Culture Magazine Thursday  24/03/2011 G Issue 336
أفق
الخميس 19 ,ربيع الثاني 1432   العدد  336
 
مقاربة
عبدالله الوشمي في ديوانه «شفاه الفتنة»:
في الديوان سيرة شعر مقتضبة تبرز أثرها الجمالي
عبدالحفيظ الشمري

يستهل الشاعر الدكتور عبدالله الوشمي ديوانه الجديد «شفاه الفتنة» بإيماء وصفي خاطف عن كينونة تعترينا منذ زمن ليس بقريب، لتكشف حذاقة الشاعر في قصيدة الاستهلال «صناعة « جانباً استدراكيا عميقا يفتت بعض فرضيات العادة ورؤى التقادم التي لا تزال قائمة.

للقصائد بعد استشرافي يحاذي عمق الوعي ولا يغرق في التفاصيل، لتصبح كل ومضة شعرية من قبيل الهاجس الجمالي الذي يبني وجوده في الذائقة، ويؤسس لحالة من الكشف والاستنطاق على نحو ومضة القصيدة «الخياط»:

«ينتشي

يبتدي .. ينتهي

ينتهي .. يبتدي

كلما شاء رسم الخيول

التي فوق صدرك مات المقص

وأوجعه ألف غصن ندي»

فالشاعر الوشمي ينتهج في ديوانه أسلوب تسجيل اللحظة التي تتكئ على حيزكبير من حكاية البوح، حيث يلامس أفق القصة المنتقاة والمشعرنة في البناء والجرس وحواف اللغة التي تبني للشاعرية أفقها في استلهام الصور المعبرة، لتتعاضد في هذا السياق الإفصاحي متعة البوح في حكاية الحب الأزلي.

القصائد في ديوان «شفاه الفتنة» بحث استنطاقي لِكُنْهِ العلاقة بين الإنسان ومحيطه، فالعلاقة التي يفترضها الشاعر تأتي جدلية وذات أبعاد مختلفة، ليسعى إلى تكوين فكرة واضحة وعبارة موجزة وحيز مقتضب يتضافر في بناء هذه الومضات التي تتراسل بشكل متناغم.

تظهرجل القصائد على هيئة لوحات معنونة، وكل لوحة ينضوي تحتها لواء من القصائد ذات العناوين المقتضبة، حيث ينشأ من هذا التأليف بين عنوان عام وآخر خاص بعد إلماحي لحالة المعالجة الواعية التي تلتقط من القضية بعدها الإنساني، ليزاوج بين فكرة القصة أو الحكاية القصيرة وبين ومضة الشعر التي تتسلح بالوعي ونقد الذات وما يحيط فيها من وقائع.

لوحة «الفصول» هاجس شعري يفتت حالة الشاعر الذي بدأ النقد وشارف على المكاشفة لهذا الفن الذي لم يعد ملكا لأهله ومريديه حيث باتت القصيدة حصانا بلا سرج أو جملا بلا خطام أو بيتا بلا باب يقي فضول الآخر:

«كيف تقرأ

معنى القصيدة

والليل فوضى

وأشرعة الحب ملأى

هنا قبلة

وهنا ألف سر»

ومن لوحة الفصول يمكن لنا أن نتمايل مع تهادي قارب الديوان حينما يمخر عباب الحياة المتسم أحياناً بالهدوء على نحو لوحة الحديقة، وفي أحايين أخرى تمتزج العواصف بالعواطف لتشي بوعد لا يركن للدعة «انما وراء الأكمة ما وراءها» حينما يحاذر الشاعر في نقل صورة ما تحسبها عفوية مباشرة وهي في الأساس شوكة حاذقة في خاصرة الحقيقة.

يسلمنا الشاعر الوشمي في لوحاته المتعددة إلى عالم من التخيل خلف القراءة الأولى لهذه النصوص التي تبحث بوعي وتفتش بصبر وتؤدة عما يمكن أن يكون وجها آخر لقراءة الواقع الذي بات لكثرة ما طرق مألوفاً إلا أن مهمة الشاعر في هذه القصائد أخرجت لنا بعض الحقيقة، ورسمت لنا بعضها الآخر بإيحاء حاذق، على نحو لوحات «مفردات المنزل» و»الزوايا التي..» و»دفتر العائلة» حينما برع الشاعر في اقتفاء حساسية هذا الخطاب الإنساني الذي قد نحتاج فيه إلى صيغ التصريح والتلميح معاً.

ينتصر الشاعر للوعي والحب والجمال ويحاذر قدر المستطاع من اليأس والجمل الرنانة والخطابات المستهلكة، ليجمل لنا في كل قصيدة مذهبه الشعري الذي لا يحيد عن بحث أمر الجمال والود والجدل الممكن حول بقاء الحب صامداً في هذا الزمن:

«مرت

ذات حبِّ مشت

نحو ناري

عندها ألف نجم بهي

تسامى ليرقى مداري

تحول قلبي مزاراً

وصارت حروفي سواري»

فاشتغال الشاعر على الوصف خلق الفضاء المناسب للتأمل في كنه القصيدة ومغزاها البعيد والقريب، فحينما تفرغ من قراءة هذا الديوان تشعر أن الوشمي وضعك على جملة من الصور الواقعية التي ترى من ورائها بعداً آخر قد يفضي إلى عوالم أرحب من فتنة البوح وجمال الصورة ومشهد الشعر في «شفاه الفتنة» حينما تخبرنا القصيدة عن مكنونها.

***

إشارة:

شفاه الفتنة.. (شعر)

د.عبدالله صالح الوشمي

الرياض (ط1) 1432هـ ـ2011م

يقع الديوان في نحو (208صفحات) من القطع المتوسط


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة