Culture Magazine Thursday  28/01/2010 G Issue 296
فضاءات
الخميس 13 ,صفر 1431   العدد  296
 
بين الثقافة والإعلام: فصل مع وقف التنفيذ
نورة القحطاني

لا جدال في أن كلاً من الثقافة والإعلام تربطهما علاقة قوية يدعمها ذلك التداخل الشديد بين السياسة الإعلامية والثقافية، فالإعلام هو الجانب التطبيقي للثقافة، والذي يجسدها كوسيط ناقل للمتلقي الذي تستهدفه الثقافة والإعلام معًا، ولكن أن تحال مهام الثقافة إلى الإعلام لتذوب مطالب الثقافة واحتياجاتها أمام متطلبات الإعلام؛ أمر يحتاج إلى وقفة تدرس آثاره السلبية على الشؤون الثقافية، وتأخر الثقافة عن أداء دورها في عملية التنمية والتي تعتبر هي المحرك الرئيس لها، لذا فمن الطبيعي المطالبة بأن تستقل الثقافة عن وزارة الإعلام كما هو الحال في أغلب الدول العربية، وفي شهر نوفمبر الماضي كلنا تابعنا جدل المثقفين المصريين عندما تردد في أوساطهم خبر ضم وزارة الثقافة إلى الإعلام، فعلت أصوات الاعتراض على دمج الوزارتين بالرفض الذي يعني - على حد رأيهم- أن تتحول وزارة الثقافة إلى مجرد صوت، وهذا ما صرح به وزير الثقافة فاروق حسني عند رده على سؤال الصحافة بقوله:» إنّ ضم وزارة الثقافة أو دمجها مع أي وزارة أخرى هو بمثابة قرار القضاء عليها» ذلك لأن إيقاع الثقافة بطيء مقارنة بإيقاع الإعلام السريع؛ مما يعقّد مهمة الوزير في حال كان مسؤولاً عن الاثنين معًا، فالثقافة لها أجندة خاصة وإستراتيجية مختلفة عن الإعلام، إلا إذا كنا ننظر للثقافة نظرة أقل درجة من الإعلام، ولن يرضى أي مثقف بأن تكون الثقافة جسدًا بلا روح، وقد تكون تجربة فصل الوزارتين تجربة ناجحة إن درست باهتمام آخذين بعين الاعتبار الأوضاع الراهنة التي يعاني منها المشهد الثقافي، والتي تحد من قدرة ثقافتنا على المنافسة عربيًا وعالميًا، وهذا مطلب مشروع لكل مثقف متابع لتطورات الحركة الثقافية لدينا، فكثير من الأندية الأدبية يعيش هذا العام فترة أشبه ما تكون بالغيبوبة الثقافية - إن صح هذا التعبير- بعد أن لمع نجم بعضها في سماء مشهدنا الثقافي بأنشطة متنوعة، أشعلها حماس المثقفين في بداية التشكيل الجديد لمجالس الأندية الحالية، ولكن نشعر الآن بانتكاسة خلقتها أزمة غياب التخطيط الثقافي الهادف الذي يمنح العمل استمرارية نجاحه، ترجم ذلك التخبط الذي تعيشه الأندية في مراحل عمرها الأخيرة تأجيل بعض الفعاليات، وإلغاء أخرى، وضعف ما نفذ منها على مستوى المشاركين أو المحاور المطروحة، وهزال الموضوعات، وهشاشة القرارات التي تتخذها اللجان بشكل يخلو من أي جهد متميز يعكس ثقافتنا، ولن ننسى بالتأكيد تلك الإشكاليات الأزلية التي ما زالت معلقة ولم تتحرك الوزارة لحلها أو تحريك الراكد منها، ربما عملاً بالمبدأ الذي يقول:» يبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى الاستقالة» فتتحول الأمور الثقافية حتى البسيطة منها إلى معقدة في ظل غياب خطط ثقافية محكمة تنظم المعايير الإدارية، والبرامج الثقافية للصعود بالمشهد الثقافي إلى آفاق غير مسبوقة، وهذا ما تنقله لنا الصحف بين حين وآخر من خلال تصريحات المسؤولين كرؤساء الأندية أو أعضاء اللجان الثقافية المختلفة التي تؤكد عجزها عن إنجاز بعض البرامج الثقافية بسبب ضعف الميزانية المخصصة للعمل الثقافي، وكان آخرها تصريح الدكتور سعد البازعي لصحيفة الوطن، مما يشكل عقبة رئيسة تقف دون تنفيذ أي مشروع ثقافي، وكم من مشروع كان من المؤمل إنجازه لكنه جمُد يحفه الصمت عن تبرير الأسباب، وهنا تكمن الخسارة الحقيقية للمشهد الثقافي، ومع هذا لا تخلو الصورة بالتأكيد من بعض ملامح مضيئة، حيث تشهد بعض فعالياتنا الثقافية محاولات جادة لتقديم برامج أفضل، في ظل قيود قاسية ومعروفة للجميع. وقد تنبهت دول مجاورة لحجم الفجوة التي يحدثها استمرار الوزارتين معا، وكان أولها مملكة البحرين التي خرجت لنا منها الشيخة مي آل خليفة عندما كانت وكيلة لقطاع الثقافة تنادي بضرورة فصل الوزارتين، ثم تقدمت باستقالتها حين عجزت عن تحمل المعوقات التي وضعها المسؤولون في وزارة الإعلام أمامها، ولتوضيح ذلك قالت في حوار معها لصحيفة الشرق الأوسط:» الثقافة في النهاية عملية توجيهية حرة لا تقبل بالوصاية لأنها ناتجة عن نشاط ذهني وعقول مفكرة خارج النطاق الرسمي وبعيدًا عن الخطاب الإعلامي» من هنا يصبح تأسيس وزارة مستقلة للثقافة حلاً لكثير من المعوقات الثقافية التي ستحقق أمورًا هامة منها: تطوير الأندية الأدبية إلى مراكز ثقافية تضيء المشهد الثقافي والفكري بحيوية الإبداع، وتقف في وجه أي تهديد ثقافي يستهدف عقول شبابنا، كما أنها تزيد من فرص التفاعل مع ثقافات العالم المختلفة من خلال التلاقح الثقافي في الأنشطة الثقافية والمهرجانات العربية، والمشاركة في الفعاليات الدولية لتعريف الآخر بالوجه المشرق من ثقافتنا، وسيكون من أهم مهام هذه الوزارة وضع إستراتيجية واضحة للعمل الثقافي مع مرونة كافية تمنح هامشًا من الحرية للتعامل مع أي أوضاع طارئة أو أحداث ثقافية تفرضها الظروف الاجتماعية والثقافية المتغيرة، وكل ذلك حتمًا سيحقق إثراء ودعمًا لعناصر التثقيف المختلفة، ويعمل على نشر وعي ثقافي مغاير يضع ثقافتنا مستقبلاً في مكان ريادي وحضاري. تلك كانت رؤية نهدف منها اختصار الوقت والجهد لنضع خطابنا الثقافي على نقطة بداية متقدمة، تركز على معالجة القضايا الهامة التي أفرزتها العولمة والانفجار المعلوماتي، فنحن في حاجة حقيقية للروح التشاركية التي تكوّن فريقًا واحدًا باحثًا عن وسائل تحقيق أهداف الثقافة والرقي بها.

جدة
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة