Culture Magazine Thursday  16/06/2011 G Issue 346
تشكيل
الخميس 14 ,رجب 1432   العدد  346
 
محطات تشكيلية
الياس الزيات: الإجابة على وصولنا لملامح وهوية خاصة للفن العربي .. غير ممكنة
إعداد: محمد المنيف
-

يسعدنا في محطتنا لهذا الأسبوع أن ينقلنا الزميل والتشكيلي محمد شبيب، الذي عشنا معه، وكان معنا نعم الصديق، قبل مغادرته الرياض وطنه الثاني إلى وطنه سوريا الشقيقة، ليتحفنا بهدية تبلل جفاف ثقافتنا التشكيلية، وتنبت أرضها بلقاء مع قامة من قامات الفن العربي عامة، ورائد من رواد التأسيس للفن التشكيلي في سوريا، الفنان الياس الزيات الأكاديمي والمثقف، لنغوص مع الزميل محمد شبيب وأسئلته التي تحولت إلى سبل لقطف ثمار تجربة عظيمة لرجل مثل الفنان الياس ولنغوص في أعماق بحار عمره المديد لنستخلص الكثير من تجاربه ونقدمها في مجلتنا الثقافية بجريدة الجزيرة أطباقا شهية لمختلف الأجيال التشكيلية ليتعرفوا على مقومات تأسيس هذا الإبداع ورجاله في وطننا العربي وحجم مختزلهم المعرفي والثقافي والإبداعي ولكون الحوار ممتعا ومهما ومفيدا يحمل توثيقا وآراء نحن بأمس الحاجة إليها فقد حرصنا على أن يكون على جزئين لتكتمل الفائدة... نترككم مع الجزء الأول من حوار الزميل محمد مع الفنان الياس الزيات:

مراجعة لمرحلة هي الأهم

الآن بعد حوالي خمسين عاماً من البحث عن الهوية والذات على المستويين الفردي والجمعي أين يقف الفنان الياس زيات... وما الذي حققه على المستوى الشخصي كفنان..

- أنا واحد من الذين عاصروا جيل الرواد الأوائل في سورية وعايشت العديد من التجارب الساعية إلى بناء اللوحة وفق المعايير الفنية الحديثة، وقد وعيت عملية التجديد تلك التي بدأت في مطلع الستينات وربما قبل ذلك، بيد أن مرحلة الستينات شكلت منعطفاً نظراً لعودة الكثير من الفنانين السوريين من أوروبا أمثال فاتح المدرس ومحمود حماد وأدهم ونعيم إسماعيل، حيث طرحت مسألة الحداثة بشكل واضح. وأستطيع القول إنني اتجهت صوب هذه التجارب بحكم معايشتي لها، وبدأت بقراءة كل ما يتعلق بهذه التجارب من أبحاث نظرية، وهذا دفعني إلى تبني هذا الفكر الحداثوي في الفن التشكيلي، وتطبيقه على تجربتي الشخصية، بالإضافة إلى سعيي الحثيث لفتح الأفق أمام تلاميذي نحو التجارب المعاصرة.

على المستوى العربي يمكن القول إن ثمة أسبقية في هذا المجال لكل من العراق ومصر، لأن الحركة الفنية في هذين البلدين تتمتع بعراقة أكبر، نظراً لوجود أسباب موضوعية لعبت دوراً في ذلك، فالحكم الملكي في مصر كانت لديه اتصالات قوية مع الدول الأوروبية الأمر الذي نجم عنه تأسيس مدرستين فنيتين: كلية الفنون الجميلة ومدرسة ليوناردو دافنشي، وهكذا بدأت عملية إرسال الطلاب والفنانين إلى تلك الدول، كما تم استقدام الفنانين الغربيين مما أتاح فرصة للاحتكاك والاستفادة من هؤلاء الفنانين. من جهة ثانية كانت الظروف في أوروبا بين الحربين مناسبة للسفر بسبب قلة التكاليف وسهولة الإجراءات. أما العراق فهو بلد غني وهذا مكن من الإنفاق بشكل جيد لتطوير الحركة التشكيلية هناك، حيث تم استقدام فنانين أوروبيين وعرب، وقد بدأت هذه الحركة بوقت مبكر، وربما تعود هذه البداية إلى الفترة العثمانية، واستمرت إبان الفترة البريطانية، وقد تفاعل جيل الرواد هناك مع هذا النشاط الفني المتصاعد وذلك على غرار ما حصل في بقية البلدان العربية الأخرى، فعملية التطور تكاد تأخذ منحى مشتركاً بين هذه البلدان، ويمكن القول أن هؤلاء الرواد انقسموا إلى قسمين: قسم تحمس للتيارات المعاصرة باشتغاله على التجارب التي لاقت قبولاً عاماً كالانطباعية والواقعية أو الواقعية الانطباعية، وقسم آخر آثر الإعراض عن هذه التجارب وبقي أميناً للأسلوب الفني المحلي في الرسم. لكن عملية التطوير الفعلية انطلقت مع جيل الرواد الثاني كما أسميته أنت.

تقييم التجربة التشكيلية العربية.

لقد ذكرت أن الفن الغربي كان وراءه مفكرون ومنظرون من فنانين وغيرهم، وأنه يتوجب علينا أن نتعلم من ذلك، ألم نتعلم بعد؟، كيف علينا أن نقيم تلك التجارب وما أصابته من نجاح؟

- لا ينبغي النظر إلى الأمر ضمن هذا المنحى، أنت تصر على التساؤل فيما إذا كنا وصلنا إلى فن عربي له ملامحه وهويته الخاصة أم لا، بالنسبة لي تبدو الإجابة على هذا التساؤل غير ممكنة، بالنظر إلى أن للفن توجهاً يختلف عن السياسة وعن العلم، الفن يتخطى حدود السياسة والقومية، بمعنى أنه يمثل حواراً بين فناني البلد الواحد وبين فناني العالم، الفنان العربي إذا لم يطلع ويتواصل مع ما يستجد من تيارات فنية متعاقبة سوف يتحنط ويتجمد، ولكن بنفس الوقت عليه أن يكون ذا إحساس متجذر في هويته المحلية والذاتية، عندها لا بد أن يصل. أنت لا تستطيع أن تطلب من كل الناس أن يختموا الفيزياء ويكونوا علماء في الفيزياء، تستطيع أن توجد فيزيائيين ومبتكرين في مجال من المجالات ولكن لا تستطيع أن تصنع أديباً أو فناناً... الأديب أو الفنان هو بذرة.. مما لا شك فيه أن الفن يختلف عن العلم. أود أن أسأل سؤالاً، هل هناك علم عربي؟ هناك علماء عرب قدموا إسهامات جيدة حين انتقلوا من بلدانهم إلى بيئات علمية مناسبة، لكن لا يمكن القول إنه يوجد علم عربي على الأقل حتى اللحظة. ولكن لا نغفل فضل العلماء العرب في الفترة ما بين القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي، والقرن السابع الهجري- الثالث عشر الميلادي وتفوقهم في الرياضيات والفلك والطب.

هل أصبح مثقفونا مرتهنين لحالة من النزوع الشديد للمقارنة مع هذا الآخر والتمسك بالتراث نتيجة الخوف من سطوة الثقافة الغربية على هويتة العربية، أم أنها تنسحب إلى مثقفي الأمم الأخرى؟

- أنا أرى الموضوع على النحو التالي: في كل بلد يتمتع بتراث فني نلاحظ أن المشتغلين بالفن ينقسمون إلى فئتين: فئة تستمر بالتقليد الفني لهذا البلد، والأخرى مطلعة على الفنون الغربية تسير في ركابها، وهذا ما حصل عندنا في البلاد العربية، إذ بقيت فئة الفنانين الشعبيين مستمرة في صناعة التراث الفني، وفئة تشتغل في فن معاصر على غرار الفن الأوروبي، وهذا ما حصل أيضاً في اليابان والصين وحصل في أغلب البلدان التي تمتلك تراثاً فنياً عريقاً، ويندر أن تجد فنانين في بلد له تراث فني عريق تبنوا الفن المعاصر واستطاعوا أن يتوصلوا إلى صيغة توفيقية ناجحة، إذ غالباً ما تأتي هذه التجارب هجينة وملفقة. تحضرني ضمن هذا السياق تجربة ما يسمى بالحروفية العربية، ولا يمكننا القول أن هؤلاء الحروفيين قد أصبحوا ممثلين للفن العربي بمجرد استخدامهم الحرف العربي. لدينا تجربة هامة يمكن التحدث عنها من بين العديد من التجارب الأخرى الهامة على المستوى العربي، إنها تجربة الفنان محمود حماد، لقد استطاع هذا الفنان من خلال اطلاعه على الفن الغربي واتجاهاته أن يقدم عملاً فنياً معاصراً بالاعتماد على الحرف العربي.

ما المتميز في تجربة محمود حماد؟

- محمود حماد لم يكتب خطاً عربياً بالمفهوم الكلاسيكي، وإنما أخذ جملة أو عبارة شعبية أو مثلاً عربياً، وقام بكتابته وفق تشكيل حديث يعطي الأولوية للجانب التشكيلي على حساب المعنى وإن بدا مقروءا. فعلى سبيل المثال يقوم بكتابة البسملة، لكنك لا تقرأ البسملة إلا إذا اكتشفت جزءً منها كالرحمن، إنما يبقى الجانب البصري هو الأهم.

دعنا نقترب أكثر من الياس زيات الفنان... ثمة قراءات متعددة للوحتك الفنية، من خلال تحميلها ملامح تعبيرية ومفردات أسطورية تارة، وربطها بالإيقونة تارة أخرى،... هي لوحة ذات بعد ثقافي إذاً؟

- الفنان يجب أن يكون مثقفاً، ومفردات ثقافته سوف تظهر بشكل أو آخر في عمله الفني، لقد تحيزت للفنون التي ظهرت على الأرض السورية، وقرأت عنها بعين الناقد بغرض البحث عن المحلي الذي استمر في المنتج الفني السوري عبر العصور المختلفة من اليوناني إلى الروماني وصولاً إلى الفن العربي الذي تلمس بداياته في بلاد الشام، والذي اكتسب - فيما بعد - شخصية عربية إسلامية. وقبل ذلك - أي الروماني واليوناني - اطلعت على الفنون القديمة من آشورية وبابلية وتأثيراتها المتبادلة مع الفن الإيراني. لقد أحببت أن أرى شخصية محلية سورية تتماها مع كل هذه التوجهات التي أعطت مظاهر مختلفة للفن. ولا أزال أسأل نفسي: هل هناك شخصية سورية متميزة في لوحتي؟ أحياناً أقول نعم وأحياناً أقول لا..!!

-

+ monif@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة