا بعضَ ذويه ومحبيه وجيرته في حي النخيل وشارع منزله المسمى باسم والده الشيخ سعد آل حسين رحمه الله.
تستعيد الذاكرةُ منحنى اللقاء الأول في مكتبته الخاصة بمنزله آنذاك القريب من معهد الإدارة وكان قد خصص لها شيخنا قسمًا كبيرًا في سطح منزله، وما تلا ذلك من علاقةٍ وثيقة به - شفاه الله ورعاه- امتدت اتفاقًا على زاويةٍ أسبوعية في ثقافة الجزيرة اسمُها: «كلماتٌ في الأدب» وتجاوزتها للقاءاتٍ غير رسميةٍ في مناسباتٍ مؤطرةٍ بالحميميةِ، ثم نأى التلميذُ عن أستاذه مقصرًا بحقه وحق كثيرين لا يجد في مبرراته ما يأذن له إلا ضريبة السكن في مجموعة مدن متباعدةٍ تسمى ظلمًا: مدينة الرياض التي تخطت مساحتها اليوم خمسة آلاف كيلو متر مربع.
له العتبى حتى يُشفى ويرضى، ولنا أن نتلوَ تقاسيم الرثاء لمعاني الوفاء؛ فليس الأستاذ الدكتور ابن حسين الأول الذي نهمل ذكره حين يتقاصر دوره ولن يكون الأخير، لكن آثاره هي التي ستبقى معه، وهي ذاتها التي ستجعل لمن احتفى بها وجودًا لا يهزمه الغياب.