Culture Magazine Thursday  24/11/2011 G Issue 353
ترجمات
الخميس 28 ,ذو الحجة 1432   العدد  353
 
جائزة البوكر يفوز بها صاحب مقولة «كاتب رديء أفضل وأهم من ناقد ممتاز»
جدل نقدي حول معيار تقييم روايات البوكر يؤدي إلى انبثاق جائزة منافسة جديدة
ترجمة وتعليق: حمد العيسى

أخيرا فعلها جوليان بارنز وفاز بجائزة مان بوكر (البوكر) المخصصة للرواية باللغة الإنجليزية لعام 2011. هذا الانتصار المستحق جاء بعد واحدة من أصعب التصفيات والمنافسات وأكثرها مرارة للجنة التحكيم في تاريخ الجائزة ليس فقط من قبل مرشحي القائمة القصيرة، ولكن أيضا من المعلقين والنقاد المستائين والمتشوشين الذين اتهموا لجنة التحكيم بتقديم الشعبوية (كما سنشرح لاحقا) على الجودة الفنية الحقيقية.

ولكن القليل فقط من هؤلاء المستائين يمكنهم أن يدعوا أن رواية بارنز الفائزة ليست عالية الجودة. فقد قالت رئيس لجنة التحكيم لهذا العام الروائية الإنجليزية السيدة ستيلا ريمينغتون والتي شغلت سابقا منصب المدير العام للمكتب الخامس (المخابرات الحربية البريطانية MI5) عن الرواية الفائزة: «إنها تحمل علامات الأدب الإنجليزي الكلاسيكي ومكتوبة بشكل رائع ومحبوكة بمهارة تجعلنا نكتشف أعماق جديدة لها مع كل قراءة».

والسيدة ستيلا ريمينغتون هي روائية إنجليزية من مواليد 1935. حصلت على شهادة جامعية في تخصص «إدارة الأرشيف» عام 1958 ثم سافرت إلى الهند عام 1965 مع زوجها الذي عين مستشارا اقتصاديا للمندوب السامي البريطاني وهناك عملت كمساعدة للسكرتير الأول للمندوب السامي واكتشفت بالصدفة أنه ممثل جهاز المخابرات الحربية البريطانية في الهند وتعلمت كيفية التعامل مع الوثائق السرية لذلك الجهاز. وبعد عودتها إلى لندن مع زوجها عام 1969، تقدمت بطلب للعمل بصورة رسمية مع جهاز المخابرات الحربية وبالفعل تم قبولها وعملت بجد حتى وصلت لمنصب نائب مدير جهاز المخابرات الحربية وسافرت عام 1991 إلى موسكو في زيارة صداقة وتعارف مع عدوها السابق كي جي بي. وفي عام 1992 حصلت على ترقية لتصبح أول امرأة تصل لمنصب مدير جهاز المخابرات الحربية ولكنها تقاعدت عام 1996. وكانت شخصيتها سرية طوال عملها في المخابرات الحربية حتى استطاعت الصحافة البريطانية تحديد هويتها ونشر صور لها لاحقا. وبعد تقاعدها أصدرت ثماني روايات وسيرة ذاتية صريحة وجريئة بعنوان (السر المكشوف: مذكرات مديرة سابقة للمخابرات الحربية).

لجنة التحكيم لعام 2011 تتكون من ستيلا ريمنغتون والنائب البرلماني كريس مولين، والروائية سوزان هيل، والناقدة غابي وود رئيس قسم مراجعة الكتب في صحيفة ديلي تلغراف اللندنية. وقالت ريمنغتون: لقد استغرق الأمر من لجنة التحكيم 31 دقيقة فقط لاتخاذ قرار بشأن الفائز. وبعد ما وصفته ريمنغتون بمناقشة مثيرة للاهتمام، انقسمت اللجنة 3-2 في بداية الاجتماع النهائي لتحديد الفائز، ولكن بعد نقاش قصير اتفقوا بالإجماع على فوز رواية «الإحساس بنهاية» لبارنز. وقالت ريمنغتون: لم تسل دماء على السجادة، ولم ينفجر أحد الأعضاء في نوبة غضب، وخرجنا من الاجتماع ونحن نتمتع بصداقة وطيدة وسعداء بالنتيجة.

معظم الخلاف والجدل حول القائمة القصيرة نتج عن إصرار ستيلا ريمينغتون على وضع معيار «المقروئية» Readability في قمة معايير التحكيم للروايات الست في القائمة القصيرة. والمقروئية تعني أن تكون الرواية سهلة وممتعة للقارئ. ولعل معيار المقروئية هو ما قصده المعلقون والنقاد الغاضبون بالشعبوية أي مغازلة القراء باختيار رواية سهلة القراءة والفهم بعيدا عن الغموض والرمز. ولكن ريمينغتون قالت في حفل إعلان نتيجة الجائزة: الليلة ومع رواية «الإحساس بنهاية» أصبح عنصر «الجودة الفنية» على نفس القدر من الأهمية لعنصر «المقروئية».

وأضافت ريمينغتون في كلمتها: إنه كتاب سهل وممتع Readable، إذا جاز لي استخدام هذه الكلمة، بحيث لا يشجع على قراءته مرة واحدة بل مرتين وحتى ثلاث مرات. وأشارت إلى أنه مكثف بشكل لا يصدق ويحتوي هذا الكتاب الصغير حجما على قدر كبير من المعلومات التي قد لا تكفيها القراءة الأولى.

وانزعج العديد من المعلقين بسبب قول عضو لجنة التحكيم النائب البرلماني كريس مولين بأن الكتاب يجب أن يكون قادرا على «سحب رجل القارئ» نحوه بسرعة لكي يكون جديرا أن نقيمه. كما اتهم رئيس لجنة التحكيم للبوكر في العام الماضي أندرو موشن لجنة التحكيم الحالية بأنها خلقت «فصلا كاذبا» بين الرواية «عالية التقنية» من جهة و«المقروئية» من جهة أخرى. وتساءل موشن عن غياب مؤلفين مثل ألان هوللينغهرست وسانت ادوارد وآلي سميث.

وقد أدى الخلاف والجدل حول معيار المقروئية أيضا إلى إعلان مجموعة من الناشرين والكتاب والوكلاء الأدبيين عن خطة لإنشاء جائزة منافسة باسم الجائزة الأدبية The Literature Prize من شأنها مكافأة عنصر التميز الفني والجمالي للكاتب أكثر من عنصر المقروئية. ولكن لم تعلن تفاصيل كاملة لجائزة الأدب المزعومة حتى الآن إلا أن الوكيل الأدبي أندرو كيد وهو عضو في اللجنة التي تضع خطة الجائزة الجديدة قد قال: «إنه شارك في التخطيط للجائزة الجديدة لأنه يشعر بأن فراغا قد انفتح لجائزة جديدة تعتمد على معيار التميز الفني لأن البوكر لا تفي بهذا الغرض».

ومع ذلك، ليس الجميع غاضبون من القائمة القصيرة للبوكر. باعة الكتاب، على وجه الخصوص، كانوا سعداء مع تلك القائمة التي سجلت رقما قياسيا في المبيعات كتب القائمة القصيرة للبوكر منذ تأسيس الجائزة عام 1968. ووصف جون هاول المتحدث باسم مكتبة ووتر ستون الكبرى رد الفعل النقدي بأنه «تربص وقح» وأكد أن بارنز كان يستحق الفوز. وفي كلمته، شكر بارنز لجنة التحكيم لحكمتهم والراعين على الشيك الدسم (50,000 جنية إسترليني أي 78,000 دولار). كما قدم بارنز بعض النصائح للناشرين الذين حضروا الحفلة: «أولئك الذين شاهدوا كتابي، مهما كان رأيهم في محتواه فإنهم على الأرجح سيوافقون أنه كائن جميل الشكل ولهذا أود شكر مصممة الغلاف سوزان دين التي تعتبر أفضل مصممة كتب في لندن. وإذا كان «الكتاب الورقي»، كما صرنا نسميه، يريد مقاومة تحدي الكتاب الإلكتروني، فيجب أن يكون كائنا جميل الشكل بحيث يستحق الشراء وبالتالي يستحق أن نحتفظ به».

واعترف بعد ذلك بارنز بشعوره بالارتياح في الفوز في النهاية وبعد ثلاث محاولات فاشلة وصل فيها لقائمة بوكر القصيرة وقال: «لم أكن أريد أن أحصل على جائزة بعد ذهابي إلى قبري» وذلك في إشارة إلى الروائية البريطانية الراحلة ديم بينبريدج (1932- 2010) التي وصلت لقائمة بوكر القصيرة خمس مرات ولم تفز، ولكن البوكر منحتها بعد وفاتها جائزة تكريم خاصة عن مجمل أعمالها في مطلع عام 2011. وقال بارنز إن الجدل حول معيار «المقرؤية» كان مصطنعا ولم يشغله مطلقا. وأضاف بارنز: معظم الكتب العظيمة تتمتع بسمة المقروئية. وجميع كتب القائمة القصيرة خلال السنوات العشر الأخيرة التي قرأتها كانت لا تتميز سوى بالمقروئية.

بارنز سبق أن شبه جائزة البوكر بألعاب القمار أو اليانصيب وقال إنه لم يغير رأيه لأن الأمر ببساطة - بحسب بارنز - يعتمد على شخصيات أعضاء لجنة التحكيم وماذا يحبون. وأضاف إن جائزة بوكر تميل لدفع المشاركين فيها نحو شيء من الجنون على الأقل بالنسبة للكتاب الذين لديهم هوس بالأمل والشهوة للشهرة والجشع المادي. ولذلك فإن أفضل وسيلة للبقاء عاقلا كما قال هو أن تعتبرها مثل اليانصيب حتى اللحظة التي تفوز بها وعندها سوف تدرك أن المحكمين هم الأكثر حكمة في الأدب المسيحي. وعندما سئل عن كيفية إنفاق الجائزة، قال إنه يحتاج بشدة لسوار (سير) جلدي جديد لساعته القديمة ولكنه استدرك بسرعة: «ههه، بل يمكنني شراء ساعة كاملة جديدة»!!!

الكتاب الفائز يقع في 150 صفحة، هو بلا شك قصير، ولكن ليس أقصر كتاب على الإطلاق يفوز بالجائزة. أقصر كتاب فاز بالبوكر هو (أوف شور) الذي فاز في عام 1979 بالبوكر للروائية البريطانية بينيلوبي فيتزجيرالد (1916- 2000) والذي يقع في 141 صفحة.

«الإحساس بنهاية» هي الرواية رقم 11 لبارنز وتدور حول استكشاف الذاكرة: كيف يمكن أن تكون مشوشة، وكيف نعدل الماضي ليتناسب مع رغبتنا. وهي تحكي القصة من خلال ما تبدو أنها حياة تافهة ومملة لتوني ويبستر وهو موظف مسؤول عن متحف فنون. تقول ستيلا ريمنغتون: «أحد الأشياء التي يناقشها الكتاب هو الجنس البشري. لا أحد منا يعرف تماما من نكون. نحن نقدم أنفسنا بجميع أنواع الطرق، ولكن ربما هذه الطرق التي نقدم بها أنفسنا ليست الطرق التي تمثلنا في الواقع». وقالت ريمنغتون «إن مسألة ما إذا كان فوز بارنز بالجائزة قد تأخر لم تفكر فيها على الإطلاق ولم تبرز في النقاش. وأضافت: لقد كنا حقا نقيم جميع الكتب التي أمامنا بدون اعتبارت مسبقة وأنا أعلم أنكم قد تجدون كلامي هذا مملا جدا وعصيا على التصديق». وعلى الرغم من ردود الفعل العنيفة على القائمة القصيرة، قال ريمنغتون إنها استمتعت بعملية التحكيم وأشارت إلى أنها خاضت العديد من الأزمات في حياتها سابقا أهلتها لخوض عملية التحكيم للبوكر بدون صعوبة. وأكدت أن النقاش في اللجنة كان مثيرا ومصدرا للبهجة لها ولزملائها وخاصة حقيقة كون عمل اللجنة يحتل مانشيتات الصحف.

وكان بارنز (65 عاما) قد وصل إلى قائمة البوكر القصيرة ثلاث مرات سابقا (1984، 1998، 2005). وما كان لافتا بوجه خاص هذا العام هو أن بارنز كان المرشح الوحيد على القائمة القصيرة الذي يتمتع بشهرة كبيرة، والمؤلف الوحيد الذي وصل للقائمة القصيرة من قبل. ومن المعروف أن بارنز كاتب جدلي مشاكس وجريء ومتمرد للغاية حيث اشتهرت مقولته: «كاتب رديء أفضل وأهم من ناقد ممتاز» التي يبررها بأن النقاد يعملون في الغالب على تعزيز «سوء فهم» القارئ للكتب التي ينقدونها. كما نشر بارنز سيرته الذاتية عام 2008 بعنوان «لا شيء يخيف» التي بدأها بعبارة مرعبة: «لا أؤمن بالله، ولكنني أفتقده»!!!! ولكن إذا كان ثمة أحد ينبغي أن يغضب لهذا الفوز، فإنه قد يكون مكتب المقامرة الذي تخصص في ترتيب المراهنات على نتيجة هذه الجائزة والذي قال متحدثه الرسمي وليام هيل إن أكثر من نصف كل الرهانات كانت لصالح بارنز بنسبة تفضيل 6 إلى 4. كتب هذا التقرير نقلا عن مصادر عديدة منها: الغارديان والتلغراف و«بي بي سي نيوز».

hamad.aleisa@gmail.com المغرب

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة