Culture Magazine Thursday  24/03/2011 G Issue 336
فضاءات
الخميس 19 ,ربيع الثاني 1432   العدد  336
 
الملك فهد وطنياً وأممياً.. فهديون لا صحويون
محمد عبدالله الهويمل

العودة إلى أصولنا السعودية لفَهْم واسترداد مختطفاتنا الثقافية لا يعوز كبير رصد وتحسس؛ لأن الاختطاف نفسه كان علنياً وعارياً ومبتذلاً ومفاجئاً. ومن أكثرها اختطافاً مفهوم الوطنية الذي تحول من الوداعة السعودية إلى التوحش الليبرالي, وبات استيعابه والتفاهم معه يحتاج إلى مروض أسود لا إلى إنسان سعودي فطري يفهم الوطن ومترادفاته القاموسية: بلد, ديرة, أهل.. والمفاهيم المركزية للوطنية تُستوعب من أدبيات مؤسسي أي وطن الذين بذلوا نفيسهم في سبيل إرسال دعائمه وتوطيد أركانه, وفي طليعتهم الملك عبد العزيز - رحمه الله - وأبناؤه. والتفاعل مع أفكارهم وما طرحوه من كلمات وخطب يكشف المحددات الدقيقة للوطنية السعودية. وما يتجاوزها يصنف في خانة المخالف للسائد السعودي، ولاسيما أن هذه الخطب تمثل المشتركات السعودية اجتماعياً ودينياً وسياسياً.

الذي حرضني على كتابة كهذه هو اطلاعي العفوي على أحد مواقف الملك فهد - رحمه الله - بشأن الديمقراطية؛ ما يفيد بأن الديمقراطية لا تحقق السعادة للإنسان إنما الشريعة هي مصدر السعادة، وكان ذلك في أحد الكتب المعنية بالشأن الثقافي السعودي. ولم يكن ذلك مفاجئاً لدي؛ فمنهج الملك فهد وإخوانه هو موقف الثقافة السعودية التي نتنفسها. ولكن إعادة هذه التعاليم والمواقف المتعلقة بالمفاهيم الثقافية باتت أمراً ملحاً بعد أن تعرضت هذه المركزيات السعودية للاختطاف من أرباب الفطرية الوطنية السعودية المجسدة فيما خطه عبد العزيز وأبناؤه. ويتمثل الاختطاف وقطع الطريق على السعوديين المسلمين الطيبين في عملية الفصل السيامي بين الوطنية السعودية والرابطة الإسلامية، وما يتحايل الليبراليون في تسميتها ب(الأممية) تفادياً لأي مماسة كهربائية ب(الإسلامية) التي ستورطهم في جدليات يتعين عليهم تأجيلها تكتيكياً. وإن إعادة قراءة ما سطرته القيادة السعودية في الشأن السعودي والوطني سيسفر عن حقائق مهمة تتجه إلى أن ثمة انقلاباً حاداً ومعانداً تبناه بعض الليبراليين ضد هذه الأدبيات القيادية على أنها من أخطاء الماضي التي يجب تصحيحها دون تصريح ناصع، وهم الذين لم يتعودوا على أية نصاعة تجاه قرائهم.

ومن واجبي بوصفي متابعاً للحالة السعودية إثارة مقارنة ومفارقة بين مؤسسي الوطن والوطنية والانقلابيين عليهما، ليس للاستعداء والاستقواء بل لفهم المحددات لتلقي الوطنية وممارستها بعد أن دخلنا في نوبة من التشويش بين الطرح القيادي الخالي من المجازات والتنظير الحداثي الجاهد في إعادة صياغة المحددات على نحو مراوغ ومتحرش بالأممية أو الرابطة الإسلامية.

ولا تخلو هذه المقارنات من إعادة استحضار مفهوم الصحوة وعلاقته العضوية بالوطنية والأممية معاً، وأن التضادية الصارمة بين الوطني والأممي هي فكرة ذات استعدائية وأجندة سياسية مفضوحة تعريها التلقائية السعودية التي أكدت عليها خطب الملك الفهد وإخوانه. والمؤذي لأنصار التيار الحداثي الليبرالي أن الأيديولوجيات التي اتهموا الفكر (الصحوي المتطرف) بتسويقها موجودة بحرفياتها في كلمات الملك فهد رحمه الله، بل بدرجة أكثف؛ فهو - رحمه الله - يستحضر الباعث العقدي في كل مفاصل التنمية, ويحيل نجاحات التحديث السعودي إلى عوامل تنهض في طليعتها العقيدة الإسلامية كركن مدني, فحيناً يؤكد أن التمسك بالعقيدة سبب ازدهار، ويذكر بها في زيارته لجامعة البترول والمعادن (جامعة الملك فهد لاحقاً) وافتتاح مصفاة بترومين, حتى في خطاب له - رحمه الله - في اليوم الوطني وإلحاحه على البُعد الديني، وكأنه يوم إسلامي أخذ بعض الليبراليين في التحذير من هذا المزج الذي أكده رعاة الوطنية الحقيقيون (الملك فهد وإخوانه)، وهذه الأيديولوجية التي تدمج الوطني بالديني باتت محط تندر ومكافحة من لدن البعض منهم.

وفي موضع آخر وهو رحمه الله يحتفي برائد الفضاء الأمير سلطان بن سلمان يستدعي ويؤكد أن هذه الرحلة الفضائية ذات فائدة للعقيدة الإسلامية وللمملكة دون أي عزل ناعم أو حاد بين هذين التوأمين. وحتى في خطابه في الأمم المتحدة يذكر بالمبادئ الإسلامية في محفل غربي يدعونا البعض للتمثل بأنماطه السلوكية والأخلاقية ليقف الملك فهد على النقيض من المعادلة الليبرالية؛ فهو - رحمه الله - لا يشير إلى هذه المبادئ دفاعاً فقط بل دعوة ومفاخرة بها؛ فهي تُعدّ الحل الوحيد عنده لتحقيق السعادة للإنسان. ولعلي هنا أقف وأستوقف القارئ الكريم إلى بعض العبارات الموفقة من كلمات الملك فهد، التي تمثل خط العائلة الحاكمة منذ الملك عبد العزيز، وإبرازها في مواجهة الدعوة التغريبية والليبرالية المهيمنة على بعض مفاصل الثقافة والإعلام، التي ستستفز أيديولوجياتهم متذمرين: «يا ويلنا مَنْ بعث هذه الكلمات من مرقدها». وما يأتي بعض منها، فيؤكد رحمه الله أن «الدعوة السلفية رمز الإسلام الحقيقي ومظهره العلمي»، وموقف الليبراليين من هذه الكلمة أنها من احتكار الدين لو صدرت من غير قائلها ومقامه الرفيع. ويشير رحمه الله في موضع آخر إلى أن «العقيدة الإسلامية هي محور حياتنا»، وهذا مرفوض ليبرالياً بل يعتبر عندهم دعوة إلى إلغاء العقل والتقدم المدني. ويؤكد رحمه الله أن «الأخوة الإسلامية فوق كل اعتبار»، وهذا على النقيض من الوطنية الليبرالية القائمة على تقويض كل ما هو أممي «الأخوة الإسلامية». ومن وطنيته - رحمه الله - أن جعل من استيعاب العقيدة سبباً يقوم عليه الأمن في كلمة له أثناء زيارته جامعة الملك عبد العزيز، ثم ها هو يدافع عن مجتمعه إزاء الحملة الضارية التي ضاعفها التغريبيون لاحقاً بنفيه العقد النفسية عن المواطن السعودي أثناء استقباله رحمه الله الطلبة السعوديين للدراسة في الولايات المتحدة، بل ويستمر دفاعه عن المملكة ومن يربطها بالتخلف مؤكداً أننا نتهم بالتخلف بسبب تمسكنا بديننا، نافياً هذا في مواجهة صريحة إزاء من صرحوا علانية في كتاباتهم بهذا. ومن مظاهر تمسكه - رحمه الله - بالتصور الإسلامي بشأن الكوارث إرجاعها إلى الذنوب وربط جفاف السماء ومنع القطر بالمعاصي في تضاعيف كلمة له يدعو فيها المواطنين إلى صلاة الاستسقاء. وهذا التصوُّر مؤذٍ للتصور الليبرالي بشأن الكوارث؛ حيث يعزلونها عن الأيديولوجيا بحسب تعبيرهم، ويصفون قائلها بالمتشفي والحاقد. ولدي الكثير من إسلاميات الملك فهد وإخوانه لا يسعها المقام، ومن يقرأ لهم - رحم الله من مات وحفظ من بقي - سيجد نفسه أمام دعاة لفكر إسلامي سلفي ناصع لو صدر من غيرهم لاتُهم بالتطرف الصحوي.

إن إبراز خطب الملك عبد العزيز وأبنائه ودمجها في الحوار السعودي سيطرح تصوراً طهورياً عن الوطنية، وسيستعيدها من الذين اختطفوها منهم. ولعلي أتفرغ لاحقاً لخطب خادم الحرمين الملك عبد الله لتأكيد هذا النهج الفهدي الوطني الذي يتعرض لتحريف انتهازي من التغريبيين الذين يحاربون هذا اللون من الوطنية الممسوحة بالأممية الإسلامية، متورطين أمام هذه الخطب الملكية بتأويل ما لا يمكن إخفاؤه, وإخفاء ما لا يمكن تأويله. وكلمة الملك عبد الله الأخيرة وأوامره الملكية تأكيد على رفض التدخل الليبرالي الأحمر على تفسير السعودية الخضراء.

Hm32@hotmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة