لو نقرأ بعض الأبيات الشعرية التي قيلت منذ تولي الرؤساء الدكتاتوريين الحُكْم في بعض الدول العربية سنرى أن معظم القصائد والأغاني تمدح وتبجل هؤلاء الرؤساء تارة، وتارة أخرى الأرض والإنسان، وهنا لا يكمن الاختلاف في تمجيد الوطن، ولكن الاختلاف عندما يسمع الحاكم الدكتاتوري التمجيد للأرض والإنسان والإنجازات يسعد بها سعادة بالغة، ليس حباً للأرض بل لكي يُسيس هذه الأغاني والكلمات في مصالحه السياسية، وأيضاً للنَّيل والكيد والتنكيل بخصومه السياسيين في الداخل والخارج. ففي نظرتي المتواضعة أن خصوم الرؤساء الدكتاتوريين أو معارضيه قد أصابتهم حالات نفسية في عهدهم بسبب التنكيل بهم من قِبل الحاكم والسُّلطة؛ ففي الخطابات يكيل لهم الرؤساء كل الشتائم؛ فأحدهم يصف أفراد شعبه بالمغفلين والجرذان، والآخر يصف شعبه بـ(شوية عيال)، أما الدكتاتور الآخر فيكيل التهم والشتائم لمعارضيه مثل (المرتزقة، وقطاعي الطرق)، وساعة يصفهم بالمتآمرين على الوطن. وقد اختفت كل القيم الأخلاقية لدى هؤلاء الدكتاتوريين.
ومن جهة أخرى هناك إعلام قوي يمتلكه هؤلاء الرؤساء، خُصِّص له ملايين الدولارات للنَّيل من خصومهم، وكذلك من الوطن. وهذا الإعلام يقوم بمهمة أخرى، ألا وهي أنه ينسب كل الإنجازات لفخامتهم، ولا شريك لهم في أي شيء!! فهم الشخصيات الفذة والرؤساء الذين لم تلد مثلهم الأمهات في القول والفعل، وهم المخلصون للوطن والمواطن، أما البقية في نظرهم فهم خونة ومتآمرون.
فماذا ننتظر بعد كل هذا؟ هل ننتظر سلاماً وأماناً من هؤلاء؟!
في بعض الأوقات لا أختلف في جمال الكلمات التي غُنَّيت في عهدهم وفي مناسباتهم، ولكنني أنظر إلى الزمان والمكان اللذين قيلت فيهما هذا الأبيات، وأسأل: هل قيلت في زمن الرخاء؟ ولمن قيلت؟ ولماذا؟.. وعندما نبحث ونفكر بتعمق يتضح لنا أنها قيلت في حضرة الرؤساء وفي أحد احتفالاتهم بالأعياد، أي في أحد أعيادهم الوطنية. وبدون أدنى شك أن الرؤساء حينذاك يسعدون بهذه الأبيات، وينظرون لها ليس بنظرة العشاق للشعر والأدب، إنما ينظرون إليها كعشق نرجسي (عشق الذات)؛ لكي يُظهروا للعالم أنهم رجال السلام والمحبون للسلام، ولكن الثورات أتت وكشفت المُخبَّأ، واتضح أن هؤلاء الدكتاتوريين لا يعشقون السلام، وقد أحرقوا بأيديهم الزيتون، والحمام، والإنسان، ولم يسود الحب والوئام في عهدهم بل حلت على أوطانهم ظُلْمة ما بعدها ظُلْمة.
إن الأشعار التي أُنشدت وغُنِّيت وقيلت في عهدهم علينا ألا ندعها تمر مرور الكرام بل تستحق القراءة الجيدة، وسيتضح للقارئ أننا أمام رؤساء يعشقون الأحداث والاحتفالات والمناسبات؛ لكي ينالوا من خصومهم، وكذلك لكي يعززوا من مكانتهم الإقليمية والدولية، وقد نجح بعضهم في بداية الأمر؛ فهناك بعض الشعراء جعلوا بعد (الحرايب)، أي الحروب، تأتي بالعافية والاستقرار؟ ولا يصح ذلك فإن بعد الحروب يأتي الخراب والدمار، وكذلك الفقر بعد الغنى، والسقم بعد الصحة. والبعض من الشعراء جعل الحاكم الدكتاتوري عظيماً وزعيماً للأمة.. هؤلاء الشعراء صنعوا الحاكم الدكتاتور.
-
batawil@gmail.com
* جدة