الثقافية - سعيد الدحية الزهراني
برعاية معالي مدير جامعة الملك سعود الأستاذ الدكتور عبد الله العثمان نظم قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب بمشاركة الغرفة التجارية والصناعية بالرياض، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الثقافة، والتعليم الخاص ورشة عمل بعنوان: مهارات اللغة العربية في مجالات العمل يومي الأحد والاثنين 26 - 27 /6 /1432هـ الموافق 29 - 30 /5 /2011م بمقر الغرفة التجارية والصناعية بمدينة الرياض.
وضمت الورشة عددا من المحاور منها المشكلات اللغوية في العمل والحلول المقترحة للمشكلات وتجارب لخريجي جامعة الملك سعود والنظريات المعرفية في استخدام اللغة العربية. وتهدف الورشة إلى معرفة آراء جهات العمل المفترضة لخريجي جامعة الملك سعود بشأن المهارات اللغوية المطلوبة في المرشحين للعمل في تلك الجهات، وتقويم وجهات النظر التي تطرح في جلسات الورشة، وتحويلها إلى برامج عمل. كما تهدف الورشة إلى إعادة النظر في مفردات مواد اللغة العربية الحالية وفقاً لتلك المتطلبات، والتفكير في إنشاء نوعين من البرامج؛ أحدهما يُعنى باللغة لأغراض عامة، والآخر باللغة لأغراض خاصة، ووضع تصور لإعادة تأهيل بعض العاملين في تلك القطاعات، فيما يخص الكتابة الوظيفية. وذكر الدكتور حمد البليهد رئيس اللجنة الإعلامية بقسم اللغة العربية وآدابها إن هذه الورشة تأتي في إطار أنشطة القسم وفعالياته المتنوعة للإسهام في تقديم رسالة جامعة الملك سعود في عقد شراكة عملية تكاملية شاملة بين قسم اللغة العربية وآدابها وبين مؤسسات المجتمع العامة والخاصة، والقطاعات الحكومية كالوزارة والبنوك والشركات ووسائل الإعلام، كما أن مثل هذه الورش تسهم بشكل كبير في تجسير الفجوة بين فئات المجتمع ولاسيما العاملين في القطاعين الحكومي والأهلي، وبين استخدامهم للغة العربية في المجالات الوظيفية في ظل حملات الإقصاء التي تتعرض لها اللغة العربية في كثير من مجالات الحياة، فهذه الورش أيضاً تشكل حلقة وصل وشراكة تعريفية بين أرباب الأعمال في المؤسسات والوزارات الحكومية وشتى القطاعات الأهلية، وبين خريجي قسم اللغة العربية وآدابها.
وفي هذا السياق.. قدم الزميل الدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن التركي مدير التحرير للشؤون الثقافية نائب رئيس شركة مدارس رياض نجد (ومدير عام مدارسها) ورقة بعنوان «عوائق توظيف خريجي اللغة العربية في التعليم الأهلي والإعلام»..
الزميل التركي ابتدأ ورقته بـ:
«يأباني جيده وآبى رديئه» هذه الجملة الذائعة التي يروى أن الخليل بن أحمد أجاب بها من سأله عن فهمه بالشعر وروايته له وعدم قوله في الآن نفسه، ولعلها تلخص رؤية التعليم الأهلي والإعلام الجاد حول خريجي أقسام اللغة العربية؛ فالمتميزون فيهم يعلمون أن أبواباً أكثر اتساعاً ستشرع أمامهم، ومن هم في الضفة الأخرى لا يلائمون التعليم العام الأهلي الجاد الحريص على تنمية مهارات طلبته في تخصص اللغة العربية الذي امتد ضعف مخرجاته ليطال مستويات التعليم بدءاً من طالب المرحلة الابتدائية حتى أستاذ الجامعة ومعهم الكتاب والمؤلفون والصحفيون والإذاعيون، وتعميم الحكم لا يمنع الاستثناء الذي يتوجه خريجوه – في الأعم – للتدريس الأكاديمي في أقسام الأدب واللغة بصورة أخص.
لن أفصل بين التعليم الأهلي والإعلام في هذه الورقة إلا من زاوية وظيفية مهنية محدودة؛ فكلاهما يشكوان ندرة المؤهلين المتقدمين للعمل فيهما، وفق المعطيات الآتية:
يسير التعليم الأهلي حراً في اختيار كفاءاته التعاقدية من خارج الوطن فلا يلتزم بالسعودة إلا في مجال التربية الإسلامية، وهو مضطر - من أجل تنفيذ التعليمات الرسمية -للقبول بخريجي الدراسات الإسلامية - على اختلاف مسمياتها - دون أن يركز كثيراً على الكفاءة العلمية فالمتقدمون قلة والمفاضلة بين القلة عملية بلا طائل، وحين تُكلِّف غير سعودي بتدريس المواد الدينية فإن المؤسسة التعليمية مساءلةٌ عن ذلك، وغني عن القول؛ إن المدارس صارت تقبل الأقل مخلية مسؤوليتها عن الخلل الكبير في تدريس مواد التربية الإسلامية لما سبق من إلزام لا ينفع معه عذير أو تبرير.
وغني عن القول إن من يقبلون التدريس في المدارس الأهلية من متخصصي الإسلاميات مؤقتون ينتظرون الفرج في تعيينهم في المدارس الحكومية بعد تحصيل خبرة عام أو عامين، وخلالهما فأغلبهم يغيبون ويتأخرون فلا تقدير مطلوبا لانتقالهم للوظيفة الحكومية الهادئة المهادنة الأكثر دخلا والأقل مسؤوليات، ولا معنى لتساؤل عن مستوى الطلبة في هذه المواد، ولو أتيح لنظرية المؤامرة أن تسود لكان توطين وظائف معلمي التربية الإسلامية منطلقا لتجهيل النشء بدينهم.
كان يمكن للغة العربية أن تكون ضحية أخرى لو وطنت وظائفها بحكم النظام؛ ولذا فإن من يمكن منهم لتدريس اللغة العربية في مدارس التعليم العام الأهلي أقل من الندرة، ومن واقع تجربة خاصة مع مدارس كبرى فيها أربعة آلاف طالب وطالبة ( ألفان في مدارس البنين ) فإنها وظفت لتدريس اللغة العربية ثلاثة فقط انتقل اثنان منهم للتعليم الحكومي والعمل الإداري وترقى الثالث في المدارس ذاتها ليصبح أحد مسؤولي الإدارة المتوسطة.
وظفت المدارس عددا آخر من خريجي اللغة العربية من ذوي المستويات التعليمية الضعيفة، لا في التقدير فهذا ما لا يحتفي به القطاع الأهلي كثيراً بل من واقع المعرفة المباشرة بأوليات النحو، ووجهتهم لتدريس مواد التربية الإسلامية والوطنية التي نعاني من نقص في أعداد متقدميها، وللتدليل فقد وظفت في مدارس البنين «23» من خريجي اللغة العربية خلال العامين الماضيين لا يصلحون لتدريس اللغة العربية فدرّسوا مواد إسلامية واجتماعية.
قد يطرأ سؤال عن المزايا التي تقدم لهم فربما كان هذا هو الحائل عن قبولهم هم بالمدارس الأهلية، ومن تجربة خاصة لا يمكن تعميمها فإن من يتوظف معلما يستلم راتباً يتجاوز في حده الأدنى 4500 ريال، عدا التأمينات الاجتماعية والتأمين الطبي وإجازة خمسة وأربعين يوماً سنوياً مدفوعة الأجر، ومن يستقر منهم ويستقطب لوظيفة أعلى فإن راتبه - في بدايته - يتجاوز 8000 ريال مع تذاكر ومكافأة سنويتين وعلاوة 500 ريال كل عام وغيرها من الحوافز.
وحين نقارن هذا الوضع بالعمل الإعلامي الإذاعي والتحريري فإن عدم التمكن من اللغة يبقى العنصر العائق لتعيينهم، وأنتم في غنى عن شرح استحالة تعيين مذيع لا يستقيم لسانه، ووعينا إذاعيين لا يحملون شهادات رسمية كانوا مراجع في اللغة العربية، وأما وظائف التحرير والتصحيح فكثير من الموهوبين غير المتخصصين يتفوقون على خريجي اللغة العربية؛ فدراسة الأساليب لا تخرج ذا أسلوب، وأخطاء التصحيح تئد الكاتب والكتابة؛ ما يجعل التوظيف مقترنا بالمهارة لا الوثيقة الجامعية، وللتدليل كذلك فإن المحررين الثقافيين في الجزيرة ليس بينهم سوى واحد متخصص في اللغة العربية.
ولعل من المهم أن نشير إلى أن الحديث السابق ينطبق على الخريجين أكثر من الخريجات؛ بسبب كثرة العدد الفائض منهن وضيق الفرص الحكومية أمامهن؛ ما جعل التعليم الأهلي يفاضل بينهن ويجد في بعضهن ما يؤتمن علميا على تدريس النشء،كما أن منهن نماذج متميزة في التحرير والكتابة تفوق كثيراً ما نجده عند الشباب.
وقد نخلص مما سبق إلى اقتراح إعادة النظر في مناهج أقسام اللغة العربية لتتواءم مع احتياجات التعليم والإعلام، وكذا التدقيق في اختيار المتقدمين كيلا تظل أقسام اللغة العربية في المرتبة الأدنى المتاحة للأقل تحصيلاً، ولا يعني هذا اشتراط النسبة المئوية؛ فمعرفة اللغة وإتقانها والمقدرة على الكتابة والتحرير الصحفي تدين لذوي المهارة والموهبة دون أن ترتبط بنسبة الثانوية العامة واختبارات التحصيل والقدرات وما في حكمها.
-