Culture Magazine Thursday  06/09/2012 G Issue 378
فضاءات
الخميس 19 ,شوال 1433   العدد  378
 
مزلق تفكيري!
عبدالله السعوي

 

من أوجه القصور التفكيري السائدة لدى السواد العريض أنهم إبان مواجهتم لعقابيل الحياة يتعاطون مع كل قضية على حدة وبمعزل عن القضايا الأخرى وعن شبكة العلاقات المتبادلة على نحو لا تتسنى فيه الإحاطة الشمولية بالموضوع ووضع الكليات العامة التي تربط شتاته وتحجم من تشظيه وتجلي علله ومراميه .هذا النمط يغيب عن وعيه أن كل جزئية يجري تعاطي حلها تخضع لضربين من الشروط: شروط ذاتية باطنية جُوانية تحكمها بحسبه أبنية ذات بعد استقلالي رحب, وشروط علائقية خارجية تحكم وجودها بحسبه دائرة صغرى داخل دوائر اكبر منها اتساعا.هذا النوع من التعاطي وهو ما يسميه (مالك بن نبي) ب «الذرية في التفكير» قد تسرب إلى كثير من البنى الذهنية وأخذ يوجه حراكها العام وراهننا الآني يطفح بصور كثيرة من هذا النمط فعلى سبيل المثال:

أولاً:

ثمة من يوظف جهوده الإصلاحية نحو شريحة اجتماعية معينة دون أن يضع في اعتباره معطيات الواقع والملابسات التي تحكمه من تداعيات وإيحائيات ومتطلبات وكأن هذا الإصلاح سيتخلق على نحو تلقائي. فهو مثلا يروم التحوير في واقع الشباب والمراهقين ولا يرد في ذهنه ضرورة توليد الأجواء البيئية المفضية في متتالياتها إلى إيجاد شريحة شبابية ذات مستوى أخلاقي متطور. إنه ليس بمقدورنا إنضاج الواقع الذي تتقلب فيه تلك الفئة دون الاحتفاء بمعالجة المؤثرات الجانبية ذات الأثر الملموس في صياغة ذلك الواقع وإحاطته بمبلورات التدني.

ثانياً:

عدم الدقة في إنزال الأحكام على الفعاليات المعرفية ذات التأثير النسبي في واقع الأمة فكثير من الأفراد إذا سمع عن شخصية محاط بهالة مّا خال أن بنيته الفذة محتوية على كل الإجابات وعلى كافة الاستفسارات المتجددة التي يطرحها الراهن بشكل مستمر وأن لديه مقدرة غير عادية على إتحافنا بألوان المعطيات الفكرية التي تحكم بالفَناء على كل إشكالياتنا المتناهية التعقيد, وإنه يملك من الإمكانات الشخصية ما يرشحه للغوص في طيات الواقع وتذليل كافه عقباته, فيفترِض فيه الكمال فيريده فقيها متمكنا وسياسيا ماهرا واقتصاديا بارعا, ومصلحا اجتماعيا, وراقيا قرآنيا تتحطم على صخرته كافة الأمراض الشرسة, وطبيبا حاذقا يحالفه النجاح حتى في أصعب عمليات القلب,إلى غير ذلك مما يتعسر أن يتجسد لدى جماعة فضلا عن فرد! وهذه لاشك مبالغة ممقوتة يمجها الذوق الفطري السليم.

نعم قد تتوافر تلك الفعالية على منظومة من العناصر المهارية- لكن وكما هي طبيعة البشر- تنطوي على زخم من مفردات الوهن, قد يكون ذو قدرة على أن يشيع في الجو العام روح الاعتزاز والتطلع إلى الازدهار على المستوى التناول التنظيري لكن على الصعيد الفعلي تعوزه القدرة على إنشاء حقول للممارسة وشق طرق قشيبة للتطبيق وهذا القصور أمر طبيعي, بل هو مقتضى الآدمية المحكومة بمحدودية الرؤية فلا تعاين الأشياء إلا ضمن شروط زمانية ومكانية ومعرفية محدودة.

ثالثاً:

ثمة من يعتنق رؤية فقهية معينة ويبقيها بعيدا عن دائرة الاحتمال فيمضى وقته منصرفا إلى المقاتلة على تقريرها والمشاكسة في سبيل فرضها وينفق جهودا طائلة في الذب عنها وتفنيد مغايِراتها ولا يمتص من الآراء المتاحة إلا ما ينسجم وتصوره المسبق. أحيانا تهدر الطاقات وتنفق الأموال وتسطر الكتب وتُسود الصفحات ويدلف الجميع في لون من السجال الذي يحول بينهم وبين التعايش مع العصر والتفاعل بفعالية مع ما يضج به الراهن من صور الفتن وأشكال الاحتراب الداخلي. وحاصل المقالة: إن الذين يحتفظون بعقلية ذرية يبيتون في جُل أحوالهم في أجواء معتمة من الحيرة الحادة التي تقلقل الذهن وتساهم في إرباك الوعي على نحو لا يؤهله للتعاطي مع المشكلات المعقدة, والغزيرة في خيوطها المبعثرة.

Abdalla_2015@hotmail.com بريدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة