Culture Magazine Thursday  16/06/2011 G Issue 346
فضاءات
الخميس 14 ,رجب 1432   العدد  346
 
«كوميديا دانتي»
أدب العالم الآخر
سالمة الموشي
-

لم نحظَ بالكثير من القراءات التي تتناول ما يُعرف بـ»أدب العالم الآخر» أو أدب ما بعد الموت، هذا الأدب الروحاني الذي لم يعد دارجاً بما يكفي، وناله ما يشبه القطيعة لميل الأدب إلى الماديات مثلما اتجهت الكثير من العلوم. هذا النوع من الأدب أو ما ورد فيه من نماذج أدبية سعى لاكتشاف العالم الآخر من خلال الكتابة عنه، وهو من ذلك الملمح الذي يمكن أن يلهمنا البُعد الذي لا نتوقعه. إن عرض نماذج أدبية من هذا النوع يكشف لنا خصائص الأدب الأخروي الذي هو في حقيقته أدب له مقوماته الفنية، وأسئلته الإشكالية وتماسه مع قلق الإنسان الروحي.

في القرن التاسع عشر قامت الأسطورة بشكل واضح، وتجلت في نصوص أدبية كان محورها الأسئلة الوجودية والشك واليقين في عالم الماورائي. هذا القلق الوجودي هو الذي أنتج أدب الأسطورة الذي كان محوره صراع الثنائيات مثل الخير والشر والنور والظلمة.

الكوميديا الإلهية لدانتي أليغييري الإيطالي، المولود في عام 165 بكل جحيمها وفردوسها، هي قصيدة طويلة من هذا النوع من أدب العالم الآخر، التي خاض فيها دانتي في ثلاث مراحل عبرت عن قلقه الروحي والديني وصراع عصره متناولاً الجحيم، المطهر، الجنة. والكوميديا الإلهية من ذلك الأدب الذي يتمثل قلق الإنسانية، مع شغفها بالغيب والخلاص وما ورائيات العالم المادي. ومن هنا كانت رحلة دانتي، تلك الرحلة الخيالية التي تدور في فكرة المجهول بكل أبعاده، فتبدأ بنزوله الجحيم ثم اختراقه المطهر إلى الصعود إلى الفردوس حيث يقابل الطوبايين والقديسين هناك، ومن بينهم حبيبته بياتريشي التي كانت الدافع الأقوى لخوض هذه التجربة الشعرية الأدبية.

إن الكوميديا الإلهية ليست بجنس أدبي روائي باعتبارها قصيدة طويلة تتحدث عن رحلة جسدية إلى العالم الآخر بكل غيبياته التي تمثل هاجس الإنسان الروحي. وتمثلت الكوميديا الإلهية في مستويات مختلفة تفاوتت بين الرمزية والمجازية والتجريبية والشديدة التعقيد بالنسبة لتفسير بُعدها الفلسفي. ففي «رحلة الجحيم» يدرك دانتي ذنوبه ومن ثَّم يمر على رحلة العذاب ويصف كل رحلة بتفاصيل جمعت بين البُعد الديني له بوصفه مسيحياً والميتولوجيا بما فيها من الرمزية ثم مروراً بالمطهر وفكرة الخلاص.

فسرت رموز الكوميديا الإلهية بدءاً من مرحلة دخول دانتي إلى ما يشبه الغابة بحيث أعطى دانتي للمكان والزمان قيمتهما العميقة للتعبير عن رسالته التي يعمل على نقلها في صورة حية من عالم آخر متخيل لا يعرف البشر، فيدخل إلى غابة مظلمة ويجد نفسه محاطاً بدائرة مغلقة من الفزع والرعب؛ حيث تمثل هنا هذه الدائرة الطمع البشري والمادية، فيما يظهر له ضوء من فوق قمة تل. مشيراً إلى أن ذلك الضوء يحرضه على التقدم، وأثناء تقدمه يعترض طريقه ثلاثة وحوش (نمر وأسد وذئب)، وتمثل هذه الوحوش كلا من الظلم والفساد البشري والإنساني في محاولة لقطع الطريق عليه.

دخول دانتي إلى الغابة عن طريق الخطأ يجعله محاطاً بدائرة مغلقة من الرعب والفزع، التي تُمثل المادية والطمع البشرى. في أثناء هذا الظلام يلمح «دانتي» ضوءاً ساطعاً براقاً مشرقاً فوق قمة تل على مسافة بعيدة، يخطفه هذا الضوء ويشعر «دانتي» يأنه يدعوه، ويمر دانتي في «الجحيم» على صراخ المطرودين والملعونين من الرحمة وفي مروره يتخلص من خطايا سبعاً ترمز لـ»التكبر، والحسد، والكسل، والغضب، والشراهة، والرغبة، والجشع».

ويستمر تفسير جحيم دانتي بأكثر من وجه مدرجاً في أدب العالم الآخر، وهو كما أورده ريكاردو كيونونيس في مذكراته فإن هناك ما يقارب الاثني عشر تعليقاً وتفسيراً عن كوميديا دانتي حتى وقته، وهو من أبرز ما كتب في أدب العالم الآخر.

-

+ الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة