Culture Magazine Thursday  28/01/2010 G Issue 296
فضاءات
الخميس 13 ,صفر 1431   العدد  296
 
القرار بتمديد إدارات الأندية الأدبية
هل هو إفلاس ثقافي أم فراغ ثقافي؟
سهام القحطاني

لا شك أن أي مثقف حصيف لا بد أن يتساءل عن مقصد وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة وهو يقارن بين الأندية الأدبية والمواقع الإلكترونية ويجيّر الأفضلية للمواقع الإلكترونية، من خلال إحدى إجاباته «بعض المواقع الإلكترونية أجدها أفضل أحيانا من كل الأندية الأدبية»، وتحديد مصدر الأفضلية هنا، هل يعني إعلان غير مباشر من قبل معالي الوزير عن عدم الرضى عن الأندية الأدبية؟ هل يعني هذا التصريح المبطن بوجود مقابل أفضل للأندية نية جديّة لتفكيك الأندية الأدبية؟ هل تحمل هذه الإجابة إشارة ترمز إلى رفض الوزير الجديد للنظام الثقافي القديم؟

هل تشير هذه الإجابة إلى رؤية تغيير لن تكون في مصلحة الأندية الأدبية؟.

أم أنها مجرد عبارة تراعي مقتضى الحال؟ وأن قرار تمديد إدارات الأندية الأدبية هو برهان على أن التاريخ الثقافي سيعيد نفسه وإن كل الطرق تقود إلى روما.!

وفي المقابل ألا نعتقد أن عبارة معالي الوزير خوجة مجحفة للأندية الأدبية لأنها همّشت دورها وأثرها الثقافيين وقيادتها للمشهد الثقافي؟.

فسحب الأفضلية منها يعني إلغاء قيمتها وأثرها وتاريخها الثقافي، فالمشكلة ليست الأندية الأدبية بل في النظام الثقافي الذي تتحرك به الأندية الأدبية وفي ثلة المسؤولين الثقافيين الذين يقودون الأندية كما يقود البدوي بعيره وناقته.

ويبدو أن وجود معالي وزير الثقافة الفترة الماضية خارج البلد قد فوتّ عليه متابعة الحركة الثقافية التي ترعاها الأندية الأدبية.

ونقطة أحسبها جديرة بالملاحظة وهي أن المواقع الإلكترونية في مجتمع مغلق ثقافيا مثل المجتمع السعودي ومجتمع أٌميّ على المستوى التقني لا يمكن المراهنة عليها كقناة تغييرية أو قناة ستقود التغيير الثقافي، فهي لا تتجاوز كونها تجربة ثقافية الاستفادة منها محدودة؛ لعدم جدية ما تطرحه وللغاية الترفيهية والتنفيسية التي تتبلور من خلالها أهدافها، وحتى الثورة الثقافية التي تُحّرض عليها بعض المواقع الإلكترونية تفقد أهميتها لبعدها عن السقف الموضوعي للواقع الثقافي ومؤثراته وهو أمر بدوره يفقدها جدية المسؤولية الثقافية نحو تغيير وتطوير العقل الثقافي.

كما أن تلك المواقع لم تستطع حتى الآن أن تقود الفوضى الخلاقة التي تنعكس على الواقع الثقافي مشهده وقنواته وأنظمته الثقافية التقليدية.

ولتلك الأسباب فأنا أعتقد عكس ما يعتقده معالي وزير الثقافة أن المواقع الإلكترونية ليست أفضل من الأندية الأدبية، بل أزعم أنها دعّمت العنصرية الثقافية والتشنج الفكري الثقافي كما دعّمت السلبية الثقافية والثرثرة الثقافية فهي مجرد مقهى ثقافي لا غير.

هذا لا يعني أنني أصف مع الأندية ضد المواقع الإلكترونية بل يعني وجوب الإحاطة والتحري بموضوعية المقارنة والأفضلية على الأقل وفق ما اعتقده.

* صحيح أن جمهور المثقفين لم يستغربوا من قرار وزارة الثقافة والإعلام بتمديد إدارات الأندية الأدبية لموسم ثقافي آخر لأنه؛ كان من ضمن توقع أفقهم، لكن بلا شك أن أثر واقعية الشيء يختلف عن أثر توقعه؛ لأن توقعك عادة يفترض أفضل ما يمكن بحكم تحكمك في إنشاء الاحتمال الإجرائي، في حين أن واقعية الشيء تفرض عليك تكوين الاحتمال وفق جدول مواصفات إجرائي مسبق، وهنا يصبح التعديل مٌعوِضا عن التغيير.

والتغيير التعويضي بالتعديل عادة يستخدم في حل الأزمات وتطوير البرامج وليس في إنشاء الاستراتيجيات.

على العموم أعتقد أن القرار جاء متفقا مع حالة الواقع الثقافي، وأحسبه قرارا حكيما، والحكمة هنا ليست بلاغة الفعل بل مراعاة سقف الكفاية لمقتضى الحال، كما أن الاتفاق ليس مؤشرا على «التوفيق» بل هو مؤشر على أن الواقع الثقافي يعيش فراغا استراتيجيا للثقافة، وحينها يصبح من الحكمة ألا تتخلص من حذائك القديمة إذا لم تكن قادرا على شراء أخرى جديدة!.

وإذا كان القرار بتمديد إدارة الأندية الأدبية كان توقعا متفقا عليه من قبل المثقفين، فما يحمله من مؤشرات قد يختلف في تحديدها المثقفون فقد يراه بعض المثقفين أنه انتكاسة ثقافية وقد يرى البعض أنه فرصة لضبط التغيير الثقافي، وكلا الرأيين له سلمه المنطقي.

فمن يرى أن القرار انتكاسة ثقافية اعتمد على أنه يحمل إشارة إفلاس للتخطيط الثقافي للوزارة، وأن الوزارة لا تملك أي إستراتيجية لوضع بدائل تدفعها لتفكيك الأنظمة الثقافية التقليدية وإنشاء أنظمة ثقافية جديدة.

وهذا الفراغ الثقافي قد يكرّس بقاء النظام الثقافي القديم ويعيق أي تجديد ثقافي قريب المدى.

أما الرأي الآخر فهو يُبنى على حجة أن حال الوزارة الانتقالي الذي تعيشه الآن والفوضى الإدارية التي سببتها استقالة السبيل والجدل المصاحب لنظام الانتخابات وعدم وجود رؤية للائحة الأندية الأدبية كلها أسباب تقتضي من الوزارة تمديد ما سنته من نظام توظيف رؤساء الأندية الأدبية بدلا من أن تجرب نظاما ثقافيا لا يحمل رؤية أو إستراتيجية لمجرد إرضاء غرور الواقع الثقافي بوهم التجديد، وأصحاب هذا الرأي يدعمون حكمة الحذاء القديمة والجديدة، كما أنهم يراهنون على الوقت، ولا ندري ما هية الوقت الذي يراهن عليه هذا الفريق، فهل المقصود بالوقت هنا التجريب التنظيري للرؤية المبدئية للنظام الجديد؟ أم المقصود به الفراغ الزمني الذي يٌلزم الاستسلام بالواقع؟

ولو حللنا المنطق الواقعي لكلا الرأيين سنلاحظ أنهما يختلفان في المرجع، فالرأي الأول يعتمد على مرجع شاهد العيان أو اعتبار ما هو كائن؛ أي التوصل إلى النتائج وفق المتوفر من المقدمات «القياس بالقياس».

والرأي الثاني يعتمد على الشاهد الافتراضي أو اعتبار ما سيكون؛ التوصل إلى النتائج دون اعتبار للتأثير الإجرائي للمقدمات على التحصيل وهو ما يحولها إلى خلفية أكثر من كونها مؤثر والتحصيل عند أصحاب هذا الرأي قيمة وليس إنجازا.

وإضافة إلى الرأيين السابقين الذي يحمل كل منهما منطقا موضوعيا قد يٌراد به حق أو باطل، هناك أمر آخر أظن أن من الإحسان أن نقف عليه، وهو غياب الأجندة الثقافية الخاصة بالمؤسسة الثقافية الرسمية.

فالمؤسسة الثقافية الرسمية لا تملك أجندة ثقافية خاصة بها تقوم على إستراتيجية تطويرية تظل ثابتة وفاعلية لا تتأثر بالأجندة الثقافية للمسؤول الثقافي المٌغادر أو القادم.

هذا لا يعني أن المسؤول الثقافي يجب ألا تكون له أجندة ثقافية، لكن يعني ألا تتعارض أجندته الثقافية مع إستراتيجية أجندة المؤسسة الثقافية وأن تكون أجندة المسؤول الثقافي إضافة لأجندة المؤسسة الثقافية وليس بديلا لها.

وقد يرى البعض أن المؤسسة الثقافية لا تملك أصلا أجندة ثقافية وأنها تعتمد على الأجندة الثقافية للمسؤول وهذه هي كبرى مشكلات المؤسسة الثقافية «غياب الأجندة الثقافية الخاصة بها» وهي كبرى المشكلات لأنها تجعل مستقبل المؤسسة الثقافية الرسمية تحت رحمة ومزاجية أجندة المسؤول الثقافي، دون مراعاة لمتطلبات الواقع الثقافي ومستجداته.

كما أن وجود أجندة ثابتة للمؤسسة الثقافية لا تتأثر بتغير أجندات المسؤولين الثقافيين يضمن وجود إستراتيجية ثقافية فاعلة ويضبط تقويم منجز المؤسسة الثقافية الرسمية ويُعين على متابعة مراحل تطوير المشهد الثقافي كما أنه يُعين على الرصد التاريخي لمراحل المنجز الثقافي.

لكن ما يحدث عندنا أن المؤسسة الثقافية لا تملك أجندة ثقافية وهي تتحرك وفق أجندة المسؤول الثقافي، وبذلك فالقرار الثقافي يخضع لمنطق الأفراد وليس لإستراتيجية المؤسسة الثقافية.

فما يبدأه الوزير السابق من رؤى ناقصة أو مكتملة وهمية أو حقيقية واجتماعات ولقاءات ووضع تصورات صرفت عليها مبالغ لا يستهان بها من ميزانية الوزارة يأتي الوزير الجديد ويهدمها وتبدأ اللعبة من جديد. «وهذا افتراض» مبني على ما تعودنا عليه من مسؤولي المؤسسات الحكومية.

وعندما نسمع أن هناك تمديدا للنظام الثقافي القديم أعتقد أن من حق أي مثقف أن يسأل ما مصير التصورات والاستراتيجيات ومحاضر اللقاءات والاجتماعات التي تمت في عهد الوزير السابق؟.

هل أتلفت وستبدأ اللعبة من جديد؟ أم أنها ستعتبر قاعدة بيانات أولية يسترشد بها الوزير الجديد لإنجاز التجديد الثقافي وبذلك نتجاوز مشكلة «البداية من الصفر»؟.

هل ستتابع المؤسسة الثقافية في عهد الوزير الجديد المشروع الثقافي الذي بدأه الوزير القديم من لائحة الأندية الأدبية والانتخابات الثقافية وتوصيات المؤسسة الثقافية في عهد الوزير القديم؟ أم أنه سيلغي كل شيء وسيبدأ من جديد «على ماء أبيض» كما يقولون؟.

اعتقد أن من حق المثقف أن يطالب المؤسسة الثقافية في عهد الوزير الجديد بالشفافية في الإجابة عن هكذا تساؤلات كما أن من حقه أن يرفض إهدار المؤسسة الثقافية لجهوده وما قدم من تصورات، ومن حقه أيضا أن يرفض سياسة الإلغاء والمحور إن فكرت فيهما المؤسسة الثقافية.

ومن يتأمل أولويات الأجندة الثقافية لمعالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة سيلاحظ أنها تكاد تختلف عن أولويات الأجندة الثقافية للوزير السابق، ولا أدري ما الذي سوف ينتجه هذا الاختلاف إثراء ثقافي أم فراغ ثقافي؟.

وبصرف النظر عن ناتج ذلك الاختلاف فأنا أعتقد أن من الضروري والملزم أن تكون للمؤسسة الثقافية أجندة إستراتيجية تحمي القرار الثقافي من مزاجية المسؤول الثقافي واتجاهاته الفكرية والسياسية وطموحه.

جدة
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة