Culture Magazine Thursday  24/11/2011 G Issue 353
فضاءات
الخميس 28 ,ذو الحجة 1432   العدد  353
 
صدى الإبداع
الخطاب النقدي الحديث(2)
سلطان القحطاني

تحدثنا في الحلقة الماضية عن دور الصحافة العربية التي كان لها وكلاء في كبريات مدن الحجاز، وكان حظ منطقة الخليج العربي من هذه الصحف والمجلات لا يقل عن زميلاتها في الحجاز، وكانت الصحافة تصل إلى كل مكتبة في الخليج العربي، في البحرين والقطيف والأحساء والكويت، وكان دور مكتبة التعاون الثقافي في الأحساء معروفاً عند أدباء المنطقة كله التي أسسها الشيخ عبد الله الملا في منتصف خمسينيات القرن الماضي بما يصلها من مؤلفات وصحف، حتى لو تأخر وصولها، فالصحافة الأدبية ليس لها وقت محدد. وكان الكتاب والنقاد يبعثون بمقالاتهم إلى الصحف والمجلات من مسافات بعيدة لنشرها، فهذا الكاتب الناقد علي العمير يبعث مقالاته من جازان في أقصى الجنوب السعودي لتنشر في مجلة المنهل وباقي الصحف، وابن الرومي يبعث مقالاته النقدية إلى صوت الخليج ليرد بها على بعض الكتاب(9)، وحمد الجاسر وعبد الكريم الجهيمان وحسن الهويمل يبعثون بمقالاتهم إلى المنهل والرائد والبلاد والخليج العربي، وغيرها، وكذلك بقية النقاد والكتاب والقاصين. إذن كانت الصحافة هي الواجهة الأولى لظهور النقد الأدبي في بداياته، و ما تزال إلى اليوم هي الواجهة لظهور الناقد والكاتب على وجه الخصوص.

2- الصحافة الأدبية

وقد ركزت تلك الصحف والمجلات التي ذكرتها جل اهتمامها أو كله على الأدب والنقد وأثرت الخطاب النقدي، وقد تحدثنا فيما سبق عن مجلة المنهل ودورها في ذلك الشأن، ولا ينكر أحد من الدارسين والمتابعين دور الصحافة الأدبية، والصحافة في مجملها أدبية قبل أن تكون خبرية. وفي هذا المقام وجدت أن من الواجب علي- كباحث مختص في النقد الأدبي- أن أعطي لمحة سريعة عن الصحف والمجلات التي صدرت في العهد السعودي، وما يزال بعضها إلى اليوم يواصل نشاطه الثقافي، ويثري الخطاب النقدي، قبل أن أشير إلى ما صدر في الصحافة الأدبية من نشاط نقدي كان هو المحور الرئيس لأي باحث في تاريخ الأدب النقدي الحديث؛ وسأترك نصوص الخطاب النقدي وقد أحصاه المؤلفون والباحثون في تاريخ الحركة الأدبية (10) مشيراً إليها فيما بعد، ولم يكن إقليم الحجاز معزولاً عن النهضة العربية التي ظهرت في مصر بعد الغزو النابليوني، وبلاد الشام التي دخلها التعليم الأوروبي مبكراً، وظهرت فيها الطباعة، واشتهر منها مجموعة من الروائيين والنقاد في وقت مبكر، إلا أن الظروف السياسية لم تعطهم ما كانوا يأملون من تقدم في النشر، فهاجر بعضهم إلى مصر، وأسسوا الصحف والمجلات، بجانب المسرح والفنون التشكيلية، والمجالس الأدبية، وهذه أمور أصبحت في متناول أيدي الباحثين والمثقفين، واقتدى بها كل مثقف في البلاد العربية، وتتلمذ على مؤلفاتهم كثير من أبناء البلاد العربية، وخاصة المجاورة التي حظي بها إقليم الحجاز، وأسست الحكومات التي سبقت العهد السعودي بعضاً من الصحف، مثل العثمانيين والهاشميين (11)، وكانت الخبرة الصحافية موجودة عندما انضم إقليم الحجاز إلى بقية أقاليم الجزيرة العربية التي وحدها الملك عبد العزيز، الذي قدر بحكمته السياسية الاستفادة من الرجال الذين خدموا في العهدين السابقين، أحدهما أو كليهما، والاستفادة من التجهيزات التي كانت مملوكة للعهدين السابقين (العثماني والهاشمي)، ومن الصحف التي كانت تتصدر الصحافة بحق في العهد السابق، صحيفة القبلة، التي رغب الملك عبد العزيز في بقائها جريدة رسمية للبلاد، مع تغيير اسمها إلى أم القرى، والاستفادة من تجهيزاتها، ومن الفنيين الذين كانوا يديرونها، وظلت هذه الجريدة الوحيدة في الميدان على مدى ثماني سنوات لم يظهر في الحجاز ولا في غيره من أرجاء المملكة صحيفة واحدة، حتى ظهرت صحيفة صوت الحجاز، على أيدي مجموعة من الشباب الحجازي، ومنح ترخيصها للشيخ محمد صالح نصيف، الذي كان يحرر صحيفة بريد الحجاز، في عهد الشريف علي بن الحسين ، ثم توقفت بعد رحيل الهاشميين، وكان للشيخ محمد صالح نصيف دور يذكر في عالم الصحافة السعودية، بما يملك من خبرة اكتسبها من الصحيفة السابقة التي لم يطل عمرها أكثر من عام ونصف تقريبا، حيث أعطى مساحة للأدب على صفحاتها القليلة، وظهر نجم محمد حسن عواد شاعراً ناقداً لتصرفات الحسين الذي كان يؤمن بالسحر والرمل، ويودع خصومه غياهب السجون، وقد هزأ به العواد في قصيدته المعروفة( وخز الضمير)ونقده نقداً شديداً في تلك القصيدة التي يقول فيها على لسان علي بن الحسين:

وقيل إني ساحر ماهر

أو ملك أو شاعر في إيهاب

فذاب هذا كله في يدي

رباه، رباه ألا كيف ذاب

وهذا التحول الذي طرأ على فكر العواد دليل وعي منه بأهمية المرحلة التي تمر بها البلاد، وأن وقت التغيير إلى الأفضل قد حان(12)، بينما كان قبل ذلك معجباً به، مناصراً لآرائه، وكان ينشر قصائده في بريد الحجاز ضد النجديين في بادئ الأمر، ويتساجل مع الشاعر محمد بن عبد الله البليهد، شاعر نجد الكبير كما يسميه بعضهم، واشتهرت قصيدة العواد التي مطلعها:

حدثيهم عن بأسنا يا حراب

وأذقهم نكالنا يا عذاب ،

ضد النجديين، حسب تعبير بعض الباحثين(13) قبل أن تتضح له فجاجة فكر الحسين وأن المرحلة القادمة أفضل، وكان يراسل تلك الجريدة الشاعر أحمد إبراهيم الغزاوي، الذي كان يقيم في بور سودان، إبان تلك الظروف، وتنشر له الجريدة قصائده، قبل أن يعود ويحصل على لقب ( شاعر الملك)، وعندما أنشئت صوت الحجاز، في سنة 1932م، كان من الأولى أن يكون للعواد على صفحاتها نصيب كبير، فهو أشهر ناقد وشاعر حديث في ذلك الزمن، وكان يكتب في جريدة صوت الحجاز تحت عنوان ثابت، هو (تأملات في الأدب والحياة)، تناول فيه كل ما صدر في الساحة الأدبية من شعر ونثر ومقالات، كانت نتيجتها خصومات مع عدد كبير من المبدعين والباحثين والشعراء، لكنه لم يلق لكل ذلك بالاً، فكان هم الخطاب النقدي عنده أكبر من هم النظر فيمن يغضب أو يرضى، كان من أبرز ما تناوله في نقوده المستمرة في صوت الحجاز، أعمال عبد القدوس الأنصاري الإبداعية ، روايته( التوأمان) وقصته القصيرة (مرهم التناسي)، والتي كان يسميها حيناً رواية وحيناً قصة، ولم يفرق بينهما وتعدى فيها حدود النقد الموضوعي إلى النقد الشخصي (14)، وفي ذلك الوقت لم تتضح الصورة بين الرواية والقصة القصيرة، ولم يراع فيها الظرف الزمني لظهور خطاب نقدي في بلد لم تتجاوز فيه نسبة التعليم والثقافة الربع، بل إن الأمية تغطي كل سكان بعض أقاليمه، وذلك ما سبب قلة الثقة في النفس التي جعلت معظم النقاد والكتاب على حد سواء يوقعون مقالاتهم بأسماء مستعارة، ومنهم العواد نفسه (15)، الذي كان يرمز إلى نفسه في بادئ الأمر بتوقيع( الأخطل الصغير) فهو من محبي شاعر الهوى والشباب، بشارة عبد الله الخوري(1885-1967)، المعجب بالأخطل التغلبي، وكانت خصوماته قد انتشرت على صفحات الجرائد، ومنها تأسست مدرسة نقدية حديثة، سميناها مدرسة مكة المكرمة، وله فيها أتباع كثير كانوا يناصرونه في معاركه الأدبية (16) كان يقابلها مدرسة المدينة المنورة بريادة عبد القدوس الأنصاري، الذي أسس مجلة المنهل سنة1937 في المدينة المنورة، وجاء صدورها تلبية لرغبة مؤسسها الذي جعل شعارها «مجلة للآداب والعلوم والثقافة»، وهي – بحق- أول مجلة أدبية فتحت أبوابها لكل عنصر من عناصر الأدب ونقده.

وكان حماس الأنصاري الشديد نحو تطور الأدب المحلي، واهتمامه به وبالأدباء من الشيوخ والشباب عامل دفع لمحاولة إنتاج أدب بمعنى الكلمة يكون صالحاً للتصدير بعد أن كان يستورد فقط، وبجانب ما كانت تقوم به المنهل من استطلاعات أراء الأدباء حول مصير الأدب المحلي كان نصيب الخطاب النقدي جيداً، فقد كانت مشاركات كبار النقاد والدارسين حاضرة بفضل تشجيع رئيس تحريرها وصاحبها عبد القدوس الأنصاري، فكان من أبرز من كتب فيها نقداً ودراسة عبد الله عبد الجبار، وإبراهيم هاشم فلالي، ومحمد سعيد العمودي، ومحمد علي مغربي ، وحسين سرحان، وغيرهم والحديث بقية في الحلقة القادمة..

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة