Culture Magazine Thursday  27/01/2011 G Issue 331
فضاءات
الخميس 22 ,صفر 1432   العدد  331
 
الليبرالية امتداد للحداثة
عبدالرحمن عامر الشهري

في السابق كانت أبرز مشاكل الحداثة ومعوقاتها هو تعريفها وتحديد ماهيتها، وكانت المعركة حول الحداثة معركة حول المصطلح تحديداً وليست حول مضامينه، ولذلك كان يترفّع الغذامي عن تسمية الصراع حول الحداثة بأنه حوار لغياب الشرط المنهجي للحوار وهو الاحتكام إلى تعريف محدد يمكن الانطلاق منه.. ولأن الشرط المنهجي والعلمي يقتضي ألا يُلزم الناقد المنقود بتعريف لا يُقر به، فإن الغذامي يقفز - علم أو لم يعلم - عن هذا الشرط المنهجي والعلمي فيمارس نقده اللاذع لليبراليين - وليس لليبرالية - ويُلزم المنقود بتعريفاته واشتراطاته دون أن يسمع منهم تعريفاً واحداً لليبرالية مع العلم أنهم بينوا في كثير من كتاباتهم ومقالاتهم بل كانوا أقرب إلى الاتفاق على تعريف الليبرالية وتحديد أهدافهم بعكس الحداثيين.

وبالمنطق العقلي والتجربة الواقعية فإن المصطلح - أي مصطلح - لا يمكن أن يتمثّله أي فرد على وجه الدنيا بكل ما فيه بحيث يكون هو المصطلح والمصطلح هو، بل المنطق والعقل وبرهان الحياة يقول إن أي إنسان لابد أن يكون خارجاً - بطبعه وطبيعته - عن أي مصطلح يتسمى به أو ينسب نفسه إليه، وكل النقد الذي وجّه لليبراليين لم يكن منطقياً ولا عقلياً لأنه قائم على افتراض التماثل والتطابق بين الليبرالية والليبراليين وهذا ينطلق من افتراض عصمة الليبراليين عن الخطأ وتجاوز المصطلح، وإذا كان الأمر كذلك فإن نفي وجود مسلمين أو يهود أو نصارى على وجه الأرض يكون أولى بالحكم لأن الأديان السماوية في أدبياتها تطرح النظرية المثالية للعيش وتدعو الفرد لمقاربتها قدر الإمكان مع استحالة مطابقتها، وهذا لم يقل به أحد منذ فجر البشرية..

من هنا أقول لكل الناقدين إنكم تخطئون باعتقادكم أن الليبراليين معصومون فهم بشر مثلكم يخطئون ويصيبون وأخطاؤهم في ممارساتهم أو تطبيقاتهم العملية لليبرالية لا تعني عدم وجودهم كفكر وثقافة؛ فالليبرالية مبدأ عظيم يُفترض بكل إنسان أن يدعو إليه ويتبناه ويتشرف بالانتساب إليه، والليبرالية باختصار وببساطة وكما قال المفكر الليبرالي د. عبدالرحمن الراشد:

"هي مفهوم إنساني بسيط يؤمن بحرية الاختيار فقط، وهذه الحرية تضيق وتتسع وفق رؤية كل فرد.. فإن اختارت الأغلبية أن تكون محافظة، فهذا حقها وخيارها، وإن فضلت العكس، فالأمر لها. لهذا تسمح هولندا بتدخين الحشيش، في حين تسجن الشرطة البريطانية من يتعاطاه. فحرية الفرد مقيدة في النهاية باختيار الجماعة، فإذا كانت أغلبية المجتمع محافظة، فخيارها هو الذي يسود. لهذا فالليبراليون، من الناحية النظرية، أقرب الناس إلى الجميع، حيث يفترض أنهم يؤمنون بحق الإسلاميين والشيوعيين والقوميين والمحافظين الاجتماعيين".

وللأسف الشديد فإن واقع الحوار - إن جاز تسميته بذلك - بين الإسلاميين والليبراليين لا زال يهتم في الأساس بموضوع العلاقة بين الليبرالية والإسلام، ولا يزال الجدل بينهما كثيراً مع أن بقاء موضوع العلاقة يحتل الصدارة في النقاش يحمل دلالة على كون النقاش بينهما لم يتطوّر ولم يتقدّم قيد أنملة.. مما يدل على ممانعة قويّة للفكر الليبرالي في المملكة، وهذه الممانعة في وجهة نظري نابعة عن قفز في الحوار والنقاش من مستوى الظاهر والمُعلن إلى مستوى الباطن والسر، بمعنى أن كل هذه الممانعة والمناهضة قائمة على افتراضات وتوقعات أُخذت على محمل الجد والتصديق فأصبحنا أمام محاكمة للنيات وما تُخفي الصدور.

ورغم كل هذا إلا أن هنالك أخطاء كبيرة يقع فيها التيار الإسلامي دون أن يعلم، وهي تكمن في محاولاته المستمرة للنيل من الليبرالية والحد من انتشارها، ويستخدم في ذلك وسائل القمع المختلفة ومن أبرزها الاتهامات المتكررة التي تطال الكثير من الليبراليين في كونهم يهدفون إلى هدم الدين ونشر الفسوق والإباحية والتحلل الأخلاقي في المجتمع، وعلى الرغم من عدم وجود أدلة موثقة على هذه التهم سوى كتابات متفرقة لأسماء مستعارة - قد تكون إسلامية عميلة - إلا أن التيار الإسلامي يصر على هذه التهم، وقد شاهدت الكثير من الحوارات والندوات التي تُقام ويكون موضوعها عن الليبرالية ورأيت أن الأدلة هي هي لم تتغير منذ زمن طويل، حتى النصوص التي يستشهد بها المعارضون لم تتجدد إطلاقاً، مما يدل على ضعف الأدلة التي يستندون عليها أو قلّتها في أحسن الأحوال..!

أعتقد أن نشوء التيار الليبرالي في المملكة - وغايته الوحيدة هي الحرية - سببه الأول هو أن التيار المسيطر والموجود لا يدعم الحرية - كقيمة ثقافية وفكرية - ولذلك فإن بعض الإسلاميين ينكرون على التيار الليبرالي هذا الأمر فيقولون : ما فائدة الليبرالية إذا كانت موافقة للإسلام..؟! والحقيقة أن الليبرالية لا علاقة لها بالإسلام ولا بأي دين آخر بل هي فكر مستقل بذاته، لكنها لا تتقاطع معه من حيث هو دين يدعم الحرية ويعطي الحق للآخر في أن يعتقد بخلافه، بل لا يقبل الإكراه في الدين وإسلام المُكرَه، فالشرط الضروري لصحة الإسلام هو الحرية في الدخول إليه والرضا به كدين للإنسان.. إذن فالمخالفة لم تكن للإسلام كدين بل للإسلام كتيار يتزعمه الكثير من الرموز، ومن هنا يمكن فهم وتعليل وجود التيار الليبرالي وإلحاحه في الظهور والمطالبة بحريته في التعبير عن آرائه وأفكاره، لكن العائق أمام الليبرالية في المملكة هو أن رموزها يُطالبون باحترام حرية التعبير في حين هم يقفون أمام تيار لا يؤمن بهذه الحرية ويحاول قمعهم وإقصاءهم ويستخدم في ذلك كل الوسائل المتاحة ومن أشدها تهم التكفير والتخوين - التي تستعدي كل أطياف المجتمع عليهم - وهو السلاح الذي لا يستخدمه أحد سوى الجماعات المتطرفة التي لا تؤمن بالتعددية الفكرية والثقافية، وهذا العائق يجعل الليبرالية تُضرب في قلبها ومحركها الأساس - والذي هو الحرية - حيث لا يمكن أن تدعو للحرية والتسامح مع طرف يحاول إقصاءك ونبذك، ففي حين يؤمن الليبرالي بحق الإسلامي في التعبير لكن الإسلامي يصادر حريته وحقه في التعبير، والمفترض أن تكون المعادلة متساوية: (أعطني حريتي أُعطِكَ حريتك)..!

لكن - وبقراءة تاريخية - ما يواجهه التيار الليبرالي اليوم من معارضة واجهها قبله تيار الحداثة واستطاع تجاوز المرحلة بأقل الخسائر الممكنة، مع وجود فارق أن التيار الليبرالي يحاول التغيير على المستوى الفكري والمجتمعي وهذا ما جعل مهمته أصعب وعسيرة جداً، فهو يحتاج إلى وقت أطول حتى يتجاوز كل العقبات التي أمامه ويخرج بأكثر المكاسب الممكنة .. برأيي الشخصي لو أننا أخذنا الحداثة على اعتبارها صيغة نقدية نصوصية تخصصية فإن الليبرالية هي الصيغة الفكرية والثقافية للحداثة، ومن هنا فإن الليبرالية امتداد للحداثة في المملكة ومكملة لها مع اختلاف في الرموز والشخصيات أما المشروع فهو واحد بلا شك..

a.a.aalshihri@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة