Culture Magazine Thursday  28/04/2011 G Issue 339
فضاءات
الخميس 24 ,جمادى الاولى 1432   العدد  339
 
محطات استذكارية مع الراحل د. محمد أركون (7)
هل كان الراحل سباقا في القراءات الجديدة للتراث؟
د. عبد الرزاق عيد

إذن لم يكن خلافنا كطلاب أركون مع الراحل بسبب موضوعه وتقادم هذا الموضوع بل بسبب منهجيته وتقادمها، حيث لم يكن الراحل قد تقبل المنهجية التاريخانية كما سيفعل لاحقا، بسبب إيحاءاتها الماركسية التي يناهضها ليس سياسيا وإيديولوجيا فحسب - وهذا أمر كان مفهوم بالنسبة لنا حينها - لكنه كان يناهضها معرفيا، رغم عودته للاعتراف بها بعد زوال خطرها السياسي، فراح يتداول رأيا فكريا غربيا ليبراليا شائعا في الفضاء الفكري والثقافي الغربي، هذا الرأي: يعترف بماركس كفاتح لقارة التاريخ، بالدرجة ذاتها التي يقر فيها لداروين بافتتاح قارة الطبيعة، ومن ثم لفرويد بافتتاح قارة النفس الإنسانية.

إذن كنا ننظر إلى فكر الراحل بوصفه فكرا يمينيا منخرطا في الايديولوجيا الرسمية للمؤسسات الفرنسية الرسمية، التي كانت منخرطة في الحرب الباردة حيث (فوبيا الشيوعية) تهيمن على العقل الغربي، وذلك قبل أن تنتقل لتتحول إلى (الفوبيا الإسلامية).

ولهذا كنا نعتقد أن الراحل يرزح تحت ضغط هذه الفوبيا مما يجعله في كل يوم يعلن مناهضته للماركسية أولا والماركسية العربية ثانياً، والطريف بالأمر أنه كان يذهب بمغالاته المضادة للماركسية العربية إلى حد قوله: إن العرب لا يعرفون الماركسية، لأنهم تعرفوا عليها من خلال اللغات (الفرنسية - الإنكليزية ومن ثم الروسية) وليس الألمانية، حيث ليس هناك بينهم من يعرف الألمانية لغة ماركس، ولهذا فإن العرب قرؤوا (ماركسية مصحّفة)، أي تعرضت للتصحيف اللغوي، لأنها وصلتهم عبر وسيط لغوي، وليس عبر الاتصال المباشر معها... فكنا نتصدى لأطروحاته عبر تساؤلاتنا: إذا كانت الماركسية لا يفهمها إلا الألمان والذين يعرفون اللغة الألمانية، فكيف يفهمها الإنكليزي والفرنسي... ولا يعجز عن فقهها إلا العربي، إذن ما هي قيمة الترجمة وما قيمة دورها في الفكر الإنساني... إلخ ؟

طبعا كان يجيب أن المترجمين الفرنسيين أو الإنكليز ترجموا الماركسية بمظانها الألمانية الأصلية، وليس عبر لغة وسيطة... وكنا نتهامس بمكر وشقاوة الطلاب - رغم أننا طلاب دراسات عليا - بأن إلحاحه على معرفة اللغة الألمانية ربما لأنه كان يعرفها كما كان يوحي لنا.

إن صلتنا بالتاريخية عبر الوسيط السياسي اليساري ساعدنا على التعرف على دور ابن خلدون وفكره التاريخي، حيث كان موضوع أطروحة دكتور طه حسين في الصادر سنة 1925 تحت عنوان» فلسفة ابن خلدون الاجتماعية»، كما وأنه سيكون موضوع أطروحة الدكتوراه لمحمد عابد الجابري العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي - منذ سنة (1971)؟؟؟

بل ولقد سبق لنا أنا اطلعنا على دراسات طه حسين عن (الفتنة الكبرى) وهو يقرأها وفقا للزمن الأفقي التاريخي وليس العمودي اللاهوتي فكان لها تأثير كبير في وعينا الفتي الشاب... وكنا نحمل تقديرا استثنائيا لموسوعة أحمد أمين المؤسس على وعي عميق عقلاني (معتزلي) بتاريخية الفكر وعلاقته بزمنه الاجتماعي التاريخي وليس الزمن الميتافيزيقي اللاهوتي... ناهيك عن اطلاعنا على مناهج النقد الأدبي السوسيولوجية من ليوكاش الذي كان قد ترجمت معظم أعماله في تلك الفترة إلى العربية... ومن ثم متا بعتنا في فرنسا لليوكاشية بقراءتها الغولدمانية، حيث تلك المرحلة كانت ذروة نفوذ المنهج السوسيولوجي التاريخي للوسيان غولدمان في فرنسا... والأهم من ذلك كله في تلك الفترة التي يحاول أن يسترجعها صديقنا مترجم أركون من خلال تصوير موقفنا على أنه موقف يدعي إلى تجاوز موضوع الدين، هو صدور الكتاب التراثي الشهير للشهيد حسين مروة «النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية» الصادر سنة 1978، وهو شهيد التنوير والتشيع العربي الوطني على أيدي ممثلي أيديويولجيا الولي الفقيه في لبنان إذ قامت الميليشيات الإيراينة لحزب الله باغتياله في منزله وهو الشيخ الذي قارب الثمانين أمام أبنائه وأحفاده... حيث قمت بنفسي بتوصيل هذا الكتاب إلى أستاذي الراحل أركون حينها... وهو مما سنواصله في حديث قادم.

باريس

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة