Culture Magazine Thursday  05/05/2011 G Issue 340
فضاءات
الخميس 2 ,جمادى الثانية 1432   العدد  340
 
سهام القحطاني
وهي تسعى خاشعةً بين الجهل والنسيان!!
خالد بن أحمد الرفاعي
-

تقع الزميلة سهام القحطاني في مشاكل كبيرة حين تتحرّف للردّ على مقالة أو حدث من الأحداث التي تشهدها الساحة الثقافية ما بين آونة وأخرى؛ ذلك لأنها تنطلق – أثناء صياغة الردّ - من ثنائية الانتصار والهزيمة المتحالفة مع قاعدة (أنْ أكون أو لا أكون)، وتتأثّر كثيراً بالحمولة النفسية الكامنة في مقولة (والبادي أظلم)؛ لذلك تجيءُ مقالاتها (الرادّة) متأسِّسةً على جهل بالمعلومة أو نسيانٍ لها، وعلى فهم غالط لما تريد الردَّ عليه، أي إنها متأسِّسةٌ – من حيث الجملة - على العدم بكلِّ ما للعدم من معنى، ولا تسلم لغتُها من هذا الوضع، فهي تطلع على القارئ ملطخةً بأخطاء نحوية وأسلوبية لا حدّ لها، وتتعطّل طاقتها الإبداعية من وراء ذلك، فتبدو عاجزةً حتى عن صناعة عنوان للمقالة، لذلك تلجأ إلى اقتراضه من هنا أو هناك – كما فعلت مع (البلطجة الثقافية) -.

في هذه المقالة لن أردّ على ردِّها؛ لأنّ الردَّ على العدم عدمٌ من نوعٍ آخر، ولكن أريد كشفَ الخطايا المعرفية التي تقترفها كلما مارست عملية الردّ على هذا أو ذاك، ولا أستثني في هذا السياق إلا رداً واحداً فقط.

النقاط خمس:

أولاً: ترى الزميلة الكريمة أنني رددتُ على الهويمل لأنه احتقرنا نحن الذين قرأنا كتابَ الغذامي (الفقيه الفضائي)، وجعلتْ هذه النقطة سبباً من الأسباب التي دفعتها إلى الردّ عليّ، وأنا سأفاجئها إذا قلت: إنّ هذه النقطة لم ترد في مقالتي، ولم ترد في أيٍّ من مقالاتي السابقة على الإطلاق.

كلُّ ما في الأمر أنني رددتُ على الهويمل؛ لأنه احتقرنا نحن الذين قرأنا مقالاته (مقالاته هو وليس الغذامي يا سهام)، وأعرناها اهتماماً يليقُ بها، ومن ملامح احتقارِه إيانا أنْ يفضيَ إلينا بموقفٍ من كتاب، ثم ينقضه بعد حين، لا لأنه تطوّر، ولكن لأنه نسيَ ما كان قاله من قبل، أو ظنّ أننا قد نسيناه.

هذا الاحتقارُ هو الذي عنيته في مقالتي السابقة، ولم تحمل مقالتي أيَّ إشارة إلى كتاب الغذامي، ولا إلى الذين قرأوا هذا الكتاب أو غيره من الكتب؛ لأنني على علم بأنّ اختلاف الآراء حول الكتاب مظنّة أهميته، ولا أرى بأساً في أنْ نختلفَ مع بعضنا حول ذاتٍ أو شيء أو معنى، لكنني لا أتصوّر البتة أنْ يختلفَ الواحدُ منّا مع نفسه، ويتناقضَ (معها)، دون مسوِّغ معتبر – وهذا تحديداً ما وقع فيه الزميلُ محمد الهويمل وعجزت القحطاني عن اكتشافه حتى هذه اللحظة فآفة العلم من الفهم السقيم - .

لقد أشرتُ – من قبل – إلى الذين كتبوا عن الغذامي من مثقفينا أو من المثقفين العرب، واتخذتُ قراءاتهم – على اختلاف منطلقاتها ومآلاتها – دليلاً على تقديرهم لمنجز الغذامي بهذا الشكل أو ذاك، ولم أفكِّر يوما في أنْ أستهينَ بجهد باحث انطلق من رؤية واضحة، واستخدم أدوات فاعلة، وانتهى إلى نتائج متناغمة مع شروط الرؤية والأداة، فمثل هذا الجهد لا جزاء له إلا التقدير والاحترام، ولا يهمنّي إن كان هذا الجهدُ محسوباً للغذامي أو محسوباً عليه.

ثانياً : ترى الزميلة الكريمة أنني – فيما كتبتُ عن الغذامي – أدافع عنه، وأمارس بلطجيةً باسمه، ونسيتْ أنني سخرتُ في إحدى مقالاتي ممن ظنّ أنني أدافع عن الغذامي (الثقافية،ع 314، 2010م).

لقد قسّمتُ التلقي الذي أحاط بمقالاتي ثلاثة أقسام: تلقيها بوصفها مدحاً للغذامي، وتلقيها بوصفها دفاعاً عنه، وتلقيها بوصفها قراءةً لواقعة ثقافية مرتبطة بالغذامي، ثمّ بيّنتُ أنّ الذين لا يعرفون دلالة (الواقعة الثقافية) لن يخرجوا في فهم ما كتبتُ عن المديح أو الدفاع، وهذا تحديداً ما وقعت فيه القحطاني، فجهلها بدلالة (الواقعة الثقافية) جعلها تتلقى مقالاتي بشكلٍ خاطئ، كما أنّ جهلها بدلالات هذا التركيب دفعها إلى الردّ على مقالاتي عن (المثقفة السعودية) بصيغة معتلّة لم أجد أمامها إلا أن أؤثر الصمتَ على الكلام !

وبالمناسبة لا أدري كيف أكون مادحاً للغذامي باستمرار وأنا ممن ردّ أحكامه النقدية في روايتي (الآخرون) و(جاهلية)، وممن اعترض على رأيه في تجربة تركي الحمد، فقد وصفتُها بالأحكام السلطوية، التي تتقوّى باسم الحاكم لا بحيثيات الحكم (الرياض، ثقافة الخميس،11 يونيو 2009م)، وثمّة مواقف أخرى لن يفيدَ القارئُ من عرضها في هذا السياق.

ثالثاً : ترى الزميلة الكريمة أنني اعترضتُ على الهويمل؛ لأنه لم يجد جديداً في كتاب (الفقيه الفضائي)، وهذه الإشارة من حضرتها تدلُّ دلالةً وافيةً على أنها لم تفهم من مقالتي إلا أنها ردّ على الهويمل.

لقد بيّنتُ في مستهلّ مقالتي السابقة أنّ من حقّ الهويمل أنْ يبديَ رأيه في أيِّ كتاب من كتب الغذامي مهما كان هذا الرأيُ صادماً (هكذا قلت)، وإذا كنت أعطي للهويمل هذا الحقّ فأنا أعطيه لغيره على حد سواء.

سيكون السؤال هنا عن السبب الذي دفعني إلى الردّ على الهويمل؟

وسيكون الجواب: أنّ الهويملَ نا قضَ نفسه، وخلقَ لكلّ كتاب من كتب الغذامي رأيين مناقضين، فكتاب (النقد الثقافي) كان دليلاً على انفلات الغذامي ثم أصبح دليلاً على ارتباطه التامّ بالنظرية، وكتاب (القبيلة والقبائلية) كان دليلاً على انضباط الغذامي فكراً وأسلوباً إلى حدّ سلامته التامّة من العيوب (هكذا قال الهويمل)، ثم أصبح بعد خمسة أشهر مليئاً بالثغرات الأسلوبية، ومرحلةً أولى من مراحل تأخر الغذامي، لا بل بوابة خرج منها الغذامي إلى نهاية فنّه وقدرته على إضافة الجديد!!

القضية – إذن – ليست في اختلاف رأي الهويمل من كتاب إلى كتاب، ولكن في إصداره حكمين على كتاب واحد، دون أن يضمّن الحكمَ الأخير ما يجعله ناسخاً للأول؛ لكي أستطيع إدراجَه تحت مصطلح التحوّل.

الزميلة الكريمة لم تفهم هذه النقطة، فراحت تعدّد علينا اختلافَ آرائها من كتاب إلى كتاب، وانتقال الغذامي من مشروع إلى آخر، وهو -من وجهة نظري - حشو لا قيمة له، لأنه أمر مسلّم به أصلاً، فنحن نُعْجَب بتجربة المتنبي الشعرية من حيث الجملة، ونتخذه ونتخذها رمزاً، لكنّ أحكامنا تتغير داخل هذه التجربة من قصيدة إلى أخرى، فنرفع من شأن هذه القصيدة ونضع من شأن تلك انطلاقاً من رؤية محدّدة للشعرية لا الشاعرية، نفعل هذا مع التجارب كلِّها: الفكرية، والسياسية، والاقتصادية..، لكن لن يقبلَ منا أحدٌ أن نمتدحَ هذه القصيدة في عام 2005، ثم نذمّها في عام 2010م ثم نعود لنمدحها في عام 2011م، عندها تكون المواقفُ الفكرية والجمالية كالمواقف السياسية تخضع للعبة المصالح المتفرِّعة من (فنّ الممكن)، أو أنها مفتوحةٌ على مؤثِّرات غير موضوعية كالمؤثِّر النفسي مثلاً.

رابعاً: ترى الزميلة الكريمة أنّ الغذامي رمز ثقافي، وقدوة ثقافية، وتحذِّرني من أن أضفي عليه قداسة تمنع الناس من أن يختلفوا حوله، وأنا لم أقل في مقالتي أكثر من هذا، فهو رمز ثقافي، يحقُّ لكل أحد أن يختلف حول نتاجه، ولو لم يكن كذلك لما أقبلتُ على توصيفه وتحليله...، لكنّ القحطاني لم تحذِّر نفسَها والآخرين من خطورة تشويه الرموز الكبيرة بإطلاقات صغيرة لا تتكئ على قاعدة ولا تفضي بنا إلى غاية .

إنني أحترم من يختلف مع الغذامي، وأشتغل الآن على كتاب أقرأ فيه شخصية أحد أبرز خصوم الغذامي، لكنني لا أحترم من يشاغب هذا الرمزَ لمصلحة شخصية، أو خدمة للدائرة الفكرية التي ينتمي إليها.

إن الذين وصفوا الغذامي بالحاخام، وعبد الشيطان، والسارق، يريدون إسقاط الرمز ولا يريدون الاختلاف حوله؛ لأنهم يعلمون أن الاختلاف هو البناء نفسه، وأولئك الذين يصفونه بالنرجسية أو الكِبر أو الخرف أو النجم التلفزيوني (وهذا الأخير للقحطاني) لا يختلفون عن سابقيهم، فهم أيضاً يتحالفون على إسقاط الرمز ولا يختلفون معه أو حوله، يفعل بعضهم هذا لخدمة الفكر الذي ذابوا في ثغراته، ويفعلها بعضهم الآخر لتحصيل منفعة خاصة .

وبالمناسبة فالهويمل لم يتوقف عند كتاب (الفقيه الفضائي) وإنما تجاوزه إلى الحكم على الغذامي بالنهاية، وهذا الحكم لا يمكن قبوله عند من يؤمن برمزية الغذامي، فالرموز تأخذ بعداً معنوياً، ومن يأخذ بعداً معنوياً يولد كلما مات، وتتوقّد ناره كلما اقتربت من الترمّد.

خامساً: ترى الزميلة الكريمة أنّ الغذامي لم يتهم أحداً من قرائه بالهشاشة وانشطار الرؤية، وأنا أدعوها إلى إعادة قراءة (حكاية الحداثة)، ومتابعة لقائه في (إضاءات)، والاطلاع على محاضرته (الليبرالية الموشومة)، فهذه مصادر ثلاثة حملت تموقفَ الغذامي من معضلة القراءة التي تحيط به، وقد وصفها الغذامي بأوصاف أجرأ من أوصافي، وهو محق في ذلك؛ لأنّ من لا يحترم العلم والمعرفة، ليس جديراً بأن يُحترم في مشاهد العلم والمعرفة، وحرية الرأي لا مكان لها ما لم تكن حرّية مسؤولة، تدين بالموضوعية، وتنطلق من رؤية واضحة، وتنتظم في خيطٍ منهجي متين.

سادساً: ترى الزميلة الكريمة أنّ الهويمل قد «اعتمد في مقالته على منطق موضوعي مقبول لصياغة رأيه وإن كان فئوياً»، وهنا أتساءل عن معنى المنطق الموضوعي إذا كان سيفضي إلى نتيجة فئوية؟!

سؤال يكشف عن الجهل الكبير الذي تنطلق منه الزميلة، فهي من جهة ترى أن الهويمل قد اعتمد على منطق موضوعي (بالمناسبة لا يمكن وصف المنطق بالموضوعية)، ومن جهة أخرى تقرُّ بأنّ أدوات الهويمل تأثرت بالفقه الفئوي، وانتهت إلى نتائج فئوية !!

الزميلة الكريمة تتعامل مع المنطق والموضوعية (وهما مصطلحان) بطريقة جاهلة، وتصنع بهما ومنهما تراكيبَ تمحق دلالاتها، لتغلق جملتها – عند النهاية - بخبر ينسف مبتدأها ...،كلُّ ذلك تحت مصطلح جديد هو (المنطق الموضوعي) !!

مما سبق يتبيّن أن الزميلة الكريمة رهينة القراءة السريعة، التي يعرش على جدرانها الجهل والنسيان، وهي كثيراً ما تقترف في ردودها خطايا من هذا النوع، تكشف بها ضحالةَ اللغة، وبؤسَ الرؤية، وانهزامَ الأداة.

وأخيراً : كان بودي أن تنشغل الزميلة الكريمة بقراءة ظاهرة أو واقعة أو كتاب، بدلاً من الردّ على مقالة متواضعة لم تفهم منها إلا عنوانها، وكان بودّي أن تعدّ للردّ عدّته بدلاً من هذه المغامرة الطائشة التي كشفت منها ما لا يسرّنا كشفه!

-

Alrafai16@hotmail.com - الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة