Culture Magazine Thursday  24/11/2011 G Issue 353
فضاءات
الخميس 28 ,ذو الحجة 1432   العدد  353
 
تهميشُ المرأة بين التنوير والتزوير
ياسر حجازي

أينعتُ النتائجُ التي دلقتها انتخابات الأندية الأدبيّة غابة أسئلة وملاحظاتٍ؛ يهمّني منها ها هنا, (واقعة: تهميش المرأة الأديبة/ المثقّفة وحجبها عن منصبي الرئاسة والنيابة في مجالس الإدارات ذات الأغلبيّة الذكوريّة).

والخسارةُ (هنا/ والآن) لا تنحصر على تهميش المرأة وإقصائها عن المناصب القياديّة، بل تتعدّاها إلى المعاني التي تبثّها تلك النتائج، (وهذه خسارة أعنف) إذْ تضربُ مصوّغ وجود الأندية، وتعرّي عجزها عن الإيمان ببديهيّات الثقافة التنويرية المناهضة لسياسات التمييز الجنسي، وتبشيرها -غفلاً أو قصداً- (بثقافة مزوّرة)، فالطبقة المفترض بها أن تسعى لتحرير المجتمع من أغلاله وأوهامه وصولاً إلى مفهوم المواطنة، كشّفتْ طائفة منهم عن غاياتها الإقصائيّة (في أوّل امتحانٍ لها) وعمّا يكبّلها من ثقافة التزوير، كأنْ لم يَمْسَسْها من الثقافة التي تدّعيها مسّ تنوير، وبقيت تلوذ (بطوطمها) عصمة لغاياتها وأطماعها.

وإمعاناً في تأصيل التهميش، خرجت النتائج بصورة من (التشابه) لم يكن يتوقّعها أكثر المراقبين تشاؤماً؛ إذ إنّ هذا التشابه العمومي/ الشمولي في الإقصاء والتهميش يُخرج مدلولات ومعان تُعَمَّمُ على مَنْ خاضوا التجربة الانتخابيّة؛ فنحن أمام (واقعة/ حالة) من التماثل توسوس قرائنها ودلالاتها أنّ ثمّة مساع ٍخفيّة أو ذهنيّة تتحكّم بها مرجعيّتها (النسقيّة) أخرجت هذه النتائج المتشابهة، لتضعنا أمام سلّة ملاحظات وتساؤلات:

* هل غلبة الذكوريّة نتاج تصوّر ورؤية مُسبقةً عملت لاستنساخ شكل واحد تقليديّ (وهذا فساد)، أم هي مُنتجُ ثقافة مرجعها أنّ الناخب لم يتثقّف بما يؤهّله أن يرى التوازن النسبي ضرورةً لإنجاح التجربة، وانساق وراء مرجعيته النسقيّة/ العرفيّة؛ (وهنا الأخطر، لأنّها رجعيّة وردّة جاهليّة)، حينذاك، فإن التماثل في النتيجة أصابَ جميع الجمعيّات أنّها ذات مرجعيّة إقصائية/ تهميشيّة، لا تقبل رئاسة المرأة لأنديتها، وترى في ذلك فكراً خوارجياًّ.

* عدم تدخّل الوزارة والوكالة يُلقي أسئلة كثيرة تحتاج إلى مناقشات ومداولات بحوار صريح، يزيح ما تكدّس من غبار منذ بدء التجربة. (ما موقفها من هذا التهميش؟ ما رأيها في فكرة المحاصصة بين الجنسين؟)

* أن المرأة الأديبة/ المثقّفة لم تستطع تشكيل تكتّل نسائيٍّ يعصمها من رجعيّة أدعياء الثقافة. ولم يتّفقن فيما بينهن على مرشحاتٍ، يمثّلْنَ تكتُّلَهُنّ، ويفاوضنَ على أصواتهن مقابل مناصب قياديّة.

* بروز مفهوم التوافقية على مبدأ المحاصصة الانتخابية على نسبة العدد التمثيلي والمناصب القياديّة.

كُلّ مُمارسةِ إقصاءٍ (غير جنائيّة)، هي جناية عنصريّة وتمييزيّة وطبقيّة، أيّا كانَ ضربهُ: (فكراً، جنساً، عرقاً، معتقداً) وهي فسادٌ فكريّ وسلوكيّ يُعطّل الثقافة التنويريّة، ثمّ هيهات له أن يُلْغيها؛ ظنُّهُ -الذي يحسبه يقيناً- أنَّهُ يُقْصيها، والواقعةُ في هذا الفكر الإقصائيّ التهميشيّ الطاغي بالتمييز الجنسيّ: أنّ علَّةَ وجوده ليس مقصورة بمرجعيّته العُرْفيّة/ النسقيّة، بل أيضاً في ذاك المخالف، المُوارى، (المنبوذ)؛ فكلّ مرافعاتكَ لمناصرة مرجعيّتكَ ومواقفكَ لا تستقيم إنّ لم ترتكز على ندٍّ هو النقيضُ المكمّلُ، فحسبكَ أنّ وجودَكَ يستندُ إلى نقيضكَ، ومركزكَ واهنٌ دون أطرافِكَ، ومتنَكَ ناقصٌ دون هامشِكَ، فيما تزعم أنّه نقيضٌ وطرفٌ وهامشيٌّ، وأزعم أنّه النقيضُ الداخليُّ المتمّمُ والمجني عليه، فإمّا أَنْ يطفو بعد صراع (جوّانيّ/ مادي) بين الذات ونقيضها الآخر الداخلي، أو يتوهّن ضعفاً على ضعفٍ، انطفاءً حتّى يقضي عليه الآخر الخارجيّ فكراً واستحواذاً.

أيّ إقصاءٍ للمرأةٍ في المشروع الثقافيّ هو ردّة جاهليّة، تحتاج إلى (حرب) ثقافيّة تنويريّة تقفُ بوجه هذا الارتداد، لئلا يزوّر على أنّه سمةٌ و(سابقةٌ) تغلب الثقافة السعوديّة النخبويّة.

يقضي التمييز الجنسيّ في الثقافة التنويريّة على أيّ مشروع تعدّدي يسعى له التنوير؛ فما تهميش المرأة إلاّ إعلاء لمرجعيّة رجعيّة ذات نفوذ قبليّ، ولكم أنتَ خاسر في صمتك حيال هكذا استعلاء تمارسه طبقةٌ تدّعي انتماءً للاصلاح والتنوير، وأين هو إذن، وفق ثقافة تزوير تستند إلى هكذا مفاهيم.

عوّلت طائفة من المثقفين والأدباء والمفكّرين في جدّة وفي المناطق الأخرى، على صفحاتهم في الفيس بوك وتويتر والمواقع الاجتماعيّة الأخرى، أنّ لجدّة خصوصيتها التي تخوّلها للتخلّص من ذهنية الإقصاء والتهميش، أنّها المؤهّلة –دون سواها- لتزيّن ناديها برئيسة، تبارك المشروع الديمقراطي الثقافيّ وتُعمّده في باكورة أيّامه، (فالعصرة الأولى أمرّها وأغلاها)، إذ كنّا نرى على المرجّح الظنّي أنّ التوازن الذي اختلّ واعتلّ قد يُعدّل بحصول (أديبة مثقّفة جدّاوية) على رئاسة النادي أو النيابة على أقل تقدير، لكنّ شيئاً من هذا لم يحدث، وخرجت جدّة لتؤكّد أنّ أعضاء جمعيّتها لا يختلفون في ذهنيّتهم عن ذهنيّة شخوص المناطق الأخرى، فجمعيّتها لم تحقّق إلى حدّ ما التوازن التمثيلي (3:7)، ومجلسها الحاوي لأسماء جديدة اعتمد ذهنية التهميش أيضاً.

إنّ بعضاً من غايات هذا المقال أنّه يسعى لحثّ الوزارة والوكالة معاً، للتدخّل في المجالس (المنتخبة) في الانتخابات المتبقيّة في (الطائف، الشرقيّة، الحدود الشمالية)، للإيعاز للمنتخبين بإلغاء التهميش والإقصاء من حساباتهم للمناصب القياديّة، بل تزكية (لمبدأ المحاصصة التوافقي)، تجنّباً للوقوع في شَرَك ما يسمّى (بالسابقة)، أيّ: خلو الانتخابات الأولى من وصول المرأة للرئاسة أو النيابة، إذّاك تتعثّر التجربة المستقبليّة بتجاوز (السابقة) التي تتحصّن بمرجعيّتها الآن، وغداً تزداد بطغيان (السابقة)، ولئن بقيت هكذا دون مطالبة من الأدباء والمثقّفين برفعها ومعالجتها من قبل الوزارة فإنها مستقبلاً قد تغدو من الثقل بحيث لا تستطيع حتّى مناقشتها فكيف بالمطالبة بإلغائها، في مجتمعات -يرحمكم الله- ما تزال بعض شرائحها تعتبر المرأة (....) ثمّة مقولة مفادها: (إنّ المرأة هي آخر معركة يخوضها الرجل السعوديّ التقليدي)، ولعلّ الدولة كانت دائماً هي الطرف الحاسم فيما يخصّ الحداثة الحياتيّة، المدنية، الإعلام، التعليم، الاختلاط في العمل، وكان طبيعيّاً على (الطبقة المثقّفة) أن ترافق مقرّارات الدولة، التي تحرص على انتزع حقوق المرأة من مجتمع ذكوريّ يرى فيها آخر معاقل شخصيته ورجولته وسلطانه.

لكنّ الفجيعة اليوم أنّ الطبقة المؤهّلة -أكثر من غيرها- بحماية حقوق المرأة، والتماشي مع رؤية الدولة بعد أن أزاحت الأوامر الملكيّة أيّ عائق أمامها بدخولها الشورى والبلديات، فإذا بالداخلين إلى الأندية الأدبيّة يتجاهلون المرحلة وقراءتها، وتغضّ الوزارة والوكالة (الطرفين) عن تلك الأوامر والتوجيهات.

ويتداول المنتفعون من إقصاء المرأة وتهميشها إشاعة تُفضي أنّ ثمة خطوط حمراء مرسومة بوجه المرأة تحولها دون الرئاسة والنيابة، وإنّا على الظنّ أنّ الوزارة أو الوكالة بمنأى عن هذه الرسمنة، فليس من غايتهما معارضة الأوامر الملكيّة، إنّما هي من عمل المنتفعين لتخلو لهم كراسيهم؛ والمرتجى من الوزارة مسح أيّ خطوط وهمية يرسمها التخلّف والرجعيّة، فرئاسة المرأة لأحد الأنديّة أو النيابة هو (استحقاق) أقل من عضويتها في الشورى، وهو خطّ أخضر، والمعوّل والمؤمّل ما زال في التجارب الانتخابيّة المتبقّية.

وما حدث في الأندية الأدبيّة حتّى الآن استقراء خاطئ، يخالف مساعي الدولة من جهة أخرى، والعاقبة على الريب: أنّ هؤلاء النفر غير مؤهلين باستحقاق المرأة، وأنّ (المؤمّل التاريخيّ) يقع على عاتق الوزارة، أن تتدخّل لحماية هذا الاستقراء.

إننّا بهذا المقال نشير إلى مخاطر وعواقب تسجيل (سابقة انتخابيّة) في التجربة الأوّلية، تُدرج ضمن مستوى السند أو العرف، وهو إقصاء المرأة كليّاً عن منصبي الرئاسة والنيابة، لعلّنا خيبتذاك نواجه اضمحلالا -نخشاه- لأيّ أمل في الثقافة التنويريّة على مستوى المؤسّسة الرسميّة! لكنّ طواف الانتخابات الطويل لم ينتهِ بعد، وما زالت الوزارة تملك الكلمة الفصل.

Yaser.hejazi@gmail.com جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة