Culture Magazine Thursday  30/06/2011 G Issue 348
فضاءات
الخميس 28 ,رجب 1432   العدد  348
 
ما بين... التمييز الثقافي... والكونفدرالية الثقافية..
هل تتحول الانتخابات الثقافية إلى «صندوق باندورا»؟
سهام القحطاني
-

أولا:

لاشك أن الوقت مازال مبكرا لإجراء تقويم موضوعي لمرحلة الانتخابات الثقافية.

كما أن ظهور سلبيات سواء على مستوى الإجراءات أو المواقف أو قبول النتائج هي أمور أحسبها طبيعية؛ لا بمعنى لا بد أن تقع، بل بمعنى أنها "أخطاء التجربة الأولى" ولا بد أن نضع هذا الأمر في الحسبان، لا لتعميمها بل لتجاوزها في المستقبل، فالتجربة الأولى تشفع دوما لأخطائها، أو هكذا أعتقد.

إضافة إلى أن الانتخابات الثقافية - وأنا أفضل استخدام الانتخابات الثقافية بدلا من الانتخابات الأدبية - هي تجربة ثقافية مهمة و"قيمة مضافة" لتطوير المشهد الثقافي المحلي، ويجب أن يؤمن بذلك المثقفون ولا يجعلوا الاصطفافات الثقافية أو تصفية حسابات الإخوة الأعداء أو الأنانية الثقافية، تخطف القيمة الإضافية لهذه التجربة الثقافية أو ما أسميه "ربيع الثقافة السعودية". وأن يلتزم المثقفون بأدبيات ثقافة النصر والهزيمة.

ولا شك أن هناك من يسعى إلى تحويل ربيع الثقافة السعودية إلى خريف، من خلال بث روح الفتنة الثقافية بين التيارات الثقافية المختلفة وتقسيم المثقفين إلى فئات اللغوي والناقد والأديب والشرعي والتاريخي...، لتفتيت الوحدة الثقافية للمجتمع وقطع الطريق على المثقف المتدين؛ لأن كل "الضجة المفتعلة" من المثقفين الليبراليين أو حلفائهم ليس من أجل "سواد عيون الأدب والأدباء" بل من أجل الخوف من "وصول المثقفين المتدينين إلى رئاسة الأندية" وقطع الطريق عليهم حتى لا ينكشف عجز وضعف المثقف الليبرالي وعدم امتلاكه لأي مشروع تنويري إذا تقابل مع المثقف المتدين مشروعا لمشروع.

فالجمعية العمومية تتسع للجميع المثقف المتدين بجوار المثقف الليبرالي وحليفه وكذلك مجالس الإدارة.

فيما مضى كنا نتهم المثقف المتدين بعدم قدرته على "التعايش الثقافي" مع المثقف الليبرالي وحليفه وبممارسته الإقصاء الثقافي للآخر.

لكننا اليوم نكتشف أن المثقف الليبرالي وحليفه هما اللذان لا يستطيعان "التعايش الثقافي" مع المثقف المتدين وهما اليوم يمارسان إقصاء المثقف المتدين ويرفضان مد يدهما "للمصافحة الثقافية".

وأن نظرية "التعايش الثقافي المشترك" الذي أزعجنا بها المثقف الليبرالي سقطت عند أول اختبار حقيقي لمصداقيته الثقافية.

فالمثقفون المتدينون لهم الحق في المشاركة في رسمنة القرار الثقافي مثل المثقفين الليبراليين وأغلبهم كما نقول بالعامية" ما عندهم سالفة"،فيجب ألا يكون تدين المثقف أو تخصصه مسوغا لإقصائه في رسمنة القرار الثقافي. كما أن المتخصصين في الشريعة وعلومها هم جزء المنظومة الثقافية في المجتمع وتأثير هذه الفئة ودورها في تشكيل العقلية الثقافية للمجتمع أكثر من الأدباء أو متخصصي الأدب أنفسهم، فالشيخ عائض القرني استطاع من خلال خطابه الثقافي أن يؤثر في تشكيل عقلية الشباب السعودي أكثر من الدكتور تركي الحمد و الدكتور سعد البازعي.

ثانيا:

أعتقد أن تطبيق أي لائحة سيكشف بالضرورة عن ثغرات تلك اللائحة وهو أمر طبيعي، كما سيكشف عن "نقاط ضعف جسم التجربة" وهو أيضا أمر طبيعي،لكن اللاطبيعي أن نتعامل مع تلك الثغرات ونقاط الضعف بأنها واقع يجب أن نتكيف معه وغير قابل للتعديل، فتجاهل الأخطاء ينتقص عادة من "قيمة التجربة" وتكرار الأخطاء يؤدي في النهاية إلى "انسحاب القيمة" من التجربة مما يدفعنا إلى "أزمة الفوضى"،وغياب الاستحقاق.

ولو فتشنا عن مصدر أزمة الانتخابات الثقافية التي فجرها أول مجلس انتخابي في مكة ووصول المثقفين المتدينين إلى رئاسة النادي، سنجد مصدر تلك الأزمة يختبئ في تفاصيل المادة الثانية والسادسة من اللائحة المعدّلة، فالمادة الثانية تنص على أن " النادي الأدبي هو مؤسسة ذات شخصية اعتبارية مستقلة مالياً وإدارياً وتعنى بالأدب والثقافية" وعلى ضوء هذا التعريف لماهية النادي الأدبي بُنيت المادة السادسة من اللائحة المتعلقة بشرطي العضوية العاملة أن يكون حاصلاً على مؤهل علمي يحدد مستواه مجلس الإدارة، أو أن يكون قد أصدر كتاباً أدبياً مطبوعاً أو أكثر وللجمعية العمومية الاستثناء من أحد الشرطين".

ووفق هاتين المادتين انقسمت الآراء إلى قسمين:

فهناك رأي يدعو إلى "تحديد تخصص اللغة العربية أو الآداب واللغات " للعضو العامل في الجمعية العمومية ومن ثم الترشيح إلى عضوية مجلس إدارة النادي،على اعتبار أن النادي"يٌعنى" بالأدب ولذلك فهو مخصص للأدباء و دراسي الأدب و أكاديمي اللغة والأدب وهم الأولى بمسئوليته وصناعة إستراتيجيته الثقافية.

وممارسة التحديد اعتبره بمثابة "خطف للأندية" من قبل تكتل فئوي.

ثم من قال إن الأدباء أو متخصصي الأدب أو أكاديمييه هم الأجدر على قيادة الأندية الأدبية، خذ مثلا النادي الأدبي بجدة رئيسه أديب ومتخصص في الأدب وأكاديمي ونائبه ناقد وأكاديمي مع احترامي وتقديري لهما ولجهودهما، ماذا قدما للنادي "لاشيء" وفي مقالة سابقة وصفت النادي في عهدهما "بالرجل المريض"،بل هناك الكثير من أكاديميي وأكاديميات الآداب واللغات لا يعرفون موقع النادي الأدبي.فكيف أثق في قدرة هؤلاء الثقافية على قيادة النادي.

فالاستحقاق الثقافي لا يقاس بالتخصص بل بالقدرة والكفاءة الثقافيتين،ومتى ما تجاوزت معايير الاستحقاق الثقافي ما يجب أن يقاس به تحول إلى فساد ثقافي،أو هكذا أعتقد.

هذا لا يعني أنني أصادر الاستحقاق الثقافي لهذه الفئة بل أدعمه ولكن لا أقبل أن تستفرد هذه الفئة أو أي تكتل فئوي أو اصطفاف ثقافي بالجمعية العمومية للنادي أو عضوية مجلسه،" فكعكة الجمعية العمومية" تكفي الجميع.

ولذلك قدرت موقف الأستاذ حمد القاضي عندما قال إنه لن يتقدم بطلب عضوية للجمعية العمومية لمشغولاته التي لن تمكنه من القيام بمسئوليته الثقافية، وهو خلاف لكثيرين الهدف الوحيد من طلب تقديم العضوية هو "قطع الطريق" على المثقفين المتدينين، وهذا ينافي روح الديمقراطية التي تروج لها على الاعتبار الانتخابات.

و الرأي الثاني يدعو إلى "شمولية التخصص" للعضو العامل ليشمل كل التخصصات لا القصور على اللغات والآداب؛ على اعتبار أن المادة الثانية لم تقصر هوية النادي على صفة الأدب بل عطفت معها الثقافة، بما يعني أن العطف هنا يُشرّع مناصفة الاشتراك وعدالة الشراكة، وهو ما يترتب عليه إتاحة فرصة الاستحقاق الثقافي الرسمي لكل من يرى أنه يملك قدرة وكفاية ثقافيتين للمشاركة في رسمنة القرار الثقافي، وتنظيم الأمور وفق كونفدرالية ثقافية تحقق عدالة الاستحقاق الثقافي للجميع.

و الرأي الثاني يتطابق مع ما نصت عليه المادة الثانية بوضوح تام، و أي التفاف على المادة من قبل الوزارة سواء بالتصريح أو التلميح يعني ممارسة"تمييز" من قبل الوزارة نحو المثقفين المتدينين. أو كما اعتبره الدكتور جميل اللويحق "إقصاء للإسلاميين عن الأندية" ردا على البيان الذي أصدرته الوزارة فيما يتعلق بالمادة السادسة -انتهى كلامه- وهو ما قد يوقع الوزارة في "شبهة التمييز الثقافي" أو "التشجيع على التمييز الثقافي" من قبل إدارات الأندية الأدبية.

والرأي الأول يخالف روح الديمقراطية التي صُممت من أجلها اللائحة، وفيه التفاف على المادة وهو قد يوقع في "شبهة تزوير"،أو شبهة "بطلان الناتج" باعتبار أن ما بُني على باطل فهو باطل.

أو أن على الوزارة أن تعيد صياغة المادة الثانية لتصبح"مؤسسة....تعنى بالأدب." دون عطف الثقافة عليها وحينها تتحول الأندية إلى "جمعيات أدبية" تُنقل كفالتها إلى وزارة التعليم العالي لا وزارة الثقافة، ويبدأ عهد "المراكز الثقافية".

وبناء على الرأيين السابقين المتقاطعين انتقلت أزمة الانتخابات من المادة الثانية إلى المادة السادسة، التي تتعلق بشرطي الانضمام إلى الجمعية العمومية وهو ما نتج عنه أزمة نادي حائل و نادي الدمام، وقد تمتد لبقية الأندية لتوقع الجميع في لعبة متاهات إذا لم تستدرك الوزارة بتعديل "موضوعي ومحايد" لتلك المادة.

لأن هذه المادة تتيح التلاعب في هذين الشرطين، كما يعني إمكانية الوقوع في شبهة"تنافي عدلية تكافؤ الفرص" أو تشجيعه.

إضافة إلى الوقوع الممكن في شبهة "ازدواج المعايير"، وهو ما يؤدي إلى شعور المثقف بالاضطهاد الثقافي وبالتالي إلى عزوف المثقف عن المشاركة في الانتخابات. كما أن تحكم إدارات مجلس الأندية في تحديد التخصصات يشجعها على تكوين الاصطفافات الثقافية والتكتلات الفئوية مما يقلل فرص العرض والطلب الثقافيين لبقية الاصطفافات والتكتلات الأخرى.

ولذلك كنت أتمنى من الوزارة أن تخصص لجنة من خارج مجلس الأندية الأدبية،لتقوم هي بالإعداد والإشراف على تشكيل الجمعية العمومية لسببين: أولهما أن تلك اللجنة الخارجية هي "ضابط آمن" لتحقيق شرط المحايدة، والثاني أنها "ضابط حامِ" لعدم تضارب المصالح أو تعددية المصالح.

كما كنت أتمنى من الوزارة بدلا من موقفها السلبي من المادة السادسة الذي أدى إلى ما شاهدناه من فوضى اتُهِمت من خلاله عبر المفكر الشيخ عوض القرني بأنها "تكرس للفشل لكل الإدرات السابقة وتدعيم للفئوية ونبذ الآخرين من أصحاب التخصصات الشرعية".

وهي أمور قد تهدد الانتخابات ما لم تتخذ الوزارة موقفا إجرائيا إيجابيا من خلال إعادة صياغة هذه المادة بحيث تحدد شرط قبول العضو العامل وتوحده في جميع الأندية بأن يشمل "جميع التخصصات" باعتبار المادة الثانية بأن النادي" مؤسسة..تعني بالأدب والثقافة" لتضمن حصول "تكافؤ الفرص" لكل المثقفين في كل المحافظات، والحد من الاصطفافات الثقافية، بدلا من أن ترمي بالكرة في ملعب الأندية لتهرب من تحمل مسئولية فشل التجربة.

أو أن توقف الوزارة الانتخابات حتى بداية الموسم الثقافي الجديد لتعالج ثغرات اللائحة، على أن تُعاد الانتخابات في ناديي مكة وحائل وفق اللائحة المعدّلة الجديدة. أو أن تستمر الانتخابات بهذه اللائحة ويُتاح للجميع المشاركة في الجمعيات العمومية وعضوية مجالس الإدارة دون استثناء أي تخصص، وبعد الانتخابات تعالج الثغرات من أجل الدورة الجديدة.

إن أهمية الانتخابات هي قدرتها على تحويل الاختلافات إلى "كونفدرالية ثقافية" تتشارك فيها جميع الأصوات، لا أن تُكرس التمييز الثقافي أو تٌنتج ثقافة اللون الواحد؛ ومتى ما كانت كذلك تٌكرس التمييز وتشجع على هيمنة ثقافة اللون الواحد تحولت إلى صندوق باندورا.

1528-

sehama71@gmail.com - جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة