رجلٌ يملؤه الحسُّ الوطني كما الثقافي؛ فهو مهندسٌ وأديب، «تاروتيّ» يعشقُ أرض الجزيرة العربيةَ وسماءَها ويدافعُ عنها، ويقالُ: إنه لم يبقَ طويلا سفيرًا في طهران بسبب ولائه لبلده وأمته فاختار الترجلَ من كرسيٍّ رفيع غيرَ عابئٍ بالمزايا التي قد تتصادمُ مع ثوابته، وهو نموذجٌ لفضاء التسامي والتسامح والإخلاص.
ارتبط اسمه بالعمل مع الدكتور غازي القصيبي عبر تصادفاتٍ متتالية منذ أن جمعتهما جلسة عمل؛ هو ممثلا مركز الأبحاث والقصيبي رئيسًا لمؤسسة سكة الحديد حول أرض المنطقة الصناعية في الدمام، ثم وافق القصيبي- الذي صار رئيسه بعد أن عين وزيرًا للصناعة والكهرباء – على إعارته للصندوق السعودي للتنمية، واستعاده منها مديرًا عامًا لمشروع الجبيل في الهيئة الملكية للجبيل وينبع، فنائبًا لمحافظ المؤسسة العامة للكهرباء، وحين عين القصيبي وزيرًا للصحة رافقه وكيلَ وزارة للتخطيط والتطوير، وبينهما من الوشائج الثقافية ما يمتد سجالًا بمساحة الاهتمامات المشتركة.
عصاميٌ ينتسبُ لأسرة معروفة بتجارة اللؤلؤ؛ فقد عمل في أرامكو مبكرًا وواصل دراسته في الوقت ذاته، ولم يقف إلا وشهادة « دكتوراه الهندسة الصناعية « من «بيتسبرغ» تُتوج مسيرة كفاح، وترسم رحلة نجاح، وتقدم نموذجًا للعزم والحزم.
معنيٌ بالسيرة الذاتية؛ قراءةً وتأليفًا، وقد جسد ذلك في كتابيه « تراث الأجداد « و» مررت بالدهناء «، ووجدا احتفاءً خاصًا لم يخلُ من انتقاد؛ حيث قرأ المتابعون فيهما حياةَ الشظف قبل النِّفط وملامحَ الترف بعده وامتدادات أسرته العريقة في القطيف والبحرين؛ فدرس – في الكتاب الأول - وثائقها خلال قرن ونصف (1200-1350 هـ )، و عرض- في الثاني - سيرته الذاتية الجادة المنضبطة من لدن الطفولة حتى ما بعد التقاعد؛ منتهجًا الصدق الذي لم ينفِ اختلاطه العفويَّ بالنسيان لاعتماده على ذاكرته.
أشاد قارئو السيرتين بتلقائية « أبي سمير» وحرصِه على ذكر وقائع حياته دون مبالغة، لكن بعضهم رأى فيها إغفالًا للجانب الذاتي العاطفي وعلى الأخص ما يمسُّ علاقته بالمرأة، وفاتهم أن معظم كتاب السيرة الذاتية « المباشرةِ غيرِ المختلطة بالرواية السيرية « يتحرجون كثيرًا حتى عند الإشارة لأمهاتهم وزوجاتهم وأخواتهم إلا فيما يخص مفاهيمَ عامةً كالبرِّ والصلة والمودة والعرفان، أما ما وراء ذلك فنطاقاتٌ شبهُ محرمةٍ عرفًا لا شرعًا؛ فسيرةُ الرسول العظيم «صلى الله عليه وآله وسلم» مملوءةٌ بالأدق والأجل و بما يُفصِّلُ أحداثّ يومٍ في حياة رجل، كما هي سيرة السلف من ذوي العلم والسياسة والإبداع والإمتاع، ويبقى أن الجانب النسويَّ في حياة الرجال متشابهٌ ومكرور ولا إضافةَ إلا في تغيير الأسماء والأماكن، وربما في تجاوزِ بعض الحدود والقيود.
أبو سمير يقول الشعر، وقد داعبه القصيبي ذات تراسلٍ بينهما حين جمعتهما وزارة الصحة بتعليقٍ طريف قال فيه: « أنت تعرف أن الوزارة لا يمكن أن تتحمل شاعرين فإما أن تكفَّ عن قول الشعر (وأنا ألاحظ تحسنًا في المستوى) وإما.... !! ورحم الله غازيًا فقد كان ما لم يكنه سواه.
الدكتور جميل بن عبد الله بن منصور الجِشِّي لا يؤكد تاريخ ميلاد دقيقًا له وإن راوحه بين عامي 1938-1941 م ومرجحًا عام 1940 م، لا على طريقة « 0خير الأمور الوسط « بل وفق معطياتٍ مقارنة لديه، وعادته في الصدق والمباشرة جعلته يضع كل الاحتمالات، كما حكى عن أسباب تسميته « جميلًا «، وكان الاسم المقترحُ له بدءًا « علي جمعة».
للجشي مؤلفاتٌ أخرى في قضايا « التقنية والتنمية والمشروعات الصناعية «، كما له حضورٌ كتابيٌ في بعض الصحف، كما هو عضوٌ في مجالس إدارات عدد من المؤسسات والشركات، وله أعماله الخاصة، ولديه من الوقت ما يصرفه في المتابعة والقراءة والتواصل وربما التأليف؛ فقد بقيت سيرته الإدارية وعلى الأخص في الصحة والسفارة والشورى بحاجةٍ للتوثيق.
الحياةُ حكايات.
-
+
Ibrturkia@gmail.com