تحت حالة من الضغط النفسي والشخصي أخطأت مرتين في كتابة مديح قصير لكاتبين طلبا مني أن يضعا اسمي ضمن قائمة أسماء تسد مساحة غلاف خلفي لرواية، مرة نشر الرأي وفي الثانية لم يرق الرأي للكاتب حيث كان يريد مديحاً أكثر مما تلقاه مني. ومرة طلب صديق مني هاتفياً رسالة مباركة لتكريمه وقد نشرها في كتاب عن نفسه! وبغض النظر عن القناعة أو عدمها في الكتابة فإنك أن تكتب بناء على طلب صاحب الرواية أو دار النشر، فذلك يضعك في حال لا تحسد عليها مع نفسك.
والأجمل لو تكون شجاعاً وتعتذر أفضل من حالة ندم تظل تلاحقك ما حييت.
في فترة ما من حياتي أشرفت على الصفحة الثقافية لصحيفة الخبر العراقية وكان المؤرخ الراحل أحمد فياض المفرجي يحرر معي في تلك الصفحة الثقافية.
وصادف أن رحل عن عالمنا أحد المسرحيين العراقيين، فطلبت من زميلي المفرجي أن يكتب عنه كلمة رثاء فكتب المفرجي على ما أتذكر ثلاثة سطور بدأها القول "كان رحمه الله غير موهوب!" وطبعاً لم أنشرها وفقاً لمقولة "اذكروا حسنات موتاكم" كثير من كتاب القصص والروايات العرب يشتهون أن يفرضوا رأياً مسبقاً على قارئ أعمالهم الأدبية عبر بعض الأسماء المعروفة، وهي حالة تضعف العمل ولا تخدمه على الإطلاق.
إن دور النشر تستعمل هذه الطريقة الابتزازية أحياناً لكي تروج المطبوع، والأفضل أن تضع الرواية والقارئ بدون تأثيرات مجاملة.
بين يدي رواية للكاتب العراقي "شاكر نوري" وهي ثاني رواية له.
روايته الأولى كانت "كلاب كلكامش" وقد كتبت عنها في ثقافية الجزيرة.
والكاتب ينقلنا إلى أجواء كافكوية مع وجود خصوصية في طريقة كتابته.
والأسلوبية واحدة في الروايتين.
ضمن هذا الأسلوب فإن "نافذة العنكبوت" أكثر نضجاً من كلاب كلكامش وأهم في صيغة البناء والتشويق، وهي رواية تتحدث عن الحرب دون أن نسمع منها إطلاقة واحدة.
هي حالة الخوف التي يعيشها البطل بعد عودته من جبهة القتال في الحرب بين العراق وإيران لكي تزوجه أمه رغبة في أن لا ينقطع نسل الأسرة وحتى كما يقال أمه تفرح بأحفاد لها قبل موتها. فتأتيه بالعروس الجميلة لكنه عاطل وغير قادر على الفعل. هي حالة الشلل والخوف حتى من الحب ومن رغبة الجسد. وفقدان وزوال حالة الفعل ليست فيزيائية مسبقة إنما شخصية نتاج حرب مرعبة أدت إلى تشويه سمعة العائلة المتمثلة بفقدان الرجولة. ويأتي الأخ ليراقب ما يجري لأخيه وما سبب ذلك من حالة نفسية ثانية لعروسته.
تأتي الأسرة والأقرباء والعشيرة والأم مصابة بحالة الحيرة.
لقد عكس لنا المؤلف حالة الحرب وأجوائها داخل البيت. سوف يكون الأخ مضطراً لإنقاذ الموقف وإنقاذ سمعة العائلة واستمرار النسل للأسرة كي تحتفظ العائلة بوجودها من خلال مجتمع مهدم تالف ممثلاً بالأسرة ثم المجتمع.
لا يشعرك الكاتب ولم تكن الرواية ذات رموز بل تبدو رواية واقعية تماماً، الواقع فيها هو الغريب وليست الأسلوبية التي جاءت لتعكس غرابة الأسرة والمجتمع في مجتمع محكوم بالإبادة يحاول الأخ خارج العرف وخارج الدين وخارج المألوف لإنقاذ الموقف.
هو عمل واضح الشخصيات محكم البناء ومشوق للقراءة حقاً. مثل هذا العمل لم يكن صاحبه بحاجة إلى كلمات الغلاف الخلفي.
ويبدو وهو واضح أن الكاتب بعث بعمله لاثنين من الكتاب لكي يسمع منهم وهو أمر مشروع. الكاتب الأول القاص محمد خضير والكاتب الثاني الدكتور محمد غباش.
وما جاء في رسالة القاص الصديق محمد خضير فيبدو لي بأنه لم يكن يتوقع أن ينشر مقطع منها وهذا ما أشعرني نيابة عنه بالإحراج فهو أراد أن يبارك المؤلف لروايته فكتب له ".. وكانت تصلني أعمال عديدة من أدباء الخارج فأركنها جانباً بعد قراءة سريعة لها.. إلى آخره"..
وفوجئت إذ لم يكن هذا من طبعه كما أعرفه، وتبقى دائما ثمة خصوصيات في الرسائل فليس كل ما يكتب ينشر، كما أن الروايات والأعمال الأدبية يمكن أن تحمل بضعة سطور تستهوي دار النشر وتخدم العمل الروائي لو تأتي الكلمات بعد الطبعة الأولى ومن خلال ملاحظة حقيقية لكاتب حقيقي غير مكلف بالكتابة مسبقاً.
فلندع المتلقي يتمتع وحده بالعمل الأدبي دونما رأي مسبق.
وشبكة العنكبوت لا تحتاج إلى كلمات على غلافها الخلفي وحتى لم تكن بحاجة إلى غلافها الأول من أغلفة الأعمال الأدبية العربية ضعيفة التشكيل والألوان ولو شاهدتها في مكتبة أو معرض للكتاب لما إقتنيتها بسبب الغلاف ولفاتتني فرصة قراءة رواية جميلة حقاً بسبب غلاف!
-
+
sununu@ziggo.nl
- هولندا