Culture Magazine Thursday  05/05/2011 G Issue 340
أوراق
الخميس 2 ,جمادى الثانية 1432   العدد  340
 
العمى الفكري
د. بندر آل جلالة
-

ليست العين فقط هي التي تُصاب بالعمى بل إن الفكر أيضاً قد يُصاب به؛ فهنالك فئام من البشر يعانون عمى فكرياً يحجب عنهم رؤية الحقائق وارتباط العناصر؛ لذا فإنهم عاجزون عن إدراك ما يدور حولهم من قضايا حياتية؛ ولذلك أسباب عدة، من أهمها الإملاق في امتلاك القدرات الفهمية الذهنية، إضافة إلى وجود أنماط مختلفة من عوائق التفكير التي تُشكِّل غشاوة تحول دون النفاذ إلى الفهم الصحيح، ومع كثرة تراكمها فإن الفكر يُصاب بالتكلس الذي يؤدي به في النهاية إلى العمى الجزئي، ومن ثم إلى العمى الكلي.

وبالوصول إلى تلك المرحلة يكون الإنسان قد فقد إحدى وظائفه الطبيعية؛ فيتوقف عن التفكير في الآراء المتعددة والمستجدات الحالية، ويبقى معتمداً على ما قد اختزنته ذاكرته دون أدنى محاولة لتحريك مياهها الراكدة.

إن كون الإنسان ملتزماً بالتعاليم الدينية فإن ذلك لا يكفي لامتلاك القدرة على الفهم والتفكير السليم؛ فلا بد من البناء العقلي والفكري إلى جانب البناء الروحي والإيماني.

ومن أمثلة تلك العوائق ما يأتي:

1- الخلط بين الثوابت والوسائل:

لقد وضعت الشريعة الإسلامية مبادئ وثوابت لا يجوز لأحد أن يخترقها أو يغير فيها, لكن الوسائل المتبعة في تفعيل تلك الثوابت ودعوة الناس إليها تختلف من زمن لآخر، ومن مكان لآخر؛ ومن هنا فلا بد من بذل الجهود في تطوير وتحسين تلك الوسائل في إطار المباح، بيد أن المصابين بالعمى الفكري يقفون ضد تجديد تلك الوسائل ظانين أن ذلك يُعدّ خرقاً للثوابت والمبادئ.

2- التركيز على القائل بدلاً من القول:

وهذا يجعل الإنسان يُصدر أحكاماً لا تستند إلى حقيقة ما يُقال، وإنما على وضعية القائل؛ فالمصابون بالعمى الفكري يوافقون على كل ما يقوله من ينتمي إليهم، بينما يصدون عن قول غيرهم، دون أن يعطوا لعقولهم فرصة للتحليل والتدقيق.

3- ضمور المعلومات:

إن محاولة إيجاد أكبر كمية من البيانات والمعلومات الصحيحة تتطلب جهداً لا يستطيعه المصابون بالعمى الفكري؛ لذا فإننا نجدهم - في معظم الأحيان - يندفعون إلى صياغة الأحكام متأثرين بالبُعد العاطفي والنفسي دون الارتكاز إلى معلومات وبراهين واضحة.

4- عدم الموازنة بين الاقتراب والابتعاد:

إن محاولة الفَهْم لأية قضية تتطلب إما الابتعاد حتى نستطيع رؤية الصورة الكلية أو الاقتراب حتى نتعرف أكثر على التفاصيل، وتعتبر هاتان الطريقتان من أهم أدوات الرؤية الصحيحة التي يجدر بنا أن نستخدمها بفن وتلقائية، والأفضل في معظم الحالات أن نبقى على ارتفاع مناسب، إلا أن المصابين بالعمى الفكري لا يُحسنون استخدام هذه الأدوات.

5- المزج بين الذات والموضوع:

المصابون بالعمى الفكري لا يفهمون العلاقة بين الذات والموضوع وبين المنهج والأشخاص؛ لذا فإن تقييمهم للرؤى والأفكار المخالفة لهم يكون في معظمه موجَّهاً لذات الشخص ولنيته، وهذا في الحقيقة يُعتبر كسوفاً في العقل.

6- مضادة الممكن:

المصابون بالعمى الفكري ليس لديهم المرونة العقلية والسلوكية لفعل الممكن بل يطالبون دوماً بالمستحيل؛ فشعارهم (إما كل شيء أو لا شيء)، وهذا واضح حتى في محاولتهم تغيير حياتهم وأوضاعهم الشخصية؛ حيث إنهم لا يستثمرون الإمكانات المتوافرة لديهم بل يطول أمد تطلعهم إلى ما لن يستطيعوا فعله والتمكن منه في وقتهم الحالي.

7- ربط التحصين بالانغلاق:

المصابون بالعمى الفكري يرددون دوماً أن أفضل طريقة لمحاربة الأفكار الخاطئة للآخرين هو الانغلاق؛ فهم للأسف لم يدركوا حتى الآن أن العالم كله لم يصبح قرية واحدة فحسب بل أصبح غرفة واحدة! ففي ثوان معدودة يستطع المرء أن يرى ويسمع ويقرأ أضعاف أضعاف ما يراد الانعزال عنه، وفي اعتقادي أن الوسيلة الأكثر نضجاً هي أن يكون هنالك توضيح لما يُطرح من أفكار ورؤى وشبهات ومن ثم يتم الرد عليها بكل موضوعية، كما أنه من الأفضل أن تكون التربية مبنية على الحوار وسماع الآراء مع البناء الشرعي والفكري الذي يضيء للمرء طريقه.

8- المناداة بتطبيق ما لا يطبقونه:

المصابون بالعمى الفكري يزعجوننا بأهمية الحرية في التعبير وطرح الرأي وعدم التحيز والإقصاء وينادون بالموضوعية والحيادية، ومع ذلك فقد أصبحوا في نظر المجتمع نموذجاً فريداً للحجر على الآراء وإقصاء من لا يرى رأيهم بل والتهجم والنَّيل منهم.

إن ما قد ذكرته من صفات قد تكون متفرقة في عدد من الناس وقد يجتمع بعضها لدى البعض، وإننا محتاجون دوماً إلى أن نعتني بتحسين نمط تفكيرنا وبفحصه بشكل مستمر؛ حتى لا يصيبه العمى.

-

- أبها

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة