Culture Magazine Thursday  28/04/2011 G Issue 339
فضاءات
الخميس 24 ,جمادى الاولى 1432   العدد  339
 
صدى الإبداع
2-التنمية العامة
د. سلطان القحطاني

- التعليم:

من الخطأ أن نعمم مشكلة بداية التعليم في المملكة على كل المناطق ومحافظاتها على مستوى واحد، فالمملكة شبه قارة، ثقافاتها متنوعة ومختلفة، من حيث السكان ومن حيث الثقافة العامة، فهناك منطقة الحجاز، التي تضم الحرمين الشريفين( مكة المكرمة، والمدينة المنورة) هاتان المدينتان وما يحيط بهما مراكز إشعاع منذ أن بدأت فيها الرسالة المحمدية السمحة، بل إن بعض المصادر تذكر أن بعض أهلها كان يجيد الكتابة والقراءة قبل الإسلام، وليس منا من ينكر وجود سوق عكاظ، وما كان يدور فيه من نقاشات ثقافية ، من خلال ما يلقى من القصائد التي كتبت وعلقت على أستار الكعبة، ولم تتعرض هاتان المدينتان للعزل الثقافي الذي حصل بعد زوال الدولة العباسية، بل استمر التوافد إليها من شتى بقاع الأرض لطلب العلم والمجاورة، من علماء ومتعلمين، ووافدين، وإذا أردنا أن نطبق ما نسميه بالجغرفة الثقافية، وهي ما يمكن أن تقوم عليه المنطقة من روافد ثقافية، كالمكتبات، ونوعية السكان المتعلمين، ووفرة المدارس، ودور النشر والصحافة، والقرب من المراكز الثقافية، فسنجدها تحظى بكل ذلك؛ وبالتالي لا يستغرب على أهلها أن يكونوا مثقفين إذا أضفنا إلى ما ذكرنا مدينة جدة وما حظيت به من توافد عدد من الأجانب بحكم الميناء المتوسط بين ثلاث قارات، أوروبا وآسيا وإفريقيا، ونزول الحجاج والمعتمرين بها في طريقهم إلى مكة المكرمة، مما خلق لها شخصية ثقافية مميزة وجذب إليها عددا من التجار والمثقفين والمترجمين، وهذه حال الموانئ والسواحل في العالم، بعكس المناطق الصحراوية ذات الثقافة الأحادية، فثقافة الأطراف دائما تقوم على مزيج من الثقافات تعطيها شخصية مميزة، حتى قبل دخول التعليم النظامي، كانت الأطراف في الغرب والشرق متأثرة بالثقافات التي تتعامل معها، ففي الشرق كان التعامل مع الهند والعراق مبكرا.

وعندما بدأ تعليم المرأة، بشكل نظامي في نهاية العقد السادس من القرن العشرين، وكان عليه بعض التحفظات من التيار المحافظ، وخاصة في منطقة الوسط، وكان هذا التيار قد تحفظ بشدة على تعليم الرجل من قبل، خوفاً على العقيدة من العلوم الحديثة، وتحريم بعض العلوم، كالرياضيات والجغرافيا والرسم، حتى ظهرت أول مدرسة في الرياض سنة1948م باسم التذكارية نسبة إلى ذكرى عودة الملك عبد العزيز من زيارته التاريخية لمصر وتأسيس جامعة الدول العربية، وقد أقنع قادة هذا التيار بالحضور لافتتاح المدرسة، مع بقاء الكتاتيب لمن يشأ أن يبقى عليها. وكان الملك عبد العزيز قد أنشأ مديرية المعارف في مكة المكرمة، لتكون نواة لوزارة المعارف التي أنشئت في عام 1954م، ولم يكن هذا التيار بالمقتنع بصورة كلية، إلا بعد أن تم إقناعه من قبل المختصين ورجال الدين، وإذا كانت هذه حال تعليم البنين، فماذا نقول عن تعليم البنات، ونظرة المجتمع المنصاع للفتوى التي يطلقها بعض المفتين بتحريم تعليم البنات باعتباره فتنة كبرى في المجتمع، وأنه يدعو إلى الفساد، وأن المرأة شر ليس لها إلا البيت والزوج، بل اختزلوا كل قدراتها في ثلاث حاجات لا أكثر(طاعة الزوج، والحمل والإنجاب، والتربية) أما التعلم فهو من حق الرجل الذي سيعلمها كما يريد لا كما تريد المناهج، وانبرى الكتاب والخطباء منددين بتعليم الفتاة، ولحقهم الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون، ولو كانوا مقتنعين بما يقولون لأظهروا أسماءهم على صفحات الجرائد، فها هو الشاعر المناصر لتعليم الفتاة على استحياء، يرمز لاسمه بحروفه الأولى

( ح، ع،س) يقول:

«بوركت من صوت رقيق له

في كل عقل مستنير صدى

يدعو إلى التهذيب مستشعرا

رصانة بالعلم رحب الهدى

في كلمات حرة خَلدت

في صفه التاريخ ما خلدا

ما البنت إلا ثمر طيب

نحن لها في سيرنا مقتدى»

ولعلنا ندرك هشاشة هذه القصيدة ومراوغة كاتبها بين السطور، وعدم إظهار رأيه الصريح في هذه القضية، أما ما حدث وهو أدهى وأمر فما ذكره بعض الباحثين عن المقاومة الصريحة لمدارس البنات، حيث وقف بعضهم للبنات في الطريق إلى المدرسة ورموا سيارات النقل بالحجارة وكذلك المدرسة نفسها وتظاهروا أمامها، حتى وصل الأمر فيها إلى تدخل الأمن في عهد الملك سعود، ومنع من يعتدي على هذه المنشأة، ولم يعتقلوا أحدا ، ووصل الأمر إلى الملك فيصل ، وجاء المحتجون يحذرون من هذه الفتنة، وكان رده: سأفتح مدارس، ولن يجبر أحد منكم على إدخال ابنته فيها، وإذا جاءكم أحد يطلب منكم ذلك فأخبروني لأقطع رأسه. وبعد ذلك هدأت الفتنة وعمل المحتجون على التعليم النسوي في داخل هذه المؤسسة التي يرون فيما مضى أنها حرام ومن يعمل فيها آثم وظالم لنفسه.، وهكذا يفعلون مع كل أمر جديد بتحريض من قادتهم، فقد فعلوا ذلك مع المذياع والتليفزيون وسكك الحديد والتعليم النظامي، والفنون التشكيلية والمسرح.

واستقدمت المملكة معلمين ومعلمات من البلاد العربية المجاورة( فلسطين، والأردن، وسوريا، والعراق، ومصر) وكانوا على أعلى المستويات التربوية والخلقية والعلمية، إضافة إلى الإخلاص، الذي يشهد به طلبتهم إلى اليوم. وكان التركيز على معاهد المعلمات الابتدائية، سيراً على منهج التربية والتعليم المعارف، (آنذاك) لسد الحاجة من المعلمات، وتطويرها إلى مراتب أعلى، حتى أصبحت كليات تسد الحاجة وتزيد، وتوسعت هذه المدارس والكليات لتشمل أنحاء البلاد، وتمت إضافتها إلى الجامعات المنتشرة في هذه الأقاليم. وقد اهتمت هذه الكليات بالإبداع العلمي في المجالات التي تلبي احتياجات المجتمع.

وللحديث بقية في الحلقة القادمة.

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5703» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة