Culture Magazine Thursday  05/05/2011 G Issue 340
فضاءات
الخميس 2 ,جمادى الثانية 1432   العدد  340
 
تعديل المادة التاسعة من نظام المطبوعات والنشر
هل سيُستغل لشرعنة الإقصاء الفكري؟
سهام القحطاني
-

تُوضع القوانين والضوابط بقصد خير الفرد والمجتمع، لكن المقصد العام للشارع ليس بالضروري أن يمثل ضابط أمن للقيمة في كليتها الخيرية، إذ إن الشيطان عادة يكمن في التفاصيل.

وبالتالي فإن حكم القيمة يُحدد وفق مضمون المفاهيم وتعدد التطبيقات وصناعة صيغ النفعية وقوة المُؤثِر، لا وفق المقصد العام للشارع ولأصل القيمة.

صحيح أن تعديل المادة التاسعة لنظام المطبوعات والنشر يسعى إلى تنظيم العلاقة الثقافية بين أصحاب الرأي من ذوي التيارات الفكرية المختلفة، ويجبر الجميع على التمسك بأخلاقيات الاختلاف الفكري وأدبيات النقد والحوار، وتحري الدقة والتوثيق، واحترام الحقوق الإنسانية للمختلفِين بما فيها كرامة الأخلاق والنسب والمهنة والمسئولية.

كما أن ذلك التعديل يسعى إلى معالجة العلاقة المأزومة بين المثقفين ورجال الدين التي أصبحت في الفترة الأخيرة أشبه بعلاقة «الإخوة الأعداء»، وبناء علاقة ثقة بين الطرفين من خلال احترام للحقوق الإنسانية لكليهما.

وتلكم أمور لا تُسقّف فضاء الاختلاف الفكري وفق أصل قيمة التشريع بل تسهم في نشر أدبيات ثقافة الحوار والاختلاف والنقد البناء.

لكن ما قد يُسقّف فضاء الاختلاف الفكري ويضيّقه حتى الخنق وإقصاء الرأي الآخر والوصول إلى ممارسة البلطجة الفكرية تفاصيل تطبيق هذا التعديل. ليصبح هذا التعديل عند القائمين على القنوات الثقافية بمثابة «قميص عثمان» لكسر الأقلام وقطع الألسنة، وهذا ما أخشاه. فالجهل بأهمية أصل القيمة لهذا التعديل والتحيز الفكري للمسئول الثقافي والفهم الخطأ لأهداف هذا التعديل من قِبل المراقب الثقافي، وهو ما يعني دخول الجميع في «أزمة فكرية» بسبب الفهم الخطأ أو المنقوص لهذا التعديل.

لأن الحلقة الفهمية لأصل قيمة المبدأ متعددة الأبعاد والرؤى، وهي تعددية بدورها تؤثر على التأويل المعنوي للمفهوم وكيفية تطبيقه وأثر التعامل مع تطبيقاته.

احتوى تعديل المادة التاسعة على عدة مبادئ هي:

النقد الموضوعي والبنّاء الهادف إلى المصلحة العامة -وهذا المبدأ هو ذاته كما في النظام القديم- تنظيم العلاقة الإنسانية بين المختلفين فكرياً من خلال عدم التعرض أو المساس بالسمعة أو الكرامة أو التجريح أو الإساءة الشخصية للمختلفين، رسمنة الحصانة الفكرية للعلماء ورجال الدولة، التوثيق الرسمي لمصدر المعلومة، والمحافظة على خصوصية المجتمع وسلامته الفكرية وأمنه العقدي والاجتماعي.

وأطراف العلاقة التي تشملهم هذه المادة هم «الكتّاب الطرف الأول والمعني بالتزام هذا الضبط، والعلماء ورجال الدولة الطرف الثاني المختص بالحصانة، والمجتمع الطرف الثالث.

إن مسئوليّة الكتّاب كما ذكرت المادة هو «النقد الموضوعي والبنّاء والهادف لمصلحة المجتمع».

ولكن من سيحدد معايير النقد الموضوعي والبنّاء والهداف لمصلحة المجتمع؟ هنا سيدخل الجميع إلى مأزق تأويل المصطلح كل وفق تحيّزه الفكري، فأنا ما أراه نقداً موضوعياً قد يراه آخر غير ذلك، وما لا أراه تجاوزاً على رجل دين أو دولة قد يراه غيري تجاوزاً، إنها متاهة تتسع كلما تعدد مضمون المفهوم.

وقد يقول قائل إن النقد الموضوعي والبنّاء هو الذي لا يتجاوز ما نصَّ عليه التعديل، أي كل «ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة النافذة» هو نقد غير موضوعي وغير هادف لمصلحة المجتمع، وكل «ما يدعو إلى الإخلال بأمن البلاد أو نظامها العام، أو ما يخدم مصالح أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية» هو نقد غير موضوعي وغير هادف للمصلحة العامة»، و«التعرض أو المساس بالسمعة أو الكرامة أو التجريح أو الإساءة الشخصية إلى رجال الدين والدولة» نقد غير موضوعي وغير هادف للمصلحة العامة» و«إثارة النعرات وبث الفرقة بين المواطنين، التشجيع على الإجرام أو الحث عليه» نقد غير موضوعي وغير هادف لمصلحة المجتمع وكذلك كل «ما يضر بالشأن العام في البلاد».

ونلاحظ مما سبق أننا نقف أمام مصطلحات ذات عتبات متعددة الدلالات، مثل «مخالفة أحكام الشريعة» التي تدخل فيها بدءاً من «تقليم الأظافر» و«لبس النعال»-أكرمكم الله- إلى «حفر القبر» بما فيها الحلال والحرام والجائز والمستحب وفرض العين وفرض الكفاية، وقد يحرم الرقيب الثقافي وفق هذا البند ووفق ما فهم على أي كتاب «تناول الاختلافات الفقهية بالنقاش والتأويل»، وأظن أن المقصود «بمخالفة أحكام الشريعة» التشكيك في قيم الإلوهية والعبودية، وليس التفاصيل الفقهية لأحكام الشريعية.

وأيضاً من المصطلحات ذات العتبات متعددة الدلالات «أمن البلاد» و«المصلحة الوطنية» «إثارة النعرات» «ما يضر بالشأن العام».

لأن المشكلة الآن «مشكلة فهم أبعاد تلك المصطلحات» هي ما بين «الكاتب والرقيب الثقافي والمسئول عن المطبوعة» وهما عادة يُفضلان السطح على العمق، والبعد عن المنطقة الحارقة.

وأخشى أن فهمهما المنقوص لأبعاد تلك المصطلحات وعدم مراعاة الفروق النفعية لتناول المصطلح وتحليله من قبل الكتّاب والتطبيق الحرفي لبنود التعديل دون الوعي الكافي بروح ذلك التعديل واستيعاب أصل القيمة المبني عليه التعديل أن يُضّيق على فكر الكاتب ورؤيته وأن يُقصي أي رأي مختلف، وأن يسهم في فرض تيار فكري معين على الساحة الفكرية والثقافية بحجة بنود هذا التعديل، مما قد يُسبب خلالاً في توازن قوى منظومة الاختلاف الفكري.

وفي مقابل آخر أخشى أن يلتف من يتوهم بأنه مستفيد بصورة مباشرة من بنود هذا التعديل، أو من يتوهم أنه غير مستفيد من هذا التعديل لإعادة الصراع الفكري في المجتمع وتعميم الفكر الواحد.

ولذلك يجب أن تكون هناك قراءة واعية لهذا التعديل من قِبل جميع الأطراف قائمة على «لا غالب ولا مغلوب هاهنا».

ولذلك أعتقد أن الكتّاب في الفترة القادمة أمام اختبار لا اختيار.

-

sehama71@gmail.com جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة