Culture Magazine Thursday  28/04/2011 G Issue 339
الثالثة
الخميس 24 ,جمادى الاولى 1432   العدد  339
 
إمضاء
المتأني
إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

** ربما كان اختياره لزاويته «دقات الثواني» مؤشراً على عنايته بالوقت: دقةً وانضباطاً وحرصاً على تفعيله بما يراه أليق وأجدر، وحين كان طالباً جامعياً عُهد متفوقاً، وإذ التحق بالإعلام فلم يسترخِ لإغراءات الاسم والوسم؛ فواصل دراساته العليا، وكأنه يعمل معيداً في كلية اللغة العربية التي تخرج فيها، ولم تمضِ سنواتٌ قليلة حتى كان مديراً عاماً للإذاعة، و»دكتوراً» في الأدب، وكاتباً منتظماً في الصحافة، ووجهاً اجتماعياً هادئاً، ثم رجلَ شورى تميزه حكمةٌ ومحافظةٌ ومقدرةٌ على قيادة حوارٍ بلا ضجيج.

** لعله من أوائل من عملوا بالمشروع الأدبي الذي تبنته جامعة الإمام في قراءة واستقراء «شعر الدعوة الإسلامية» بدءاً من عصر النبوة الشريفة والخلافة الراشدة وانتهاءً بالزمن الحديث، وقد قيل فيه ما قيل؛ فللثقافة دروبٌ متشعبة، ومنافذ سالكةٌ ومغلقة؛ فلم قسرُ الطلبة الطّلعة على درب ومنفذ، وفسر فئامٌ ذلك بإرهاصات الحركة «الصحوية» التي استثمرت في «الأدلجة» فأثمرت جانباً وأقفرت جوانب، وبقي السؤال -ككثيرٍ من أسئلة المرحلة- بلا إجاباتٍ مقننة.

** ليكن ما يشاؤون ليبقى صاحبُنا باحثاً جاداً، وحين ابتدأ مذيعاً وحتى غادر الإذاعة لوكالة الأنباء وإلى أن عاد إليها ثم صار شوروياً وهو ينهج بسمته وسماته نحو العقلنة والرزانة والحسم حين لا يكون مجالٌ لسواه، وقد تختلف معه لكنك تحترمه؛ فما عُرف بصوتٍ مرتفع أو كِبْرٍ مُدَّعى.

** تبقى ذكرياتُ العمل الأثيري جديرةً بالإشارة؛ فحين اجتاز صاحبكم محطات «التجارب والاختبارات والتدريب والظهور الصامت وربط الفقرات» ووُضع اسمُه ضمن المذيعين «المتعاونين» المعتمدين فوجئ أن وجد نفسه إلى جانبه مقدماً برنامجه العتيد «دوحة الأدب» برفقة الراحلين الأستاذين الكبيرين: عوني محمود كنانة «مقدماً ثانياً» وزكريا شمس الدين «مخرجاً متفرداً»، وشعر بحرج؛ فهم قدماء وهو جديد، وهم رموز وهو ناشئ، وهم فريقٌ وهو طارئٌ عليهم، لكن روح «أبي حسن» وابتسامته جعلته يشعر أنه معهم منذ زمن، وأفاد -كما لم يفد- من برنامج جاد وطاقم ملتزم ومهنية عالية لا تدع مجالاً لهنةٍ عابرةٍ لغةً أو صوتاً أو فواصل أو موسيقى.

** لم يتخلف أربعتهم «وخامسهم المهندس المنفذ» يوماً عن التسجيل في الموعد الدقيق الذي تتحكم فيه «دقات الثواني»؛ حتى إذا بدا التزامٌ إداريٌ لمعده سجلوا حلقةً إضافية لتكون «حلقةَ تقديم»، وبقي البرنامج حتى أوقفه صاحبُه مميزاً بأسلوب البحث عبر إحالاته وإشاراته التي لا يعرفها المستمع ولا يحتاج إليها، وتخيلنا أن ذاك مقدمة لجمعه في كتاب؛ فإذا سألناه عنه سوَّف الإجابة بما يشي بالتفكير غير المستعجل كما هو دأبه في شؤونه العامة الأخرى.

** الدكتور عائض بن بنية بن سالم الردادي (المدينة المنورة 1950 م) تنقل في العمل الإعلامي والشوروي قريباً من أربعين عاماً، وهو أحد المداومين على ارتيادِ ندوتي «الرفاعي والجاسر» رحمهما الله، كما هو مساهم متطوع في بعض الجمعيات الخيرية، وله حضور في كثير من المراكز البحثية وبخاصة ما يتصل بتأريخ المدينة المنورة.

** من أبرز تآليفه وأبحاثه: الشعر الحجازي في القرن الحادي عشر الهجري، شعر الدعوة الإسلامية في العصر العباسي الثاني، التدين والمجون في شعر شوقي، ندوة الرفاعي، تجربة الإذاعة في برامج: التربية والطفولة والبث المباشر والحج، كيف يصون المذيع لسانه من الخطأ، ضياع الهوية في الفضائيات العربية، الأسرة الطبرية المكية، الجواهر الثمينة في محاسن المدينة، عناية حمد الجاسر بالأنساب، وسواها...

** أبو حسن مشارك نشط في الفعاليات الثقافية والمنتديات والكتابة الصحفية، وهو من الأسماء المهمة التي غادرت العمل الإذاعي إلى غير رجعة؛ ما يعيد الاستفهام «الألْف» عن حكاية البث المرئي والمسموع مع من يتقاعدون أو ينتقلون، وهل يعهد للصوت والصورة عمرٌ افتراضيٌ تنتهي به صلاحيتهما؟

** الخبرةُ رصيدٌ لا ينفد.

Ibrturkia@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة