Culture Magazine Thursday  17/11/2011 G Issue 352
فضاءات
الخميس 21 ,ذو الحجة 1432   العدد  352
 
خريف الرأسماليين في وول ستريت
عبدالله العودة

مدرب فريق (بيسبول) محدود المصادر التمويلية.. يكتشف أن فريقه يحتاج إلى الكثير الكثير من المال لكي ينافس في الموسم القادم.. ورغم كل محاولاته لجلب مستثمرين أو طلب معونات أو جلب أموال للفريق بأي طريقة.. باءت كل محاولاته بالفشل؛ فاضطر أن يخسر أهم لاعبيه بسبب اقتصادي بحت أو قل: بسبب رأسمالي وهو أنه لا يستطيع شراء لاعبين!

اجتماع بعد اجتماع مع قيادة الفريق وأعضاء شرفه لم يسفر عن أي شيء ذي بال.. غير أن هذا المدرب الذكي قرر أن يستأجر مستشاراً متميزاً متعلماً، وأن يحاول أن يبدع في إنجاح الفريق رغم هذه الظروف المالية وهكذا كان. المدرّب استدعى للفريق مجموعة من اللاعبين الذين تم استبعادهم من فرق مختلفة إما بسبب أن كثيراً منهم لحقته أضرار جسمانية مختلفة تمنعه من اللعب أو أنهم أخفقوا في مناسبات مختلفة.. غير أن هذا المدرّب قرر بخطة ذكية استثمارهم لأنهم الأقل تكلفة والأرخص بين اللاعبين.. وقرر أيضاً أن يستعمل كل لاعب ليلعب بطريقة يستعمل فيها اللاعب قدرته ومهارته وفي الوقت ذاته لا يتحرك في نقطة ضعفه.. بل يجعل لاعباً آخر ليؤدي ما يعجز عنه اللاعب الأول.. كل هذا دون دفع الكثير من المال.

في النهاية.. حقق الفريق نجاحات استثنائية غير متوقعة وحالفه الحظ بشكل فاجأ كل المحللين.. وتجاوز كل التوقعات.. وكانت هذه القصة بالتحديد هي فيلم كرة المال «Money ball» المعروض حالياً في السينما الأمريكية.. وكأن القصة أن الرأسماليين الذين يستولون على البنوك والشركات والمؤسسات الكبيرة والاقتصاد بشكل عام.. لم يعد يعني أن النجاح بالضرورة إلى جوارهم.

الشركات والأموال كانت تعني دائماً.. النجاح والسياسة والقوة وكل شيء في بلد رأسمالي.. لأن المال والمصارف والشركات الكبيرة تصنع الكرة الناجحة والفريق المتفوق.. وتدعم المرشح بالانتخابات والدعايات.. وتصدّر الأفلام والكتب والنشرات.. وتضغط على الإعلام والصحف.. بل تشكل حزباً للضغط تجاه مواضيع مختلفة في السياسات الداخلية والخارجية.

ومنذ البداية.. فحتى قانونياً حسمت المحكمة العليا بأمريكا وضع «الشركة» في القانون كشخصية قانونية مثلها مثل أي مواطن لها الحق -حسب التعديل الرابع عشر في الدستور الأمريكي- في العمل السياسي ودعم المرشحين.. إلخ.

هذه الشركات.. والمصارف والأموال التي قال عنها «كاردوزو» يوماً إنها بدأت بشخصية وهمية قانونية.. لكي تحرر الناس.. قد تتحول إذا تغولت يوماً إلى سبب لخرق حريات الناس والحد منها.. وكما أن الاستبداد السياسي عبر حزب أو فرد في السياسة يقود للظلم فإن الاستبداد الاقتصادي والاحتكار.. يقود لظلم اجتماعي.. ومن ميدان التحرير الذي يكافح الاستبداد السياسي.. إلى ميدان الوول ستريت الذي يكافح الاستبداد الاقتصادي.. تذوب الفوارق!

في لافتة معروضة في أحد شوارع بيتسبرغ رأيت لافتة تقول: «حريتك أخذها المحارب القديم والسياسي التقليدي».. لتقول إن الشركات التي تدعم الحروب وتستفيد منها.. هي مَن يكسب.. وأن المواطن الأمريكي هو مَن يخسر في هذه المعادلة.. ولأجل ذلك تفجرت مظاهرات في مناطق مختلفة من أمريكا بدأت بشعار «احتلوا وول ستريت»، ولم تقف عند «احتلوا أوكلاند» و»احتلوا سانفرانسيسكو».. وصار في كل مدينة أمريكية.. متظاهرون يضربون أطناب خيامهم على مقربة من مواطن التأثير في المدينة ومن البنوك والمصارف الكبيرة.. لا يجمعهم شيء إلا أنهم في الأغلب يساريون يتحفظون على سيطرة البنوك والشركات والمصارف.. أو عاطلون يشكون من ارتفاع نسبة البطالة.. أو محبطون من السياسة الأمريكية الداخلية بالخصوص.. خيام تستنسخ خيام التحرير في القاهرة أو التغيير في اليمن أو غيرها..

منذ الأزمة العالمية التي بدأت في وول ستريت.. والتي تعهدت الإدارة الحالية بحلها.. ما زالت حاضرة.. والعلاقات والتعاملات المالية البنكية التي لم تخضع لضبط الدولة في أي مرحلة.. لا تزال موجودة.. والغاضبون.. واليساريون في أمريكا على وجه الخصوص، وإن كانوا على درجات مختلفة.. إلا أنهم يتفقون على حاجة شديدة إلى تطعيم اشتراكي واضح لهذا النظام الاقتصادي.. مع المحافظة على الأسس الديمقراطية والإنجازات الحقوقية.

قبل عدة أشهر وبعد أيام من نجاح الثورة المصرية.. حضرت جلسة ليساريين اشتراكيين في بيتسبرغ.. يجمعهم شيء واحد هو إدانة «الاستعمال» للعمال.. وإدانة النظام الاقتصادي الأمريكي من الأساس.. ويدعون لثورة اقتصادية باتجاه الاشتراكية.

لا أظن، ولا يبدو، أن الوضع في أمريكا يتجه نحو تغيير راديكالي في الاقتصاد.. لكن قد يكون المستقبل الأمريكي يتجه قانونياً واقتصادياً لتطعيمات اشتراكية في جسد العم سام المترهل رأسمالياً.. وحينها يكون «الوول ستريت» أكبر معاقل الرأسمالية الأمريكية.. هو نفسه منطلق هذه الصرخات والدعوات الأمريكية نحو اقتصاد أكثر عدلاً.. عبر تظاهرات تفجرت هناك في الوول ستريت..

aalodah@hotmail.com أمريكا

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة