Culture Magazine Thursday  24/11/2011 G Issue 353
الثالثة
الخميس 28 ,ذو الحجة 1432   العدد  353
 
خطوٌ.. ومحو
سيرة كرسي ثقافي 5
إبراهيم بن عبدالرحمن التركي العمرو

* * رغم الرقابة المشددة فإن الحذِرَ يُؤتى من مأمنه؛ وكذا وقعنا في سنتنا الأولى في «ورطةٍ» كبيرة حين أفلتت قصةٌ مترجمة عن الأدب التشيكي من كل أقلام الرقباء «الحُمْر»، وكانت تحكي عن قاتلٍ انتقل للدار الآخرة، وتمت محاكمته في قبره حيث توالت مشاهدُ قيامته، وأبرزت القصة ما يواجهه المرءُ بعد الموت؛ فكأنها امتداد لرسالة الغفران والكوميديا الإلهية في اتساقٍ تام مع حقائق البعث والنشور، غير أنها عرضت المقدس في سياقٍ قصصي إبان الحرب المستعرة ضد الحداثة وتابعيها؛ فبَدَوْنَا - دون أن نقصد - طرفًا في المعركة، وما درى المتابعون أنها فواتُ زيادة الحرص وإفلاتُ سطوة الوصاية، واتكاء الرقباء على بعضهم؛ ما جعل المسؤوليةَ تتشظى بين محرر ورقيب ونائب ورئيس ورقباء بدرجة مستشارين، وحُمّلنا مسؤوليتها وتبعاتها، ولم نتوارَ عنها؛ فقد كانت فرصةً لاختبار التوجهات غير المستقرة آنذاك.

* * لم تمضِ الحكاية بهدوء كما افترضنا أو تمنينا؛ فقد ثار الشارع المتدين، وتوالت الاتصالات والاعتذارات التي تفهمتها الكثرة، واستعصت على الأقلية، وكان منهم خطيبُ جمعة في إحدى مدن المنطقة الوسطى، الذي لم تكفه الشكوى، ولم يقف عند التهديد بل جعل «الجزيرة» وصفحاتها الثقافية في مرمى سهامه الكلامية في ذروة الحرب ضد الحداثيين، وكان له أن ألّب العامة، ومن لم يكن قد قرأ القصة وقت نشرها فقد قرأها بلسان الخطيب وتفسيراته المتشددة، التي لم ينفع معها تبرير واستشهادات.

* * وسّط له مسؤول التحرير القيادي من زاره في مدينته ليهدئه، وحضر إلى الرياض ليقبّل قياديًٌّ آخرُ رأسه، وكان الإحساسُ مرًّا أن تتعاظم سلطةُ الجاهل حدّ الإرهاب، وما كنا بعيدين عن تحولها من اللسان والبنان والبيان لليد والتفجير والتكفير، وكان درسًا أليمًا للشاب المتطلع حديث العهد بما استجد في عالم بني أبيه، الذين تبدلت مجرياتٌ كثيرة خلال غيابه عن الوطن أوائل الثمانينيات.

* * كان يكفي أمام هذا المعترض إعادتُه لكتب التراث التي لا تخلو من بعضها مكتبات الجوامع والمعاهد الدينية، وكان من الممكن استثمارُ هذه القصة في دولةٍ شيوعية «حينها» لتأكيد قيم الدين المستترة أمام مناهج الإلحاد المعلنة، وكان من الممكن أكثرَ من ذلك نشرُ اعتراضه مكتوبًا على صفحات الجريدة، لكن الزمن الصعب يخلقُ العي ويخنق الوعي.

لم تكن هذه الحكايةُ كافيةً لتعليمه درسًا مهمًّا حول الدوائر المقفلةِ أمام الإبداع بل أمام الرأي المجرد حتى كان شاهد عيان على حكايةٍ أخرى سعت للتغيير بالعصا والعِصابة، كما سيأتي.

Ibrturkia@gmail.com twitter:@abohtoon

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة