لا شك أن المتاحف تمثل ذاكرة لحضارات الشعوب، وتوثق واقعها وأصالتها وتاريخها بنماذج من الواقع؛ ولهذا نجد الاهتمام الكبير بهذه المتاحف في مختلف دول العالم، ولنا في المتحف الوطني بمركز الملك عبدالعزيز التاريخي ما يؤكد توجه المملكة في هذا المضمار، إضافة إلى ما يُشاهد من متاحف للعلوم الطبيعية والعسكرية إلى آخر المنظومة التي تتنوع فيها مسميات المتاحف، وتخصص كل منها تبعاً لنشاطها؛ فمنها متاحف (موضوعية) كمتاحف التاريخ الطبيعي أو المتاحف العلمية أو متاحف الحضارات الإنسانية أو المتاحف التطبيقية، ومنها ما ينحو تقسيمها إلى مرمى معين كالمتاحف الوطنية أو المتاحف الخاصة المحدودة بموضوع واحد أو المتاحف المحلية.
وإذا أخذنا كل هذه المتاحف بعين الاعتبار لأهميتها في نقل حضارة سابقة ومزجها بحضارة معاصرة حاضرة إلى عقول وعيون الناشئة فإننا بذلك نجعل منها سبيلاً للمعرفة والثقافة والوعي بحقيقة تاريخ أمتنا عامة ووطننا بشكل خاص، مع ما نراه أيضاً مهماً في مجالنا الفني بعمومه، ونعني به ما نتمتع به ويُعتبر جزءاً من هوية حضارتنا الإسلامية من فنون الخط والزخرفة والعمارة.. وإننا أيضا لا ننسى الفنون الجميلة بما تتضمنه من إبداعات تشكيلية أُنشئ لها متاحف على مستوى كبير من الشكل والمضمون في كبريات الدول العالمية، منها مختلف الدول الأوروبية، وعلى رأسها متحف اللوفر الفرنسي الأشهر عالمياً.
هذا الجانب من رموز الحضارة المعاصرة لا يقل بأي حال عن بقية المتاحف؛ كونه يبرز ما قدمه الإنسان في مراحله العصرية المتطورة من سبل التعبير والإبداع بما يتوازى مع واقعه الجديد والحديث.
والمساحة لا تتسع للتطرق إلى المتاحف الفنية العربية، منها المتاحف المصرية الخاص منها كمتحف محمود خليل أو العام كمتحف الفن الحديث، وهي من أقدم المتاحف العربية، مع ما أُسس أيضاً في بقية البلدان العربية، منها الشارقة التي أصبح متحفها وما يقام به من فعاليات فنية من بينها بينالي الشارقة مقصداً وموعداً للمبدعين على مستوى العالم.
ويسعدنا اليوم أن نستعرض ونسلط الضوء على المتحف العربي للفن الحديث في قطر، الذي افتُتح مؤخراً بوصفه ثمرة جهود لأكثر من عقدين من النشاط قام بها نائب رئيس هيئة متاحف قطر سعادة الشيخ حسن بن محمد بن علي آل ثاني.
المجموعة بُنيت من قِبل مؤسسة قطر، التي حافظت عليها لمدة أربع سنوات قبل تحوّلها إلى مشروع مشترك مع هيئة متاحف قطر. ومن خلال التزامه واحتضانه للفنانين العرب ولفترة طويلة فإن الشيخ حسن العنصر الحافز لإقامة هذا المشروع؛ حيث يدعو إلى تشجيع الإبداع في قطر وجميع أنحاء المنطقة.
ويعد المتحف كما أشير إليه في كثير من المناسبات وفي إصداراته يمثل مؤسسة تجمع الجماهير، يُطرح فيها الأسئلة، وتُستكشف الأفكار ويُعزّز فيها الإبداع. ويحتوي المعرض في مجموعته على أكثر من 6000 عمل فني يمثل الاتجاهات والمواقع الرئيسة لنتاجات الفن العربي المعاصر، التي تمتد منذ سنة 1840م حتى وقتنا الحاضر، إضافة إلى مجموعته وعروضه الخاصة، وسوف يقدّم المتحف برامج تعزز دوره بوصفه مركزاً للحوار العالمي والبحث العلمي.
ومن خلال هذه الأنشطة، التي تهدف إلى إشراك الفنانين والكُتّاب والطلاب والعلماء وعامة الجمهور على أوسع نطاق ممكن، سوف يسهم المتحف في دعم المشهد الثقافي في منطقة الخليج والشرق الأوسط والشتات العربي.
يقع المقر المؤقت المتحف في مبنى مدرسة سابقة في المدينة التعليمية في الدوحة أُعيد تصميمها كمتحف من قِبل المهندس المعماري الفرنسي جان فرانسوا بودان. وسوف تحدد هيئة متاحف قطر لاحقاً خططها لبناء مقر دائم للمتحف في المستقبل.
هذا، وقد تم بمناسبة الافتتاح إعداد معرض بعنوان سجّل، ضم أعمالاً تُشكّل نتاج قرن من الفن الحديث، رُكّز فيه على عدد من أبرز أعمال المجموعة محتوياً على نتاجات أكثر من 100 فنان، التي تُمثّل التجارب المحورية في علم الجمال، مُنح فيه الفن العربي الحديث مكانته التاريخية في نطاق التاريخ الفني الأوسع.
monif@hotmail.com