أنصتْ: صحاري الشعرِ تبكي رملَها
دمعُ الحروفِ على الرمالِ يسيلُ
سالَ الرحيلُ بها؛ فَسَل عن راحلٍ
طبعُ الترحُّلِ كان فيهِ أصيلُ
يطوي القفارَ و أرضُهُ في شعرهِ
بيتُ القصيدةِ خيمةٌ ومَقيلُ
سَلْ ذلك البدويَّ كيفَ أقلّنا ليلَ السُّ
رى و الأنُسُ فيهِ قليلُ؟
سَلْ كيف أهدى للرمالِ طبُولَها
حتى أفقنا والمدى تهليلُ؟
سَلْ كيف بالألحانِ أوقَدَ صبوةً
تلتفُّ بالأغصانِ حين تميلُ؟
وصبابةً تُهدي القصيدَ سحابةً
إنْ أمطرتْ غنّتْ فمالَ نخيلُ
سل ذلكَ البدويَّ كيف لشعرهِ
سِيقَ العمودُ، و أَذعنَ التفعيلُ؟
وانقاد موجُ الشعرِ يتبعُ بحرَهُ
وانشقَّ في سُبُلِ الخليلِ سبيلُ
سَلْ شاعرَ الصحراءِ عن سرِّ الظما
سَلْ عن جفافِ الوقتِ فيمَ يطولُ؟
سَلْ عن عيونِ الشمسِ يشربُ ماءها
جدبٌ غفا في مقلتيهِ ذبولُ
سلْ عن هوى الوطنِ الذي غنّى لهُ
إنّ الغناءَ على الغرامِ دليلُ
سَلْ كيف لمّ الأرضَ حتى ضمّها
باكٍ كطفلٍ خانَهُ تقبيلُ
أهدى إلى البوحِ البهيِّ حروفََهُ
فارتدّ طََرْفُ الصمتِ وهو ذليلُ
للبوحِِ صولاتٌ يُفتّقُ غمدَها
حدُّ الكلامِ، وللحروفِ صليلُ
إنْ أسرجَ البدويَّ ظهرَ خَيالهِ؛
فالشعرُ خيلٌ، واللحونُ صهيلُ
ذاكَ الثُبيتيُُّ العصيُّ وما الهوى
إلاّ عصيٌّ مالهُ تعليلُ
قلبُ العليلِ سقى الرمالَ بشارةً
غدقاً سقى الكلماتِ و هو عليلُ
و ذوى كأنّتهِ التي لو مسّها ضَ
وءٌ لصاحَ الزيتُ و القنديلُ
قَدَرٌ هو الشعرُ الذي يمضي بنا
فإذا مضينا يكثُرُ التأويلُ
الشعرُ يهدي للحياةِ حياتًها
عبثاً يُضيءُ الحرفُ وهو قتيلُ
سَلْ مَن إلى وطنٍ يشُدُّ رِحالَهُ
عشقاً يُغنّي والطريقُ طويلُ
أهززتَ لحنَكَ فانحنى جيدُ الجنى
أم آهةُ الصقرِ الجريحِ هديلُ؟
سَلْ مَن على كفِّ القصيدةِ ناقشاً
وشماً عصيَّ المحوِ ليس يزولُ
يا فارسَ الحرفِ المُعتَّقِ ماؤهُ
فيمَ الترجّلُ و الغيومُ تسيلُ؟