Culture Magazine Thursday  16/06/2011 G Issue 346
فضاءات
الخميس 14 ,رجب 1432   العدد  346
 
المقاطعة والهزيمة
د. زهير محمد جميل كتبي
-

اتصل بي أحد أعضاء مجلس إدارة نادي مكة الثقافي المنتخب وهو من أصدقائي وسألني قائلا لي : هل سوف تستمر يا دكتور زهير في..(([مقاطعة النادي])).. مثل المرحلة السابقة. فقلت له..[لا].. بل سوف أرفع وأعلق والغي حالة..(([مقاطعتي للنادي]))..،. لأنني كنت ضد طريقة إسقاط علينا مجموعة..[بالبارشوت].. ونزل علينا أو قل بعضهم من لا ناقة لهم ولا جمل بالثقافة أو الأدب أو الفكر. وفي هذا الموقف برزت أمامي مقولة أستاذي الكبيرة المفكر اللبناني العظيم جبران خليل جبران التي تقول : ((ويل لأمة مقسمة إلى أجزاء، وكل جزء يحسب نفسه فيها أمة)). ولا غرابة حين أقول لكم عشت في هذه العملية الانتخابية..[بؤس الصعاليك].. وأولئك الصعاليك فيهم التمرد والأخلاق. كما كتب عنهم الأديب المصري أحمد أمين. كنت أنوي وأهدف وأخطط أن أقدم..((وصفة روشته)).. لنادي مكة الثقافي. غير أنه كتب على بطاقة انتخابي..[التهمة لا توجد]..،. ولكن يجب أن يبعد ويقصي هذا..[....]..،. وتم هذا بالفعل والنتيجة. وعدم فوزي بالعضوية لا يعني ذلك التخلي عن النادي. إن دخولي عملية الانتخابات ليس هدفي منها..[الربح].. إنما هدفي هو النجاح وخدمة مكة المكرمة. إن معظم الأعضاء المنتخبين هم أصدقائي وعلى رأسهم أخي وصديقي الشيخ الدكتور أحمد المروعي. بل أتمنى لهذا المجلس النجاح والتفوق والنهوض بالنادي. لأنني من الذين قاتلوا وحاربوا من أجل إقرار مبدأ أو طريقة..[الانتخابات].. ولي كتابات صحافية شهرية وقوية في هذا الجانب. وكان سقف طموحي عالياً، وربما لا حدود له، وهذه صدمة أخرى تضاف لصدماتي المتعددة، في بعض الأحداث بهذه الحياة يتطلب، بل يتمنى المرء أن يكون..[مختلا عقلياً].. حتى لا يتعب دماغه. ويتقبل ما يملى عليه. فأنا مؤمن إيمانا كاملا وراسخا باحترام وتقدير نتيجة..[الصناديق]..،. ورغم أن عملية الانتخابات لم تتم بطريقة الصناديق، بل عبر..[الأجهزة الإلكترونية]..،. وهذا ما جعلني أشك في النتيجة ونزاهتها لأن..[الفوز].. عليه الكثير من علامات الاستفهام والاستغراب والتعجب ؟. لأنه كان نتيجة استخدام..[الريموت].. الإلكتروني وهذا الجهاز غير عربي أو غير معرب، يضاف لذلك أنه قد تكون البطارية الكهربائية الخاصة منتهية الصلاحية فلا يعمل الجهاز. وهذه الأجهزة..[الريموت].. يمكن أن تستخدم عن بعد. يضاف لذلك إن اللجنة الخماسية التي أشرفت على العملية كانت جالسة أمامنا فوق المنصة، لا تعمل شيئاسوى النظر فينا، ونحن ننظر فيهم. ثم تأتي أوراق من الغرف الخلفية لرئيس اللجنة وتبدأ عمليات..(([وشوشة])).. و..(([همس]))..،بين الرئيس ومدير عام الأندية.

ورفض رئيس اللجنة وهو وكيل الوزارة طلبي عندما طلبت منه أن يظهر نتائج كل عضو فوري على الشاشة، وهذه التقنية متاحة ويمكن التعامل معها حتى في برامج مسابقات الأطفال. ورفض ذلك أثار فينا..[الشك].. وعدم الثقة في النتائج لست أنا وحدي بل إن من اعترض وشعر بالشك و شاركني في كل ذلك أخي الدكتور أحمد المورعي. وأما سعادة المستشار القانوني والذي يفترض أن يتحرك من أجل المتابعة والتقصي والفحص القانوني والنظامي، كان جالساً على كرسيه وكأنه مربوط بحبال لا يستطيع التحرك سوى باستخدام عينيه للنظر إلينا وتوزيع نظراته. وأظن أنه كان مسروراً باللوحة الموضعة أمامه وكتب عليها المستشار القانوني وهذا حال مندوب مجلس الشورى ومندوب الإمارة الذي ابتسم لنا كثيراً باعتباره شخصية مرحة.

أعود فأقول إنني لن أقاطع، ولن، ولن أقاطع النادي بسبب عدم فوزي. لأن أسباب ومبررات..(([مقاطعتي])).. قد أزيلت. وعندما قلت إنني..[هزمت].. عاتبني البعض كيف تعترف وتسلم بالهزيمة. فهذا سلوك أو أمر غير مألوف بمجتمعنا. فقلت لهم : نعم..[هزمت]..، ولكن.. ابتسمت.. بصدق لكل من فاز. وليس شرطاً أن بعض من فاز هو أفضل مني، ولكن هذا حظه و الحظ ليس له ذاكرة في حياتي. إن استئناف..[الهزيمة].. لا يعني..[دفنها].. وخاصة إذا كانت المبادئ مازالت متباعدة. والهزيمة تعطي..[قوة].. واستمرارية. وتوقظ الإنسان من..[الاسترخاء]..،. وأؤكد أنني..[هزمت].. ولكنني لم..[أفشل]..،. فالفرق بين..[الهزيمة].. و..[الفشل].. كبير جداً وهو مثل الذي لا يفرق بين..[الذكاء]. و..[العبط].. و..[الفهلوة].. أنا لم أفشل في مشروعي الإصلاحي والتنويري، وجلدت ذاتي بكل قسوة في سبيل ذلك وسوف أستمر في عملية الجلد. لأن هذه الهزيمة المنظمة كانت لي.. ((طعنة تاريخية)).. غائرة في جسدي. وأؤكد شكري وتقديري لكل من استغل تصريحي السابق حين قلت..[إنني هزمت].. فحولني ذلك البعض المستغل إلى مادة للتقطيع والنحر والسخرية، والتشكيك في معتقدي وديني. وأشكر الفئة الذين نسوا بقصد ـ وسوء نية ـ تاريخي الصحافي والإصلاحي والمهني. أولئك الذين نصبوا..[المشانق].. لي. وأحب أن أذكر البعض أنني الآن بالذات في سن تحاسبني فيه الملائكة بشدة. بسبب النضوج والمعرفة. فلم أعد من الجاهلين. ولم أخترع لنفسي..[حلفاء ميكانيكيين]..،.

وعيوبي وأخطائي أنني لم أصنع عيبا واضحاً في سفينة المساكين التي كنت أقودها تمشيا مع قوله تعالى ((فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) (الكهف:71).

لم أجعل من عمل سيدنا الخضر عليه السلام حين عمل..[عيبا].. في سفينة المساكين قدوة لي، حتى لا يأخذها السلطان كما فسرها لسيدنا موسى عليه السلام حين سأله لماذا عملت ذلك العمل.

وأتمنى أن لا يسيطر..[التيار الإقصائي].. على مستقبل النادي لأن..(([الخوف من الآخر])).. ما زال يسيطر. على الكثير وأصبح كأنه خرافة من خرافات الأساطير والخطر من عملية..[الخوف من الآخر].. أنها تولد وتنمى وتؤسس لعمليات..((كراهية التفكير))..،. وتقاوم عملية..((التغيير))..،. وهذا أمر يرسخ..[التخلف].. ويصدر ويبرز الكثير من حالات..(([الغيبوبة الثقافية والفكرية والصحافية]))..،. أخاف أن يصبح نادي مكة مثل..[متحف الشمع].. البريطاني يعرض فيه تاريخ العظماء فقط.

ولا أبالغ حين أقول إن بعض المثقفين السعوديين بل أغلبهم يدعون ما لا يقولون وتنطبق عليهم الآية : ((كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف:3).

وهذه الفئة هي من ذاك النوع الذي يقول قلوبنا معكم يا زهير ومع الإصلاح، وأصواتنا وأقلامنا مع الأقوياء. وهذا أخطر مرض تعاني منه الساحة الثقافية السعودية. عاتبني وانتقدني الكثير أنني لم أضع على رأسي..(([طاقية النفاق])).. ونسوا أن رأسي ليس له أي مقاس من هذا النوع من..[الطاقيات]..،. ولا أملك سوى جرأة قول الحق. وقلت لهم ولمن سبني وشتمني في شبكة المعلومات العالمية هذا حقكم لا أستطيع منعكم وحللوا المواقف والأحداث كيفما شاءت لكم ضمائركم المعذبة وكونوا شاهدا على العصر والمغرب والعشاء ولكن ليس من حقكم أن تكونوا شهداء على..( الفجر )..،. الذي تخافون أن يشرق وأصبح المثقف السعودي يتحدث باسم الثقافة والفكر والتنوير، ولكن بطرق ملتوية، عديمة الجدوى، وعديمة الفائدة. وهذه هي..[الثقافة المنافقة]..،. كان لا بد أن يفرق جميع الناخبين والمنتخبين بين..[المهنية الثقافية].. و..[الحرية].. و.. [التعصب].. و.. [الانحياز الأعمى].. وهو غالباً المسيطر على المشهد. إن الأجواء الثقافية والفكرية ملبدة بالغيوم في هذه المرحلة. فلا بد من تنقية هذه الأجواء مما طرأ عليها. وبخاصة أن كثيرا ممن فازوا استقوا..[بالدين]..،. لينقلبوا على الاستحقاقات. ويعلنوا فوزهم مقدماً، والدليل إن بعضهم كانوا مجهزين..[وليمة].. فيها المفطحات والكوازي.

ولم أستغرب كغيري، ولم أفجع، ولم أصرخ، ولم انفعل كغيري، ولم أندهش، بهذه النتيجة النهائية لفوز هذه الكوكبة المحترمة والتي أتمنى لها كل توفيق. ولكن، ولكن، إن الكثير من..[الاحتباسات].. و.. [الاحتجازات].. المدفونة سوف تظهر قريبا على السلوك والقرار، وربما تهيمن على القرار والمشهد الثقافي المكي. وبخاصة هيمنة..[الشاغل الديني].. والذي أزعم أنه ربما سيكون العنوان البارز لهذه المرحلة من حياتنا الثقافية والفكرية. إن من يبكي على الماضي عقله ناقص في رأيي إن شقة الخلاف بيني وبين خصومي هي ثقافية وفكرية ليس غيرها. وأرجو ممن في صدره غل أو حقد عليّ أن لا يفتش في النوايا، وحاسبوني على تدني وليس ديني فأنا أعرف به منكم. وأنا لست رجساً من عمل الشيطان، حتى ترجموني بالتهم الباطلة والفاسدة والحاقدة. فحين عارضت وانتقدت. أردت نشر التنوير. كتبت وعالجت وانتقدت بنزاهة وشرف وبصورة مباشرة. وأزعم أنني كنت الأكثر جرأة وحدة وصدقا في قول الحق، وفي كشف عورات الفساد والمفسدين وخطاياهم. وكنت في طليعة من قالوا..[لا].. بالفم المليان لكل الإغراءات. وأشعر بفرح أكبر لأن رهاني تحقق في الكثير من مواقع الإصلاح كما رأيته وكما توقعته بالفعل.

وأتمنى من الزملاء أعضاء مجلس الإدارة المنتخب أن يعملوا على إثبات وحدة الثقافة كعنصر جامع لأهل مكة المكرمة المباركين. والانشغال فقط بموضوعاتها حتى لا تفتقد علاقتها بالجسم الاجتماعي المكي.

أتمنى أتمنى، أتمنى، مخلصاً وصادقاً ومؤمناً أن لا تتحول الثقافة في نادي مكة الأدبي الثقافي إلى..[مسرح عرائس].. للصراعات الثقافية المختلفة، وتكون كل عروس مربوطة بحبل خفي يحركها كيف شاء ؟. ومتى شاء ؟. ولمن شاء ؟. انتظر كغيري من مثقفي مكة المكرمة أن أسمع و أرى التحولات الذهنية المختلفة. التي يتبين فيها صدق النوايا، ويتطلب ذلك الابتعاد عن النفاق والرياء.

رغبتي ومعي الكثير أن يكون المناخ الثقافي العام في مكة المكرمة مفعم بالحيوية ورائحة التحدي والإنجاز. أحسم أمري في حبي لهذا النادي العريق، وأحمل كل تلك القناعات الحضارية التي سمعتها وشاهدتها ومارستها منذ عهد إدارة ورئاسة المفكر والأديب والشاعر الكبير إبراهيم أمين فودة - رحمه الله- وأقول لزملائي وأصدقائي الذين لم يحالفهم الحظ أو التوفيق: لا تخجلوا أن ترفضوا الاستسلام، ولا تخشوا من كلمة..[الهزيمة].. فالهزيمة هي حقيقة وطبيعة من طبائع الحياة. والتوفيق بيد الله، وأقدارنا لا نعلم عنها ولا بد أن نؤمن بالقدر خيره وشره وهذا الموقف من..[شر أقداري]..، التي كتبت عليّ. يا أمة جهلتني أعيش بينكم، ولم أكن أعلم أنكم تأتمرون بي، ولكن أقول لكم حسبنا الله ونعم الوكيل.

والذين ضربوني سوف تتعب أيديهم من ضربي، فلن أتراجع إلى الخلف كما ظنوا. وهزيمتي التي منيت بها هي من النوع الذي انتصرت فيه. والكذب هو الخوف من الحق. أعترف وبكل شجاعة أنني انخدعت في نفسي حين وثقت في الآخرين، ولم أكن أعلم أنهم غير جديرين بتلك الثقة. فأنا ظلمت نفسي ،ولم يظلمني سوء..[الحظ].. الذي يدفعه أمامي الرجال الفاعلون والنافذون. وهزمت نفسي. لأنني لبست..(([قبعة الثقة])).. فسرقوا فرحتي لخدمة مكة المكرمة. أما مؤمن أن..[المال].. خاصمني و..[المنصب].. كرهني فلا أريده، ولا يريدني !. فلذلك كيف تريدون مني أن أمدح وأنا شبعان من كل شيء ؟. وكيف أدعي أنني..[عطشان]..وأنا أشرب يوميا من ماء زمزم ؟. وكيف تريدوني أن أكون..[خائفاً].. وأنا أسكن في مكة المكرمة التي أوعد الله أن تكون أمنة ومستقرة. وكيف تريدوني أن أكون..[جاهلا].. وأنا من الذين تعلموا في أفضل جامعة في بلادي وقرأت المئات والمئات من الكتب ؟. فلذلك كله ولغيره لا يستطيع زهير كتبي أن يكون..[خياطا].. لتفصيل الثياب حسب المقاسات المطلوبة. فهذه ليست مهنتي.

وأنا أؤمن بأن الهزيمة لا تعني الاستسلام، ولكنها رجولة حين تقع في ميدان المنافسة.

وفي الأخير أود تذكير وتنبيه الإخوان الفضلاء الذين فازوا بالانتخابات أن لا يكون نادي مكة الثقافي أن يعمل..[كمهدي].. منتظر للتيار الديني ليسعى لإرضاء الشهوات وتحاول تلك الشهوات أن تظل باقية بأي ثمن. إن ظهور وطلوع الكثير من المثقفين الشرفاء والنبلاء في الساحة الثقافية لا يعني أبدا أنها تظهرت، أو أن ذيل بعض المثقفين والفاعلين قد توقف عن اللعب.

والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، وساعة العرض، وأثناء العرض.

Zkutbi@hotmail.com

www.z-kutbi.com

-

+ مكة المكرمة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة