Culture Magazine Thursday  24/11/2011 G Issue 353
أوراق
الخميس 28 ,ذو الحجة 1432   العدد  353
 
نعم.. لنا خصوصية ولا غرابة
فهد بن عبدالله العثمان

لقد كان التشريع الإسلامي رحمة من الله للعالمين؛ فقد جاء برفع الحرج، وبوضع الأغلال التي كانت عند من سبقنا من الأمم، فقال سبحانه {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وقال {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}. ولقد بين الله سبحانه في كتابه العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نعمة هذا التشريع، فقال {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}، فسمى سبحانه إكمال الدين بالنعمة التامة، وكيف بها لا تكون نعمة وقد نعتها الله بذلك؟

وإن الرحيم الرحمن - سبحانه - الذي أنزل كتابه ووصف نفسه بصفة الرحمة - وأكرم بها من صفة استهلت فضل تعلم القرآن - قال مبيناً الهدف الأسمى والغاية العظمى لهذا الكتاب العظيم {الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ} فالقرآن بتعليم ربنا لنا هو رحمة منه، وهذا هو المقصد الأعظم له. ولم تتوقف - أخي القارئ- نفحات الرحمة هنا، بل أُكملت بإرسال نبي الرحمة؛ ليكون خاتماً للأنبياء والمرسلين، فقال سبحانه {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}. ولقد كان علماء الشريعة في السلف والخلف يستلهمون من هذه النفحات الربانية والسنة النبوية هذه الرحمة، فاستنبطوا القواعد والأصول من نصوص الوحيين التي تدل على الرحمة والتيسير، فعرفها الجاهل فضلاً عن المتعلم، وما قاعدة (المشقة تجلب التيسير) و(إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل) وغيرها من القواعد الكثير بخافية عن أدنى مطَّلع في علوم هذا الشرع المطهر المحكم. وهذه الشريعة من رحمتها بالناس ذكوراً كانوا أو إناثاً قد كفلت حقوقهم، وحثتهم على التعاون فيما بينهم، فقال تعالى {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} بل حذرت من انتهاك حقوق الناس وظلمهم، فقال تعالى {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ}، ألا وإن من أعظم انتهاك لحقوق الإنسان هو ادعاء حق له، وتحميله هذا الحق حتى وإن كانت ظروفه وخلقته لا تتناسب معه. ولقد عفا الله عن كل شيء لا تحتمله طاقاتنا، فقال {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ}، وقال تعالى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى}، وللأسف تجد بعض الناس يأبى إلا أن يخالف هذه السنة الربانية، ويتصادم مع خلقته البشرية لافتراض حقوق أو واجبات لا يحتملها كثير من الناس، وكأنه هو الأدرى والأعلم بمآلات الأمور ومقاصد التشريع الإسلامي، ولهذا -أخي القارئ - يبعد أن يكون هناك تشريع أرضي أعلم من شرع الله عز وجل، ويبعد عن شريعة رب العالمين وأحكم الحاكمين أن يكون فيها خلل في نظامها وأحكامها، أو أن يكون هناك نسيان لحق أو حقوق متعددة - وهي الشريعة الصالحة لكل زمان ومكان -. لقد كان علماء الشريعة يحمون حمى الدين من كل متسلل يريد أن يفسده أو أن يريد ضرب الأدلة بعضها ببعض، وذلك بأن يلوي أعناق بعض الأدلة، أو يصر على إقرار حق لفرد وليس في مقاصد الإسلام وتشريعه ما يدل على زعمه، وكل هذا بدعوى منه أنه يريد الرحمة والعدل والمساواة، أو يتجاوز ذلك بمخالفته الأدلة الصحيحة الصريحة في الكتاب والسنة، وذلك بإعمال عقله وتقديمه على النص الواضح!! وهذا لجهله بهذا التشريع العظيم، ولو علم هذا المتسلل أنه بفعله هذا من يواجه؟ وفي أي شيء يُعبث؟ لما تحدث ببنت شفة فضلاً عن نشر المؤلفات والمقالات التي عبث بها بشريعة رب العالمين، علم ذلك أو لم يعلم. ولقد بيّن العلماء أنه ليس هناك عقل صريح يخالف نصاً صحيحاً، فلو صادم عقل ما نصاً صحيحاً بقصد أو من دون قصد فليعلم أنه بذلك إنما ورثه من إبليس - نعوذ بالله منه - فإنه لما قال الله له (اسجد) قال {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا}، فقدم عقله القاصر على الأمر الصريح من الله؛ فباء بالخسران الأبدي. وتأمل معي كتب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وكتابه (درء التعارض بين العقل والنقل) لتجد ما يؤكد ما قلنا. وبعد، أقول: فإن الرحمة في تطبيق الشريعة لأنها رحمة رب العالمين، فإن شرّعنا لأنفسنا رحمة منا فقد أبينا رحمة ربنا ورضينا بأن نوكَل إلى أنفسنا، وعندها لن يسأل عنا في أي واد هلكنا لأننا ضعفاء بالخلقة {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا}، فهل خلقتنا الضعيفة الهزيلة بأقدر وأعلم من الحكيم الخبير؟! ولهذا قال الله {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}. وما زالت بلادنا - بحمد الله - على مر الشهور والدهور محافظة على العهد بتطبيق الشريعة؛ فتوارث ملوكها العز والمجد؛ لأن آباءهم وأجدادهم ورّثوا الحكم بالشريعة، فكل تحديث وإصلاح متصل بأساس التشريع، وهو الرحمة، وما قرارات خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - إلا خير دليل على هذه الرحمة بهذا الشعب الكريم الوفي مع قيادته، سواء أكانت هذه القرارات للجنسين أم خاصة بالمرأة، وليس هناك قرارات لضمان حقوق المرأة إلا وترتبط بالضوابط الشرعية، كما ينص عليها في قرارات الملك الصالح. ألا فلتكف ألسنة العابثين ببلادنا وشريعتنا الذين ينقمون ويلمزون خصوصيتنا هذه ظانين أنها بدعة من البدع، وكأن هذه الخصوصية كالقيد الذي كبّل قوانا على السير في هذه الدنيا التي أباح الله لنا فيها ما يعيننا في معاشانا وما يسعدنا في آخرتنا، فإن أبى المتسللون هذه الخصوصية فقد انتزعوا الرحمة من أنفسهم قبل أن يطلبوها لنا. والله المستعان.

- الخرج

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة