Culture Magazine Thursday  24/11/2011 G Issue 353
فضاءات
الخميس 28 ,ذو الحجة 1432   العدد  353
 
الصورة العاصمة
فيصل علي أكرم

عرضت قناة (ميدل تي في) برنامجاً وثائقياً استعراضياً يحكي ويصوّر مدينة (بيروت) على مراحل تاريخها القديم جداً ثم القديم ثم الحديث ثم الحديث جداً، وجاء البرنامج في ثلاث ساعات تقريباً متضمناً شهادات لرموز بيروت المعاصرين من الأدباء والفنانين والسياسيين اللبنانيين، كوديع الصافي ومارسيل خليفة ومحمد الأمين ورشيد الضعيف وغنوة جلول ووليد غلمية وجورج قرم وغيرهم..

كان البرنامج غنياً جداً ويحيط ببيروت من كل الجوانب، وكان المتحدثون – وهم أهل بيروت وصناع مجدها الحديث – يحاكمون عاصمة بلادهم على ذنوب ارتكبت على ترابها بكل قسوة، ويعاقبونها بمزيد من المحبة العاتبة الغاضبة..!

ولم أستطع وأنا في نشوة متابعتي للبرنامج إلاّ أن أصفق كفاً بكف حين تذكرتُ برنامجاً مشابهاً (في الفكرة لا المضمون) سبق أن قدمته قناتنا (الثقافية) عن عاصمتنا الرياض، بدأ وانتهى بعبارات من نوعية: (الرياض من أجمل مدن العالم)، وكان المتحدثون من عابري السبل بسياراتهم في الشوارع أو الشباب المجتمعين في بعض المقاهي وتتضح في عباراتهم الصياغة المسبقة والقراءة من ورقة وضعت أمام أعينهم!

وبما أن (الضد يظهر حسنه الضدُّ) فإن ما ظهر من (حُسنٍ) في العاصمتين العظيمتين (بيروت المتعددة المتسامحة، والرياض الواحدة المحافظة) شيء يفوق مقدرة العقل على التمييز..

فمثقفو بيروت – وكلنا نعرف ما بيروت – يصفونها بالمدينة (الفارغة) من الأماكن التي تليق بماضيها وأمجادها، على رغم أن لا شبر في أرض بيروت غير مكتظ ومكتنز بكل أغراض الثقافة والفن.. وفي المقابل نجد أن شبابنا يصفون الرياض التي أكثرها فضاء لا يستغله سوى الغبار بأنّ: (كل شبر في مدينة الرياض يسحرك بجماله)!

ربما، فكل شيء يجوز في قناتنا (الثقافية) طالما أنه يمدح في ذواتنا ويخفي عيوبنا، ولكن: هل ذلك في صالحنا وصالح عاصمتنا الرياض؟

ذلك هو السؤال الذي يحتاج إلى مستشارين أكفاء (بتخفيف الفاء لا تشديدها!) يعملون في تلفزيوننا العزيز ويجيبون عنه إجابة صحيحة وصحية حتى نستطيع أن نقف على النقطة الواقعة تحت أقدامنا تماماً بدلاً من الشرود إلى أوهام تمسح كل شيء من حولنا وتجعل من ملامحنا عدماً ومن مواضع خطواتنا سراباً لا يروي شيئاً من العطش الذي تمتاز به عاصمتنا عن غيرها من العواصم..

فالكلّ يعمل بحسب قدراته على النهوض بواقعنا، ولكنّ الإعلام لدينا يصرُّ على تزييف الواقع.. ومعنى أن يتم تزييف الواقع هو أن يتم تزييف النهوض به أيضاً، وهذا ما لا يرضاه أحدٌ من المخلصين..

ولعل هذا ما جعل إمام المسجد الحرام الشيخ سعود الشريم يقول في خطبة عيد الأضحى الأخيرة: (إن الأمّة المسلمة إذا أرادت الاستقرار الأمني والأخلاقي والسياسي والإعلامي فيجب عليها أن تكون صريحة مع نفسها معترفة بأخطائها عازمة على المضي قدماً في كل ما من شأنه سد ثغرتها ولم شعثها واجتماع فرقتها، ولن يكون ذلكم دون وضوح، كما أنه لن يتم من خلال مبدأ القائل: أصمّ عن الأمر الذي لا أريده، وأسمع خلق الله حين أشاء..)

إلى أن يقول الشيخ في خواتيم خطبة العيد الكبير: (فاحرصوا على الإعلام، لأنه قوام المجتمعات ومرآتها ومن أراد أن يرى حسن صورته فلا ينظر إلى مرآة متهالكة)..

وربما (النظر إلى مرآة متهالكة) هو ما جعل الفضاء الإعلاميّ يخرج لنا كل يومين قناة (معارضة) تظهر بوجه (قول الحقيقة) بينما هي في حقيقتها (تقلب الدنيا) أو هكذا تريد..

فيا إعلامنا الرسميّ – الثقافيّ تحديداً: قدّم الصورة (الحقيقية) للعاصمة – كمثال – حتى يستطيع كلٌّ من موضعه أن يجعلها (صحيحة)، فلا أحد يستطيع أن يصحح شيئاً ما لم يره على حقيقته الكاملة ويتأمله من الأوجه كلها..

ffnff69@hotmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة